يعتمد تحقيق مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة على صدق وإصرار الحاضن الاجتماعي لفكرة التغيير والبناء من جهة، وكذلك على إيمان الحاكم بقدراته وإمكانياته المادية والتنظيمية على خوض معركة البناء والتغيير بعزم وإصرار لا يلين من جهة أخرى.وبدون توفر هذين العاملين وتآزرهما في معركة البناء بالتعاون الهادف والمثمر يظل موضوع بنا الدولة المدنية الحديثة مجرد «شعار» فاقد للرابط الواقعي للتحقق، ويتحول بمرور الوقت إلى موضوع مثير للتندر والإحباط في آن. وينتزع بالتقادم والتدريج ما تبقى من تعطش حقيقي في النفوس لعملية التغيير.لذلك فإن مسؤولية الحاضن الاجتماعي من نخب وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني، وناشطين في المجالات الاجتماعية والثقافية هي مسئولية أكبر بكثير من مسؤولية الحاكم وبالتالي فهي تتحمل في حالة فشل المشروع تبعية أكبر من الحاكم والتي عادة ما تلقي عليه مسئولية فشل أي مشروع وطني.وهي إذ تفعل ذلك «النخب» فإنما للتغطية على عجزها عن تحشيد وتنظيم الجماهير والسير بها نحو هدف وطني عظيم هو بناء الدولة المدنية الحديثة، وإلا لماذا هي «نخب»؟. ومثل هذا التوصيف ينطبق بشكل أو بآخر على الحاكم بسبب الإمكانيات والخيارات المتاحة أمامه والسلطات الكبيرة التي يمثلها بتفويض شعبي واسع يمنحه القوه على اتخاذ قرارات حاسمة تفتح الطريق للتغيير وتكبح المعوقات. وإلا لماذا هو «حاكم»؟ من هنا تأتي أهمية الالمام الذكي من قبل طرفي المعادلة بالسياسات الحكيمة والتطبيق الناجح لها، والقراءات الحصيفة للواقع المحلي والاقليمي والدولي والتقاط الفرص التي يوفرها هذا الواقع للنجاح والتقدم نحو الهدف. ولنا في تجربتي مصر وتركيا عبرة ومؤشر على النجاح أو الفشل في تجاربنا كحكام أو نخب في الوصول إلى الأهداف المنشودة.فبنظرة فاحصة لما يجري اليوم في مصر منذ قيام الثورة من صدامات وتناقضات ومحاولات لإجهاض المشروع الثوري سببه تفكك وتموضع القوى السياسية والنخب الاجتماعية والتشظي في المواقف، والأنانية في الاستحواذ على المصالح، والإقصاء والضيق بالآخر إضافة إلى وجود حقيقي لأياد اقليمية ودولية تعمل بمكر على وأد الثورة من خلال محاولة الانحراف بأهدافها عن الطريق الذي ضحى من أجل بلوغه الشعب المصري عموماً والشباب بوجه خاص.وكذلك إذا نظرنا للتجربة التركية واتباعها تكتيكات واقعية ممنهجة ومدروسة أفضت إلى بلوغ تركيا في فترة وجيزة مرتبة متقدمة في مصاف الدول الديمقراطية المحترمة.إن هاتين التجربتين تعتبران مدرسة واقعية مجانية شاخصة أمامنا كيمنيين علينا أن نتعلم منها الكثير من دروس النجاح والإخفاق في ممارسة الحياة السياسية سواء كنا حكاماً أو نخباً، وعلينا أن نثبت للعالم بأننا جديرون بحياة حرة وكريمة. فالأجيال تسجل تفاصيل الأحداث، والعالم لا يحفل بالمتخاذلين والمتقاعسين، والتاريخ لا يجامل ولا يرحم أحداًومانيل المطالب بالتمني[c1] *** [/c] ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
|
آراء
الدولة المدنية الحديثة ضرورة مجتمعية وليست مراهقة سياسية
أخبار متعلقة