هل وجد ضالته الأسلوبية في أعمال شانت أفيديسنا؟
كتب/إياد كنعان :انتابتني دهشة عارمة عندما شاهدت أعمال الفنان المصري شانت أفيديسيان، وهو فنان مصري أرمني من مواليد القاهرة العام 1951، يقيم بين مصر وأرمينيا وأمريكا، في مصادفة وضعتني أمام كتاب صدر عن دار الساقي العام 2004، ضم مجموعة كبيرة من أعماله التي أنجزها بين العامين 2004-1990، قامت الكاتبة والناقدة روزا عيسى بتقديمه إلى القارئ باللغة الانكليزية، اقتنيته أثناء زيارتي لمعرض بيروت الدولي للكتاب في نهاية العام 2007.تعود معرفتي بالفنان المصري عادل السيوي، المولود في محافظة البحيرة العام 1952، إلى العام 1996، حينها كنت مقيما في بيروت بهدف الدراسة، وهو العام الذي اقتنيت فيه كتاب (مذكرات ليوناردو دافنشي) الذي قام عادل السيوي بترجمته إلى العربية، وشكلت بالإضافة إلى نسختها الانكليزية بجزءيها الصادرين عن دار دوفر الأمريكية، أحد المراجع الأساسية لرسالتي في الدبلوم، التي كانت بعنوان (تمثيل الحركة في الموديل الحي)، وهي رسالة أعددتها لنيل درجة دبلوم الدراسات العليا في الرسم والتصوير، من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية ببيروت العام 1998، تركزت حول دراسة التحول في مفهوم تمثيل الحركة في الجسد الإنساني وأهم نظرياته رسما ونحتا، ابتداء من عصر النهضة، الذي مثل دافنشي ذروته الفنية والإبداعية، وانتهاء باختراع الكاميرا وظهور الرسوم المتحركة.في زيارتي الأخيرة إلى القاهرة العام 2006، بهدف المشاركة في بينالي القاهرة الدولي العاشر بدعوة خاصة من كوميسيره العام الفنان والناقد المصري أحمد فؤاد سليم، مدير متحف الفن الحديث في القاهرة، اقتنيت كتيباً لأعمال الفنان عادل السيوي صدر عن غاليري (المشربية) الذي تديره زوجته، تضمن بعض الأعمال التي أنجزها الفنان بين العامين 1990-1989، بالإضافة إلى كتالوج معرضه الأخير (نجوم عمري)، الذي افتتح في شهر ابريل من العام 2006، وشكل حدثاً فنياً مصرياً وعربياً كبيراً، نظراً لخصوصية طرحه، بالإضافة إلى التغطية الواسعة التي حظي بها المعرض في مختلف الصحف المصرية والعربية، لقد بدت تلك الأعمال مغايرة بطرحها وتوقيتها، فقد أعاد السيوي إلى أذهاننا نجوم الفن والسينما والمسرح في الحقبة الناصرية وما بعدها، عبر مجموعة من الأعمال بدت وكأنها إعادة اعتبار لهؤلاء، في تحد واضح لموجة الانحطاط التي تسود الأوساط الفنية العربية.إن رؤيتي لأعمال عادل السيوي تلك، لم تتوقف عند حدود الدهشة والإعجاب، أنا الغارق ومنذ وقت ليس يسيرا بملاحقة التشكيل العربي بشكل خاص، والعالمي بشكل عام، للوقوف على رموزه وأساليبه ما وسعني إلى ذلك سبيلا، فتبعه كما هي عادتي (السيئة) بحث وتقص انتهى بالوقوف على أعمال الفنان المصري الأرمني شانت أفيديسيان التي أدهشتني بدرجة تطابقها مع أعمال الفنان عادل السيوي، إلا أنها، وأقصد أعمال أفيديسيان، سبقت أعمال عادل السيوي بسنين، وهو تطابق تمثل في الرؤية والطرح والموضوع والمعالجة الأسلوبية العامة للوحة، أما على صعيد النظرية فلم تتخط رؤية عادل السيوي التي عبر عنها في الكتالوج المصاحب لمعرضه (نجوم عمري)، رؤية أفيديسيان التي تناولتها وقدمت لها الناقدة والباحثة روزا عيسى في الكتالوج المصاحب لمعرض أفيديسيان (علاقات غرامية)، الذي تنقل بين تشوتغارت وبيروت، ومما جاء في ذلك التقديم:تعكس أعمال شانت أفيديسيان الملهمة بالصور المعروفة نوعا آخر من الحب، هذا الحب هو حبه لعصر مضى - مصر في الخمسينيات - عندما كان نجومها ملوكا للعالم العربي بأكمله، نجد في أعمال أفيديسيان مطربات مثل (كوكب الشرق) المطربة الأسطورية أم كلثوم، التي كتب لها أغانيها الغرامية بعض من أفضل شعراء هذا الوقت، والتي لا تزال تتصدر سباقات الأغاني بعد أكثر من خمسة وعشرين عاماً على وفاتها، هناك أيضاً الأميرة الدرزية أسمهان التي لم تدم زيجاتها طويلاً والتي توفيت في ظروف مأساوية، نجد أن المنافس الوحيد لأم كلثوم من حيث الشعبية هو الرئيس جمال عبد الناصر، أبو القومية العربية، والملك فاروق آخر ملوك مصر الذي تنازل عن عرشه عام 1952، وهو في الثانية و الثلاثين من عمره، أيضاً أخته الجميلة فوزية التي كانت ابنة و أخت و زوجة لملوك، نرى أيضاً نجمة الغناء داليدا قبل أن تصبح شقراء في باريس، هناك أيضاً ممثلون و ممثلات مثل زكي رستم (الفتى الشرير) وفاتن حمامة (الفتاة الشريفة)، و رمز الإغراء هند رستم، والراقصة المثيرة تحية كاريوكا و آخرون من نجوم الترفيه في العصر الذهبي للسينما المصرية.لقد أعاد عادل السيوي رسم المواضيع نفسها وتناول معظم الشخوص التي تناولها أفيديسيان من قبل، بالطريقة نفسها تقريبا، مع فوارق طفيفة في المعالجة اللونية والتكوين العام للوحة (Composition)، ومما جاء في تقديم عادل السيوي لمعرضه (نجوم عمري) تحت عنوان (عصري الذهبي) المؤرخة بمارس 2006، نذكر:عصري الذهبي كان بلا جدال فترة المراهقة، الستينات، أيام النيل، دائرة مكتملة، تزامن فيها نمو مراهق ونمو وطن معا، تحولات سريعة في كل شيء يخصني: الموت والجسد والمشاعر وتحولات سريعة في مصر أيضا…أما تحت باب (بدر) فكتب قائلاً، في إشارة إلى المرجعية التي أفضت إلى معرضه سالف الذكر:منذ بضع سنوات، كنت اصحب أبنتي يارا إلى المنزل بعد عودتها من المدرسة، وأمر بالضرورة بجوار سور مدرسة الفرير بباب اللوق، حيث التقيت ببدر، رسام حقيقي، أو رسيم كما يسمي نفسه، وشاهدت معه مجموعة من الوجوه كان يعرضها للبيع على الرصيف، أم كلثوم، جمال عبد الناصر، فريد الأطرش، السادات، الملك فيصل، الشيخ زايد، استوقفني كثيرا وجه إسماعيل ياسين، تحاورنا حول هذه الشخصيات وكيف يراها وكيف يرسمها، وكلمني عن علاقته بالفوتوغرافيا التي ينقل عنها، ولمَ يخترصورة و يرفض أخرى، فالنجم هنا منفعل أكثر مما يجب، وهناك يستعير نظرة ليست له، كان بدر يقدم لي دون وعي منه أو مني بداية الطريق في هذه التجربة، فتح لي بدر الطريق لتأمل تلك المسافة بين الذاكرة والفوتوغرافيا، بين صورة الكاميرا، وصور تصنعها اليد، تلك المساحة الممكنة من التدخل التي لا يجب أن نتنازل عنها بأية حال.إن محاولة عادل السيوي إحالة معرضه (نجوم عمري) إلى تلك التجربة التي أراها لا يمكنها أن تفضي إلى رؤية فنية ناضجة مكتملة كتلك التي قدمها في معرضه، ما هي إلا محاولة لإخفاء المصدر الحقيقي لتلك التجربة في تقديري الشخصي، وهي أعمال الفنان شانت أفيديسيان، ولو افترضنا أن الأمر ليس كذلك، فإن من حقنا طرح عدد من التساؤلات الجدية والأساسية:* هل يمكن أن تغيب أعمال فنان مثل أفيديسيان عن عيني عادل السيوي المعروف بكثرة سفره وسعة اطلاعه؟هل يسعف عادل السيوي تجاهله لفنان بقامة أفيديسيان، وتجربته التي تعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؟ هل تجاهلنا لتجربة ما، سبق أن وقُدمت ووثقت وكتب عنها، تعفينا من المسؤولية الأخلاقية والإبداعية تجاه طرحنا لها وتكرارها وكأنها غير موجودة أصلاً؟