ضمن فعاليات احتفاء مكتب الثقافة بعدن بالعيد الوطني الثاني والعشرين
كتب/ مختار مقطريضمن فعالياته الفنية الجميلة للاحتفاء بالعيد الوطني الـ (22) لبلادنا قدم مكتب الثقافة بعدن عرضاً مسرحياً بعنوان (الإعصار) على خشبة قاعة فلسطين للمؤتمرات صباح يوم الأحد الماضي الموافق 5/20/ 2012م من تأليف الأستاذ/ أحمد عبدالله سعد وإخراج الفنان المبدع قاسم عمر، تمثيل نخبة من ابرز فناني المسرح بعدن، وكان في مقدمة الحضور الفنان رامي نبيه، مدير عام مكتب الثقافة بعدن، الفنان القدير على احمد يافعي الذي يشع حضوره ألقاً بتاريخه الفني الطويل وعدد غير قليل من مثقفي وأدباء وفناني عدن، ولفيف من الحضور الأنيق وانتهزها فرصة لتهنئة الفنان رامي نبيه على تبوئه قيادة العمل الثقافي بعدن مؤخراً وهو تشريف له كفنان ومثقف وتشريف لكل فنان، وتكليف كبير ومسؤولية كبرى، لتنوع أشكال الإبداع والثقافة بعدن، مع ميزانية شحيحة لإدارة كل هذا النشاط المتنوع والحيوي والمؤثر، وهو تكليف شاق ومسؤولية كبرى حين يكلف بأدائه فنان جميل ومثقف محترم مثل رامي نبيه، مرهف الإحساس بالمسؤولية وبالأمانة في الأداء والتواصل مع كل المبدعين، يحترمهم ويشعر بمعاناتهم، فيراهم دائماً اكبر منه جميعاً حتى الاصغر منه فنياً، ليعطي لكل ذي حق حقه ومستحقاته دون من او مساومة او اذلال ليحرص على التواجد معهم دائماً دون تعال ولا نفور ليسهل لهم ماصعب من امورهم، ويزيل أية عراقيل بألفة وتواضع مألوفين في الفنان رامي نبيه، واندفاع للبذل والعطاء وان كانا على حسابه الخاص، وهذا ماعودنا عليه رامي نبيه، وهو مابدأ به ادارته للنشاط الثقافي بعدن، داعين له بالتوفيق والنجاح في اداء مهماته الكبيرة، وكان رائعاً جداً رغم شحة الامكانات ان يعطي مكتب الثقافة بعدن ممثلاً بمديره العام الفنان رامي نبيه حيزاً للمسرح في احتفالات هذا العام بالعيد الوطني لبلادنا للتذكير بحضور ووجود المسرح بعدن لابنائها عشاق المسرح، وهي مغامرة كبيرة من مدير جديد لما يتطلبه تقديم عرض مسرحي من امكانات كبيرة في مقدمتها التفاني والاخلاص، لكن النتيجة كانت رائعة .. عرض مسرحي رائع وجميل، وجمهور كان كبيراً، كبيراً بتجشمه عناء السفر لقاعة فلسطين البعيدة عن الاحياء السكنية في مديرية صيرة وغيرها من مديريات محافظة عدن ولموافقته على مشاهدة عرض مسرحي على خشبة وفي قاعة لا تصلح لتقديم عرض مسرحي ولا حفلة موسيقية لكن العرض الاعصار كان رائعاً رغم كل ذلك بما يوازي طموح مكتب الثقافة وطاقم العمل، وحرص الجميع على الوفاء للمسرح والفن والابداع عموماً فالف شكر للجميع.[c1](الإعصار) .. الصراع بين الشر والشر[/c]في الجريمة الاولى للانسان، قتل قابيل اخاه هابيل، لان الله تقبل القربان من هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، فكان الحسد باعثاً للشر وسبب الجريمة الاولى، لكن الصراع بين الاخوين كان للفوز بمرضاة الله .وبتطور المجتمع البشري وتطور الانسان، واتساع اهوائه الخبيثة واطماعه الكبيرة في امتلاك الدنيا، تطور الشر، فلم يعد الصراع بين الخير والشر، كما في قصه قابيل وهابيل، بل صار صراعاً بين الشر والشر، كما يراه مؤلف العرض المسرحي الاعصار او كما رآه المشاهد هذا التطور الطبيعي للشر هو نتيجة حتمية -كما رآها المؤلف ـ لصراع الاقوياء على السلطة والجاه والمال الانانية والقسوة والاستبداد دون مراعاة لحقوق المحكومين وآمالهم وعلى حساب دموعهم وآلامهم ومعاناتهم