تلعب الثقافة دوراً كبيراً في سلوك الإنسان، فلدى كل جماعة إنسانية بعض الآراء والأفكار المعينة وكل الذين يقبلون هذه الآراء هم الداخلون في الجماعة وينظرون إلى من لا يؤمنون بها على أنهم مختلفون عنهم وفي ضوء هذه الملاحظة نجد أن كل موقف من المواقف داخلين في الجماعة وخارجين عنها.ولا يمكن للجماعة الأولى الذين يعتقدون بسلامة آرائهم أن ينقلبوا أفراد الجماعة الأخيرة على أنهم نظراء أو مساوون لهم.ولا يهم الأساس الذي بنيت عليه إحدى الجماعات نفسها فكل الحروب الدينية التي فتكت بأوروبا لعدة قرون لم تكن أساسها فكرة أو جنس أو عنصر فقد كان المسيحيون يحاربون المسيحيين وكان أفراد الأسرة الواحدة يحاربون بعضهم بعضاً.. والمثال على ذلك قضية التمييز العنصري التي نعتبرها أكثر القضايا إهداراً لآدمية الإنسان فأمريكا مثلاً أحضر السود إليها كعبيد ووضعهم البيض في زمرة الخارجين بسبب أن البيض في الجنوب كانوا يريدون من يلقون عليه اللوم عندما تعترضهم المشكلات الكبرى فكان الأسود أو الخارج هو الهدف الواضح وهكذا أصبحت المشكلة اليوم هي أن الأسود وضع في زمرة الخارجين ولو أمكن نشر هذه الفكرة في الجنوب لأمكن حل مشكلة السود لكن طالما شعر البيض أن مشكلاتهم أساسها انحطاط مستوى السود فسوف تزداد حدة التوتر.وقد أوضح علماء الأجناس للطبيعة أن أي فكرة عن نقاوة جنس من الأجناس هراء وكان أحسن شرح لهذا الموقف هي الرسالة التي كتبها (روثي بنكيث) بعنوان الأجناس البشرية، لقد صادف هذا العمل اهتماماً كبيراً خاصة عندما حضر تداوله بين أفراد القوات المسلحة أثناء الحرب العالمية الثانية وذلك لأنه يحارب نظرية الفصل وفضح الأساطير عن الأجناس. إن عامل الفروق الفردية سبب تمرداً صارخاً في تاريخ العالم سواء كان هذا التمرد خفيفاًَ أم عنيفاً فالداخلون في الجماعة يؤمنون بأن مثلهم العليا لا تتفق مع مثل الآخرين ولذلك فهم لا يرضون ولا يتسامحون في أن يعملوا مع أناس لهم مثل عليا مختلفة بالإضافة إلى ذلك فهناك حقيقة تقول أن أبرز حاجات الإنسان النفسية هي استجابة الأفراد الآخرين العاطفية له.وعلى هذا الأساس يمكننا الوصول إلى القاعدة التي تقول : لكي تصل حضارة من الحضارات إلى حالة استقرار يجب عليها تحديد الأهداف التي يشترك فيها الجميع والسماح لكل فرد بمجال غير محدود بعينه على أن يكيف شخصيته وفق الخطة العامة وهذا يعني أن يكون هناك حد أقصى للتعاون مع حد أقصى للحرية الفردية لقد وجد (رالف لنثون) أن الجنس الإنساني قد وصل منذ فترة تاريخية طويلة إلى الاعتقاد بأن الجماعات المنظمة وليس الأفراد هي الوحدات البارزة في النضال من أجل البقاء، حيث نجد في نهاية المطاف أن الإنسان يتجه نحو عملية تطويره هي زيادة الفردية حيث يقول أننا حيوانات تشبه القرد ولكننا نعيش كما يعيش النمل الأبيض دون أن يكون لأي منا صفاته المميزة.إن عدم وجود غرائز لدى الإنسان تضفي على الثقافة حيث أن الثقافة هي التي تزود أعضاء أي مجتمع بالتوجيه الذي لا غنى عنه في شؤون الحياة على الرغم من العدد اللانهائي من الاختلافات الطفيفة في استجابات الأفراد المختلفين والواقع أن الفرد يستطيع أن يعتمد على الثقافة كموجه لسلوكه كما أن لها تأثيراً كبيراً على السلوك الاجتماعي حيث أن أنماط الثقافة بالنسبة للإنسان كالملابس الجاهزة إذ تمثل البيئة الثقافية حاجيات الفرد التقريبية ولكنها لا تلائمه تماماً إلا إذا تناولها تعديل مثلها تماماً مثل السترة التي تحتاج إلى تعديلات في حدود وبصفة عامة نجد أن الحدود الثقافية من السعة بحيث تضم جميع الأفراد أو معظمهم ولأن الثقافة تحدد سلوكنا فهي تعدلنا إلى درجة كبيرة الأشياء التي تستحق النضال في سبيلها كما أنها تملي علينا سلوكاً وعادات وقيما وتحدد لنا مواقفنا تجاه الآخرين.