مختار مقطريقبل نحو عشرة أيام، بثت قناة (السعيدة) الفضائية برنامجاً فنياً متميزاً عن الفنان اليمني المبدع محمد شجون، من إعداد الأستاذ مختار علي حسن، وإخراج د. سمير العفيف، وكان برنامجاً متميزاً بحق، ليس كالبرامج الفنية المألوفة التي أعتدنا عليها، حرص فيه الإعداد على تكثيف المادة المعروضة وتنوعها، ونجح المخرج برؤية إخراج ية واعية، في كسر الملل المعتاد في مثل هذه البرامج، ومنع تشتت الجهد وعدم بعثرته في رؤية مقدم البرنامج وهو يحاول كسب النجومية على حساب الضيف الفنان، واختصار صياغة الأسئلة ليبقى الفنان يملأ الشاشة ليكسب الحضور المستحق، ليتحدث باستفاضة عن مشواره الفني ويمتع المشاهد بأغانيه الجميلة وألحانه العذبة، كما هو الحال مع الفنان المبدع محمد شجون، وزاد من جمال البرنامج وحيويته المتألقة المادة المعدة بالصوت والصورة، مع أساتذة في الفن والأدب وشخصيات أكاديمية قدموا شهاداتهم الأنيقة على إبداع وتألق الفنان محمد شجون، وقد لاءم المخرج بينها وبين حضور محمد شجون في ترنيمة جميلة تبعث السرور في القلب، فكان الإعداد حاضراً والإخراج حاضراً ومحمد شجون حاضراً، فنجح البرنامج.وكان حديث الفنان الكبير أيوب طارش عن محمد شجون جميلاً وراقياً وشهادة ناصعة من فنان كبير في حق فنان متجدد يسعى ليصبح كبيراً بموهبة أصيلة ومبدعة وحصاد علمي في الموسيقى، واستيعاب واعٍ لخصوصية التراث اليمني في الموسيقى والغناء، قال أيوب طارش عن لقاء جمعه بمحمد شجون ان شجون عزف على آلة العود الخاصة بطارش، و أنه ابدع ايما ابداع في عزفه إلى حد - كما قال طارش - أن عوده استخرج نغمات في منتهى الجمال لم يستطع هو أن يجعله يفعل ذلك، على الرغم من أن العود ملكه ويعزف عليه ليل نهار.دون شك هي شهادة رائعة وغالية من فنان كبير، له منا عليها كل الشكر وكل الثناء، وهي تدل على أن الفن في اليمن لايزال بخير، مادام في اليمن فنانون كبار يقدرون مواهب الأجيال الجديدة وينصفونها كل الإنصاف، لكن.. محمد شجون ليس فقط عازفاً بارعاً على آلة العود، فهو إلى جانب ذلك ملحن ومطرب، وموهبته في هذا المجال موهبة كبيرة قادرة على تقديم كل ما هو تجديدي ومتجدد بعيد عن تقليد التراث واجتراره وبالتالي تشويهه، والحقيقة أننا في اليمن لدينا عدد غير قليل من العازفين الماهرين على آلة العود ولكننا أحوج ما نكون للملحن الموهوب والمطرب ذي الصوت العذب، وهذا هو شجون الذي نريده، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه شجون، كما كان لدينا في اليمن عدد غير قليل من الحاصلين على شهادات أكاديمية في علم الموسيقى لم يبق منهم في اليمن غير القليل، وهذا القليل أضاع الفن وضيعنا بالتزامه للوظيفة أكثر من التزامه للفن، لأن الوظيفة درت عليه المال بالريال وبالدولار، لأنه نجح في تسويق نفسه في سوق الجهات المعنية بصنعاء باعتباره الموسيقار المثقف، القادر على البحث عن التراث وتجديده وتوثيقه، فلا هو نفع التراث ولا الموسيقار بأعمال فنية تخلد ذكره، في حين هاجر أمثاله إلى دول الجوار، وأفضلهم لا يزال إلى اليوم وبعد سنوات طويلة ليس أكثر من مجرد عازف بارع على العود لديه قدر من العلم بالموسيقى وبالتراث اليمني.لكن محمد شجون حسبه أنه آثر أن يبقى في الحديدة، ليزداد انغماساً بالبيئة الفنية التي جعلته فناناً، وصقلت موهبته الناشئة في صغره لتنمو وتزدهر وتثمر ألحاناً جميلة، حريصاً على الالتصاق بالتراث، والتشرب منه حتى الثمالة، فأصبح رئيساً لـ(جمعية الحديدة للموسيقى)، وهي جمعية رغم إمكاناتها الشحيحة وبخل الدعم وقلة العون، معنية بجلاء التراث الفني للحديدة ولليمن عموماً، وهي مهمة كبيرة فوق كل دعم وفوق كل عون، وفي حفلات الأعراس التي يحرص معظم أهالي الحديدة على حضورها لأن محمد شجون الفنان الذي يحييها، يحرص على إسعاد الحضور بغناء عدد كبير من الأغاني التراثية من مختلف ألوان الغناء اليمني بما يحقق له النجاح الكبير، لأن صوته الجميل قادر على ملامسة الوجدان فهو بارع في العزف وحاصل على الماجستير من المعهد العالي للموسيقى بالقاهرة حيث يمتلك موهبة كبيرة في التطريب ناهيك عن عشقه الكبير للتراث.