* لماذا غفل النقد التشكيلي في الساحة الثقافية المصرية المعروفة بجرأتها، عن رصد هذا (التوافق الأسلوبي) الكبير في أعمال الفنانين دون أدنى إشارة له؟ وكيف غاب فنان مثل أفيديسيان عن الحياة الثقافية المصرية دون أدنى ذكر أو حضور فني أو إبداعي؟أخيراً: هل نحن أمام قضية (انتحال أسلوبي) كبير، أو أن كل ما في الأمر أن عادل السيوي أعاد إنتاج أعمال أفيديسيان، أو لنقل رؤية أفيديسيان، بريشته الفنية ورؤيته الخاصة؟لا أنكر أن ثمة فوارق بين معالجة عادل السيوي للوحاته التي تميزت برؤية حداثية فاقت معالجة أفديسيان، إلا أنها فوارق هامشية لا تنفي في تقديري الشخصي شبهة (الانتحال) عن عادل السيوي، خاصة إذا ما اقترنت بتعتيم على أعمال أفديسيان وأسبقيتها في طرح الموضوع ومعالجته فنيا وتشكيليا، هذا إذا ما افترضنا سوء النية لدى عادل السيوي، لكن إذا ما افترضنا حسنها، فإن الحكمة تستدعي اعتراف عادل السيوي بأسبقية شانت أفديسيان في طرح تلك التجربة وإخراجها إلى النور، وهي تجربة يجب الاعتراف بريادتها كونها غير مسبوقة بشموليتها ورؤيتها الجمالية في التشكيل المصري أو العربي المعاصر.وبالرجوع إلى الأرشيف الصحفي للمعرضين، (نجوم عمري) لعادل السيوي و(علاقات غرامية) لشانت أفيديسيان، ومن حسن حظنا أن الانترنت يساعد كثيرا في الوصول إلى هذا الأرشيف، نجد أن ما كتب عن معرض الفنان عادل السيوي، لا يختلف كثيرا عما كتب عن معرض الفنان شانت أفديسيان، الذي تناولته العديد من الأقلام النقدية منها الناقدة والأكاديمية اللبنانية د. مها سلطان، حتى أنه يخال للقارئ أن الحديث هنا يجري عن معرض واحد لكن لفنانين مختلفين. إن المتتبع لأسلوب عادل السيوي خلال السنوات العشر الأخيرة، يلحظ تحولا أسلوبيا كبيرا بين أعماله ذات الطابع التعبيري التي سبقت معرضه الأخير (نجوم عمري)، وبين الأعمال التي ضمها معرضه سابق الذكر، سواء على صعيد الشكل أوالموضوع، وهو تحول ما كان لي أن أدرك (مرجعياته) المفترضة، دون تلك الصدفة التي أطلعتني على أعمال الفنان المصري شانت أفيديسيان، ورغم انحيازي لتجربة عادل السيوي الماقبل (نجوم عمري)، إلا أنني أتساءل كيف انزلق عادل السيوي إلى هذا الشرك الكبير، رغم ما حققه هذا الفنان من حضور إبداعي جيد، وسمعة عربية وضعته خلال العقدين الأخيرين بين الفنانين الأكثر شهرة في مصر والعالم العربي.تذكر السيرة الذاتية للفنان شانت أفيدسيان، أنه ولد في القاهرة العام 1951، درس في مدرسة الفنون والتصميم في مونتريال بكندا، وأكمل دراسته في الفنون التطبيقية في المدرسة القومية العليا للفنون الزخرفية في باريس في سبعينيات القرن الماضي، له عدد كبير من المعارض حول العالم، وتعرض أعماله في عدد كبير من المتاحف العربية العالمية، أما الفنان عادل السيوي فهو من مواليد البحيرة العام 1952، تخرج من كلية الطب بجامعة القاهرة العام 1976، درس الفن بالقسم الحر في كلية الفنون بالقاهرة بين العامين75-1974 z19أما في العام 1979 فقد قرر أن يهجر الطب النفسي ليتفرغ للعمل الفني، وليصبح بعدها واحداً من أهم الفنانين المصريين على الساحة التشكيلية المصرية والعربية، والتي تعرض أعماله في أهم صالات العرض العربية، وتوجت مؤخرا بعرضها في صالة كريستي للمزادات العالمية جنبا إلى جنب مع أعمال أفيديسيان ومجموعة من كبار الفنانين المصريين، وهو مترجم قام بترجمة عدد من الكتب الفنية منها: مذكرات لليوناردو دافنشي، ونظرية التشكيل للفنان بول كلي، بالإضافة إلى الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الايطالي أونغاريتي.