[c1] مفهوم تكوين السلوك الاجتماعي[/c]قد يستحيل على من يريد دراسة الحرب النفسية على أساس علمي أن يتفهم جذورها ومشكلاتها وطبيعتها دون أن يكون له دراية تامة بطبيعة هدفها.والواقع أن هدف الحرب النفسية هو عقل الإنسان ونفسيته وليس جسده ولما كان الناس يختلفون في طباعهم وسلوكهم ومعتقداتهم ولما كان الواحد منهم مخلوقاً معقداً تتحكم في سلوكه عوامل عديدة فقد نشأت عدة مشكلات لدى العاملين في ميدان الحرب النفسية أو لدى أولئك الذين أمام توجه ضدهم ومن هنا كان لدراسة السلوك الاجتماعي أهمية كبيرة في الحرب النفسية.لذلك لابد من معرفة العوامل الأساسية التي تحدد سلوك الإنسان باعتباره عضواً في الجماعة التي يعيش فيها والتي تعتبر هدفاً، والفشل إما أن يؤدي إلى زيادة المجهود وإما إلى قيام بصيرة أعظم في المجال الإدراكي وربما الفشل يفتح العيون أحياناً على نواحي القصور في قدراتنا وبهذا يمعنا من إضاعة طاقاتنا في سبيل الأهداف المستحيلة وقد يساعدنا على أن نركز على مستوى معقول لتحقيقها فالفشل في أحد الامتحانات لدى أول محاولة قد يجعل الطالب يعمل بجد أكثر من ذي قبل، وبذلك ينجح بدرجات مشرفة في المحاولة الثانية وقد يجعله يتخلى عن هذا الخط الدراسي ويتخذ له اتجاهاً آخر يكون أكثر فائدة بالنسبة له غير أنه يجب أن لا يحمل معه إلى الاتجاه الجديد المخاوف التي سببها له الفشل في الموقف القديم أو يتخذ موقفاً أشد خطورة بأن يغلق نفسه عن المجمع ويبعد عن كل المواقف.فالدوافع كما قال (سارجنت وويليا سون) ليستا عملية سهلة في دراستها:إنها عملية صعبة لأنها تتعلق بأسباب وليست بكيفية أو ماهية السلوك كما انها تختص بالتفسير أكثر من اهتمامها بالوصف فالبحث عن الأسباب هو من أكثر أوجه النشاط التي تبعث على الحيرة وتؤدي إلى الفشل بالرغم من أنها متوقة وجذابة وهامة. إنه لا يمكننا بصورة مباشرة أن نلاحظ الدوافع التي تتولد لدينا مثلاً إذا واظب رجل على تكديس الممتلكات فإننا نقول أن لديه رغبة التملك ولكن وجه الخطورة في هذا العمل هو أن الناس قد يقومون بنفس العمل نتيجة لدوافع مختلفة فقد يقوم شخص بتكديس الأموال لمجرد متعة التملك كما قد يقوم آخر بالتصرف فيها فيما بعد لأعمال الخير وقد يفعل ذلك ثالث من أجل الشعور بالأمن.مازال هناك بعض الغرائز القديمة أو هل هي إلى حد ما استجابة وهل هي نزعة خاصة وهل الدوافع منفصلة عن الاتجاهات والعادات والعواطف والاهتمامات والعمليات الأخرى أم مرتبطة بها؟ هذه الأسئلة من الصعب الإجابة عنها ولكنها قد تهدينا في محاولة الوصول إلى حل سهل ومعقول.[c1] الإدراك[/c]ولنا أن نسأل الآن ما الذي يثير الدوافع في الواقع نجد أن الإدراك يلعب دوراً كبيراً خلف هذه الدوافع وهو يعتمد اولاً على طبيعة الحواس، فمثلاً لا يستطيع أن يدرك حيواناً مفترساً أمامه وعلى هذا فإنه عندما يواجهه لا تكون لديه الدوافع التي تعمل على سلامته وأمنه وثانياً يعتمد الإدراك على العوامل المثيرة أو المواقف التي تؤثر على أعضاء الحواس وأخيراً يجب أن لا ننسى موقف الشخص وقت الإدراك فمثلاً قد يستسلم الشخص اليائس أو المكتئب إلى حيوان مفترس بدلاً من أن يهرب منه أو يدافع عن نفسه وتؤثر العوامل الاجتماعية على إدراكنا ومعنى ذلك أننا