فالموهبة والصوت الجميل وعشق التراث هي وسيلة الفنان الكبير الراحل فيصل علوي للفوز بحب الجماهير في اليمن ودول الجوار، ولم يكن لديه لا ماجستير ولا دبلوم في الموسيقى، ولم يكن الا مجرد عازف بارع على آلة العود.وفي الحديدة يعيش شجون ظروفاً معيشية قاسية ومعاناة كبيرة، وقد استضافني يوماً واحداً في بيته، فأدركت - حقاً - ألا عزاً ولا راحة لفنان صادق في اليمن، ولكن شجون يبدو وكأنه يجد نفسه كفنان يسعى ليكون فناناً كبيراً ملتزماً بهذه المعاناة، حريصاً على عدم الخروج منها في الوقت الحاضر، فليس كالمعاناة صانع للمبدعين الكبار، فعلينا أن نكافئه ونستشعر معاناته ونقف معه، فمن يتبقى للحديدة ومن يبقى في الحديدة إذا تركها شجون؟ وصارت بلا فنان مبدع موهوب يسعد لياليها بالحب والفن والجمال، بعد أن تركها معظم فنانيها ولو أن شجون يفعل ما فعلوا وغادر الحديدة، تاركاً موهبته الكبيرة فيها، حاملاً شهادته وعوده، ليكسب المال، لفقد موهبته الكبيرة وعشق جمهوره ورضاه عن نفسه ورضا بيئته الفنية عنه كإنسان وفنان، ولأصبح موظفاً أو مهاجراً، يدعي الأستاذية في مجال الموسيقى والإلمام الواسع بالتراث أو لمنحته الصحافة الفنية، في الداخل والخارج، لقب موسيقار، دون وجه حق، كما فعلت مع غيره، إذا خلت الحديدة من شجون شجبت لياليها التي تتلألأ اليوم به وبفنه فلا يزال محمد شجون هو الأمل الكبير والباقي للحديدة في الموسيقى والغناء، وأكبر من مجرد عازف بارع على آلة العود حاصل على الماجستير في علم الموسيقى، كما كان موسيقار اليمن الكبير الراحل أحمد بن أحمد قاسم في خمسينيات القرن الماضي، أمل (عدن) واليمن كلها في تجديد الموسيقى والأغنية اليمنية، فلا عجب أن تسعى عدة جهات في اليمن، تدرك أهمية تكريم المبدعين باعتباره تكريماً للإبداع الحضاري كله، وأدركت أهمية الحضور لمحمد شجون في الحديدة وفي اليمن كلها، كأمل كبير واعد بازدهار مستقبل مشرف للموسيقى والغناء أنبأت عنه ألحان وأغاني شجون المستمدة إشراقها من التراث الممزوجة بألق وجماليات التجديد، أن تسعى إلى تكريمه قبل أن يضربه التهميش ويقتل الإحباط موهبته الكبيرة.فمحمد شجون بكل هذه الأبعاد الفنية في شخصيته الفنية وموهبته المعطاءة جدير بأن يقف الجميع إلى جانبه، لرفده بإمكانيات أكبر، وخصوصاً فيما يتعلق بـ (جمعية الحديدة للموسيقى)، وسرعة اتخاذ الإجراءات الروتينية المملة ليتمكن من العودة للقاهرة للحصول على (الدكتوراه) كما يأمل ويرجو، ومن حقه أن يأمل وأن يرجو، وألف شكر لقناة (السعيدة) الفضائية على إنتاجها للبرنامج الفني المتميز عن محمد شجون، وهو ما نرجو أن تفعله الفضائيات اليمنية الأخرى مع كل فنان موهوب وليس مع أنصاف الموهوبين والذين بلا مواهب حقيقية، وعلى شركات الإنتاج الفني في بلادنا أن تسعى لمحمد شجون لتنتج أعماله المتميزة إنتاجاً يليق بقيمتها الفنية المتميزة على نحو يختلف عما ينتجه بعض هذه الشركات أو معظمها لأنصاف المواهب ولذين بلا موهبة، بهدف الربح الكبير والسريع، تحت شعار (الجمهور عاوز كذا) وهذا الشعار ليس أكثر من كلمة حق يراد بها باطل، إذا أغفلت هذه الشركات، ومعها الإذاعة والتلفزيون، القيام بدورها الكبير في رفع مستوى الذائقة الفنية العامة لدى الجمهور.
|
فنون
محمد شجون.. الأمل الباقي للحديدة في الموسيقى والغناء
أخبار متعلقة