لكن الصراع بين الشر والشر، يبقى ناراً تحت الرماد، بركاناً تسد فوهته التحالفات على المصالح وتقسيم الغنائم والاستمرار في امتصاص دماء الفقراء والمستضعفين ليبقى الاقوياء في نعمائهم مترفين ولكن غافلين عن لحظة اندلاع النار من تحت الرماد وتفجر البركان وهي لحظة لا يصنعها ضعفهم ولا خلافاتهم وإنما تصنعها معاناة المحكومين وشقاؤهم وبؤسهم وتكون لحظة الإعصار الذي يزلزل العروش ويدك الأبراج وينسف معاقل الطغيان ليبدأ الصراع بين الشر والشر لينتصر الخير والحب والسلام، وتستمر الحياة.وبعيداً بل وبمعزل عن المطابقة الساذجة بين الحدث في العرض المسرحي الإعصار وبين الحدث في ثورات الربيع العربي، يمكن اعتبار فكرة الصراع بين الشر والشر هي المرجعية الفكرية والتاريخية للمؤلف قبل ان يشرع في الكتابة ولو كانت مرجعيته الفكرية والتاريخية هي الفكرة التقليدية المألوفة في معظم ان لم يكن في كل الأعمال الدرامية لبدأ العرض بمشاهد عن معاناة المحكومين عن الجوع والبؤس والفقر والمرض، فالمؤلف لم يحترم عقل المشاهد وحسب ولكنه كذلك يحترم معاناته فالمشاهد جزء من المحكومين المضطهدين ثم تعاون المؤلف والمخرج على إتاحة الفرصة للمشاهد ليستحضر معاناته منذ اللحظة الأولى للعرض ومنذ الجملة الحوارية الأولى في النص .. موسيقى مخيفة وعاصفة قادمة وحاكم مستبد يحتضر وصراع بين اضلاع مربع نظام الحكم، أربعة من الجنرالات والقادة العسكريين وفتاة ضعيفة هي رمز الاضعف حلقة في النظام الحاكم، ولكنها ليست رمز لجانب الخير فيه فلا خير في نظام اسري عسكري مستبد، وكم كنت آمل ان يجتهد المؤلف والمخرج لتوظيف هذه الشخصية على النحو الذي أرجو ولكن كل ما اقوله وكل مااكتبه مجرد انطباعات .إذن بدأ العرض في لحظة قدوم عاصفة هوجاء إعصارية مريعة، فأيهما كان اسبق، إنذار العاصفة ام بدء احتضار الحاكم؟ انهمار مترابطات جدليان، فالاحتضار هنا رمزي يبدأ بوصول تراكم معاناة المحكومين الى الذروة ليبدأ اهتزاز نظام الحكم، فالاحتضار رمز لتراكم فساد الحاكم المستبد فينبغي تغييره لا تغيير الرعية فالثورة لا تندلع في لحظة ضعف الحاكم مما يستوجب التعاطف معه، لكنها تأتي في لحظة قوته المتجبرة القمعية، لكن الشر الذي يصنعه ياكله من الداخل، ليسقط بسهولة مع اندلاع اول شرارة للثورة، مهما بالغ في قمعها واسرف في اسكاتها ولانه نظام قائم على الشر تبدأ اضلاعه في محاولات النجاة، ليس النجاة من الهلاك، فهي على يقين من هلاكها، ولكن النجاة بما تمتلكه من ثروة وقدرة على الخداع والتآمر وبذر الفتن في محاولات يائسة للاستحواذ على السلطة حتى المدعي بيقظة ضميره والتعاطف مع المحكومين المظلومين يسقط في الاخير لانه احد اعمدة النظام المستبد الظالم فلا خوف من طول امد الشر لانه يصارع الشر في داخله، ليغدو هشاً وضعيفاً وآيلاً للسقوط لاهون احتجاج، وان بدأ للمحكومين قوياً ومتماسكاً في ظلمه وجبروته .والمسرح ليس نقلاً للواقع كما هو ولكنه لحظة ابداع ممتزجة بقراءة فكرية، وهذا مافعله المؤلف فكتب النص بلغة مفرداتها موحية، وبناء درامي ذي ايقاع متناغم بهدوء فخلا النص من العبارات الصاخبة والرافضة بضجة وصراخ وبني الايقاع على احساس هادئ وحزين هو ليس احساسه دون شك ولكن احساس الشخصيات التي خلقها في النص حاكم مستبد يحتضر وأبناؤه الاربعة، جنرالات وقادة عسكريون لكنهم جميعاً في لحظة الفصل بين البقاء والنهاية، بشر يودعون السلطة والمال ويواجهون انهياراً حتمياً وعلى