دائماً نرى ما يجبرنا المجتمع بأن نراه أو نفشل في رؤية ما لا يرغب لنا المجتمع أن نراه، فمثلاً في المجتمعات التي تواجه فيها تقاليد صارمة لحجاب المرأة تعتبر إهانة شديدة ومساساً للكرامة أن تظهر المرأة سافرة وأن تشارك الرجل الأعمال العامة ويميل الإنسان لرؤية الأشياء بصورة مختلفة عندما يكون بصحبة جماعة عما يكون بمفرده ويرجع هذا الاختلاف إلى الرأي العام وإلى نفوذ الآخرين علينا ولكن استجاباتنا لهذه التأثيرات غير مطلقة وإنما تتفق عند حد معين لذلك لا نستطيع أن نتغاضى عن قيمة إدراك الفرد.ويهتم علم النفس أيضاً بنمو الآراء والأفكار والمفاهيم ودراسة المقاييس والعمليات الاجتماعية ويدرس السلوك الجماعي في كل من الوسط الطبيعي والتجارب المعدة وباختصار هو الدراسة العملية لسلوك الجنس البشري باستخدام أساليب تجريبية للتحري والاستفسار أو كما يقول (سارجنت) إن علم النفس الاجتماعي هو الدراسة العملية للأشخاص باعتبارهم أعضاء في جماعات مع الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية والشخصية فيما بينهم كما يدرس السلوك الفردي وتأثيره على سلوك الآخرين وتأثيره أيضاً بسلوكهم وقد يكون السلوك إما كامناً مستوراً كالإدراك والتفكير وإما ظاهراً كالقراءة أو الانتخاب.[c1] السلوك الاجتماعي[/c]تعرف دائرة المعارف البريطانية السلوك بأنه المظهر الخارجي لنشاط الكائن الحي وتقول أن الخاصية الضرورية هي الحركة التي وجدت في أغلب الحيوانات وفي النباتات هذه الحركة نتيجة تغيرات داخلية وخارجية يقال لها المنبهات كما توضح أن السلوك يمكن تصنيفه بعدة طرق كل منها مستقل عن الآخر فمن الممكن أن ينظم في طبائع مركبة تبعاً لعوامل بيولوجية وراثية أو بواسطة تفاعل المعرفة أو بالاثنين معاً.والواقع أن السلوك يتأثر بكل هذه التنظيمات معاً وكحديث عام فإن السلوك يتأثر بأسباب داخلية وخارجية أيضاً وهو في الوقت نفسه ظاهرة معقدة تتعدد الأسباب المؤثرة فيها ولهذا فإن لمشكلاتها عدة حلول متبادلة لذلك فإن جميع الأبحاث التي تجري حول المشكلات تحاول الوصول إلى أسباب اختلاف السلوك البشري عن طريق دراسة عدة عوامل أهمها الوراثة والعوامل الفسيولوجية البيئية الاجتماعية والبيولوجية العوامل للحرب النفسية تلك العوامل والظواهر المرتبطة في مجال علم النفس الاجتماعي حيث نجد أن علم الاجتماع يهتم بدراسة تركيب التنظيمات الجماعية ووظيفتها والأنواع المختلفة لسلوك الناس داخل نطاق منظمات محدودة أما علم النفس الاجتماعي يختص بكل مظهر من مظاهر سلوك الفرد في المجتمع وذلك بدراسة السلوك الذي يؤثر على تكوين الجماعات والتفاعلات بين الأفراد كما يعالج وضع الفرد في إطار اجتماعي ويعمل على تنمية شخصيته في الوسط الاجتماعي.والسلوك هنا هل السلوك الناتج عن دوافع يرجع إلى الصفات الموجودة في الميدان النفسي المباشر أم إلى تأثير التجربة الماضية ونفوذها وللإجابة على هذا السؤال يجيب (لوين) بقوله أن الميدان النفسي يتكون من البيئة الطبيعية الخارجية والحالة النفسية الداخلية وكذا الآثار العصبية للتجارب الماضية وعلى الرغم من الإنسان هو سيد مصيره وقدره في بعض الأحيان فإن ضغط العصور يقع عليه في أحيان أخرى فعندما لا يتم إشباع القلق الذي خلفته الاحتياجات يوجد التوتر ويزول في حالة التغلب عليه والثبات في الميدان النفسي فالتوتر الذي لم يشبع يؤدي إلى خيبة وفشل النفسية المعرفة، العقيدة...الخ.
|
ثقافة
الحرب النفسية ومفهوم تكوين الثقافة والسلوك الاجتماعي
أخبار متعلقة