رفعت الجلسة
فاطمة العلويأوصل زوجته إلى المطار رفقة ابنيهما، ريم ثمانية أشهر، ووسيم ثلاث سنوات.. تمنى لهم رحلة طيبة في انتظار اللحاق بهم نهاية الشهر.عاشت (زهرة) أسابيع عديدة وهي تجهز لهذه الرحلة. مرت أكثر من أربع سنوات دون أن ترى أهلها وذويها ودون أن تلمس ريح الوطن.تعيش وزوجها هناك في الضفة الأخرى، المقابلة لأحلام واجهات البحر. لكن لو يعرف هؤلاء الذين يتمسحون بالغربة أملا، لو يعرفون شدة الألم بعداً عن الوطن..بخبزه الحافي وتقتير الأيام ومجاريه المفتوحة على كل الأبصار، والغيابات والريح الشرقية القاسية ..بكل هذا فهو الحبيب الوطن.[c1]وماؤه لا يشبه أي ماء ..ماؤه فرجة للضيق واقتناص سهرات العيد من لعبة القدر..[/c]وجاءت فرصة زواج ابن عمتها الورقة الرابحة للحضور والخروج من ضيق السؤال واحتياج مد الحنان بالرؤية.أقيمت الأفراح بالمناسبتين، وصول زهرة وزواج ابن العمة..كان العرس رائحة برتقال أعادت الابتسامة لكل الأحداق وانفرجت غصة أربع سنوات غياب. ومر بحلة تقليدية رائعة ومنقطعة النظيروفي صباح غابت عنه شمس أيلول الحارقة، وتوسد ضباب كثيف ثقيل وجه المدينة فانحبست الأنفاس، أحست زهرة بكآبة مفاجئة أرجعتها إلى تغير الطقس وحماقته التي تأخذ في اليوم كل الفصول .. لكن الكآبة امتدت إعياء مفصلياً حاداً جهة العنق ودواراً أعقبته ردات فعل غثيان لم يتوقـف، اضطرت العائلة على إثره نقل زهرة إلى أقرب مشفى..ورم خطير في الثدي جهة اليسار والبتر إجباري ومستعجل وإلا استفحل جهة اليمين وسرى في كل أوردة النبض.كانت الأشعة والتقارير الطبية حاسمة ، وحضور الزوج في هكذا حالات إجباري أيضاً ومسؤولية عليه أن يتقاسمها مع الطبيب.اتصلت زهرة بزوجها وأخبرته بهدوء مذهل كأن تزرع في نفسه الأمل.نعم سأحضر غدا أوبعد غـد ترتيبا لأوراق السفر وعلى أول طائرة.[c1]مر أسبوع والغثيان مستمر والإغماء أيضاً ..[/c]والعملية تجاوزت حضوره ، وتمت في ظروف صحية نسبيا ناجحة بعد أن تكلف بالمسؤولية الأخ الأكبر.استفاقت زهرة بعد ساعات ونادت زوجها ..أخبروها بأنه ربما غداً قادم.اتصلت به بعد مرور أسبوع آخر من الغياب ..-(مغلق أوالجهاز خارج نطاق الاتصالات )ثم (هذا الرقم لم يعد في الخدمة)أغلقت كل نوافذ الأمل ، وتأكد لها بأنه نسيها ، وصارت في خبر كان عشرة امتدت أكثر من خمسة عشر عاما.[c1]أكدت هذا بقوة ورقة صفراء حملتها إليها نفس الرياح ولكنها غربية قاسية من هناك..[/c]لابد أن تكون قوية لابد أن تنهض لأجل ولديها الصغيرين.ولكن العميلة لم تكن بنسبة الراحة التامة .نتج عنها تدهور صحي وآلام أخرى أعلى الرأس من جهة القفا ..أحست بالنهاية وخافت لحظة فراق وضياع ولديها في جبة الأخذ والعطاء ، ما بين الزوج والعائلة ، التي تحقد عليه أشد الحقد..إنها زهرة الغالية وتخلى عنها في أشد لحظات الحياة قسوة ، إذن هو ليس منا ..لكن زهرة تنتصر للعشرة ولأعوام جمعتها به ..جعلتها تتصل به خفية عن الأهل.[c1]كان صديق العائلة المغترب معها هناك (عمر) يعرف بقصتها، فـرقَ لحالها وأمدها برقم هاتفه الجديد ..[/c]نعم ..بجفاء رد عليها ..اسمع لا أريد شيئاً ..أحسني تعبة جدا ، فإن حصل لي مكروه خذ أنت وسيم ..واترك ابنتي لوالدتي إنها صغيرة وتحتاج مد حنان أكبر وأنت مشغول و..لا يستحيل إنهما ولداي ولن أتخلى عنهما رد عليها محافظاً على نفس لهجة الجفاء.أنا ..انتزع الأخ الأكبر من يديها السماعة، وهو يتفاجأ بمكالمتها لكنه كتم غيظه فالأهم هو أخته ..وصحتها ..وسيرجئ أي كلام إلى وقت آخر.واتحدت العائلة ماديا ومعنويا وأرسلت (زهرة ) إلى أكبر المستشفيات .وكان دعاء الجميع لحظة انفتاح السماء فـقـبلت كل التمنيات وكل الدعوات من الرحيم العزيز بان تعود زهرة للحياة .استجمعت كل قوتها ورددت أمام القاضي كل تفاصيل الحكاية وأرغمته بالصدق :الرعاية الكاملة والشاملة تعود للام..قال القاضي بضربة خفيفة على الطاولة الممتدة على طول القاعة .رفعت الجلسة.