يقين ان كل مؤامراتهم على بعضهم للبقاء فاشلة، فاللحظة حزينة لحظة عتاب وتلاوم ونصائح وتبادل التهم لا لنتعاطف معهم ولكن لنشعر بالنهاية الوخيمة للشر، ليتعظ النظام القادم، فالحاكم المستبد (الاب) وقد جسد شخصيته وبكل براعة واقتدار الفنان القدير قاسم عمر (مخرج العمل) كل صوته مختنقاً وخطاه بطيئة لا لانه مريض يحتضر وحسب ولكنه ايضاً في لحظة الانهيار انهيار كل شيء حتى أبناؤه الاربعة الجنرالات ، الذين سقطوا في التآمر والهروب من المواجهة بثبات، وقد برع المخرج في توجيه الممثلين الى هذا الاداء، من قراءاته المتعمقة في النص، فاللحظة ليست لحظة اعصار وانما فناء مريع للشر، وكان قاسم عمر بارعاً في ادائه للشخصية في صوته المخنوق وخطاه البطيئة حتى وهو يصدر الاوامر ويؤنب ابناءه وينهار الانهيار الأخير في لحظات من التمثيل لا اروع ولا اجمل.وكان الفنان القدير قاسم عمر مبدعاً رائعاً في اخراجه للنص، فحافظ على الايقاع الهادئ والحزين حتى في اشد لحظات الانهيار، وعلى موسيقى قوية حيناً للدلالة على مجيء الاعصار وحزينة حيناً آخر للدلالة على المشهد الحزين بالنسبة للشخصيات التي تحتضر كلها حتى وهي تتآمر على بعضها، رغم وجود هنات قد يجدها كاتب انطباعي مثلي في الموسيقى التصويرية، فالحدث يجري في مدينة ساحلية، ومع ذلك لم اشعر بالبحر بكل مافيه من غموض واسرار فرغم الاعصار لم اسمع مزج البحر الا هادئاً وللحظات قليلة، وغاب صوت الامواج الهادرة حتى في لحظة الانهيار الاخير، ولم اسمع صوت طيور البحر، وحين كانت ابنة الحاكم تحدثنا عن خوفها من مجيء الغربان لم اسمع صوت الغربان لكن المخرج كان موفقاً في توظيف الإضاءة الحمراء والصفراء في تصوير الثورة القادمة والبركان داخل الاسرة الحاكمة بسبب خلافاتها الناتجة عن ميلها الشديد لفعل الشر، وكل الاكسوارات كانت مصنوعة من صدف البحر وهذا رائع وجميل، وشباك الصيد وظفها المخرج ببراعة لتصوير وقوع الجميع في المصيدة التي لا فكاك من شباكها. لقد كان قاسم عمر بارعاً ممثلاً ومخرجاً وكان الممثلون رائعين في تجسيد شخصيات العرض في تناقضاتها وخوفها ومؤامراتها فؤاد هويدي كان يمثل باقتدار ممثل مجرب مدرك لابعاد الشخصية وكان هديل عبدالحكيم بارعاً في تصوير عمق الغموض في شخصية الجنرال المخادع المدعي صحوة الضمير حتى يوشك على الهلاك مع الآخرين وكان احمد يافعي بارعاً في تصوير شخصية الاخ الجبان مع قدرته الفائقة في خلق الفتنة بين شقيقه الاكبر منه فانتقل ببراعة من شخصية الابن الجبان المعتمد على ابيه الحاكم الى شخصية الماكر القادر على زرع الفتنة وعلى اقناع الاخر، وكانت النتيجة ان يتقل الاخ اخاه في مشهد تمثيلي رائع.وكان الفنان خالد مساوى بارعاً في تجسيد شخصية الانسان الضعيف المهمش الذي لايعرف قيمة نفسه ولا يشعر لذاته قدراً فاعلاً في اتخاذ القرار والمواجهة والتأثير على الاحداث وكانت الممثلة الشابة شيرين علي عمر مقنعة في اطار الحيز المتاح لها في النص والحوار الذي كتب لها ودائماً ما افرح بمشاهدة ممثلة على خشبة المسرح لان المسرح اليمني بحاجة الى مزيد من العنصر النسائي في مجال التمثيل .وبرغم كل هذا الذي قلته، يبقى العرض المسرحي (الاعصار) بحاجة لأكثر من مشاهدة والى خشبة مسرح حقيقية، والى تقنيات متطورة للاضاءة والصوت، والى ميزانية كبيرة والى مزيد من الدرس من قبل المؤلف والمخرج معاً والى قراءات تحليلية يتولاها متخصصون، وليس لقراءة انطباعية لكاتب متواضع مثلي.