عدن هذه المدينة الباسمة المستقرة التي يتميز أهلها بالطيبة والبساطة وروح المدينة المتحضرة الهادئة المسالمة التي تنفر من العنف والقتل وسفك الدماء والبشاعة والقبح وأصوات الطلقات النارية وازيز الرصاص.. اليوم يريد لها البعض أن تتحول وتتبدل وتترك بشاشتها ووداعتها وحلاوة ابتسامة ثغرها التي عرفت به وتكشر عن أنيابها ومخالبها وتتحول لتصبح الفك المفترس أو سمكة القرش الذي يسمونه كلب البحر من خلال ظاهرة انتشار حمل السلاح والمسلحين داخل هذه المدينة التي لا تعرف إلا الحب والمودة والألفة. إنهم القراصنة الجدد الذين يريدون لهذه المدينة أن تعود إلى الوراء والى ما قبل التاريخ زمن البداوة والتخلف والهمجية ولغة الغاب ويتحول أهلها من صيادي أسماك إلى صيادي بشر يفتك وينهب ويهدد بعضهم بعضاً على طريقة السمكة الكبيرة التي تلتهم السمكة الصغيرة وتتحول الحياة في هذه المدينة إلى غابة القوي فيها يبطش بالضعيف.فهل يستحق هذا الثغر الباسم والحاضن لكل قادم إليه أن يتحول إلى “دراكولا” مفترس من خلال ما نشاهدة ونعايشه يومياً في الشوارع والحارات والميادين العامة من مظاهر مسلحة مرعبة وكأننا في افغانستان أو في الصومال أوفي أقصى القرى الجبلية النائية الشديدة الوعورة التي تسكنها القبائل المتحجرة التي مازالت متمسكة بعاداتها السلبية القديمة فيحمل السلاح خوفاً من غدر الزمان وخيانة الإنسان لأخيه الإنسان عندما يختلف معه يوجهه له على طريقة ومنطق القاعدة والعرف القبلي القائل: “من قال حقي غلب».قد يقول قائل:أن سبب انتشار المظاهر المسلحة في مدينة الثغر الباسم قد يعود للأزمة التي مرت بها بلادنا في الفترة الأخيرة ويعود إلى غياب الأمن والهدوء والاستقرار ومجيء أفواج النازحين من محافظة أبين ومن الذين تسللوا إلى عدن من محافظات أخرى ومن جماعات مسلحة أخرى من أماكن بعيدة عن عدن نتيجة غياب هيبة الدولة ومع الفوضى جاؤوا إلى عدن بهدف السيطرة على هذه المدينة المسالمة واستغلال موقعها الاستراتيجي المهم الذي يرمز للجنوب بأكمله ومن أجل صنع قلاقل وزعزعة الاستقرار في هذا الميناء الاقتصادي والتجاري الحيوي العالمي في القرن الأفريقي وتهديد التجارة العالمية فيه حتى لا تقوم له قائمة ولا يتذوق أهله طعم الراحة فيه.وقد يقول آخر إن غياب الدولة وفرض سيطرتها الأمنية قد شجع بعض المراهقين والفتيان والأحداث المشبوبين بالحماس الزائد على حمل السلاح والإعجاب به وهم في الأصل عاطلون عن العمل أو من الذين تنقصهم الخبرة والكفاية المعرفية والرؤية والثقافة الواضحة لما يدور ويجري داخل البلد وليس لديهم تجربة ناضجة في تشخيص وقراءة المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي ويفتقدون لرؤية مستقبلية ثاقبة وبعد نظر وليس لديهم هدف حقيقي وملموس يخدم الوطن والمواطن والمجتمع ومازالت تجربتهم في الحياة في بدايتها لكي تستوعب الأمور الوطنية الكبرى والدليل سهولة انصياعهم لمن يقودهم أو يوجههم أو يعمل على تعبئتهم وتحشيدهم من قبل من يصطادون في الماء العكر وهذا التعميم ليس على كافة شرائح الشباب والأعمار المختلفة فهناك شباب يتفوقون في تفكيرهم وتطلعاتهم وأهدافهم ومقاصدهم ومراميهم على كبار المفكرين والفلاسفة لأن المرء بأصغريه قلبه ولسانه وهناك من يستغلون الشباب ويغررون بهم ولا يحبون لهذه المدينة ولا للوطن الخير ويسعون في الأرض فساداً وتدميراً وخراباً ولا يحبون للناس إلا البؤس والشقاء والتعاسة وإلا ما معنى الانفلات الأمني الذي نشاهده في الشوارع والطرقات حين ترى أحداثاً صغاراً يحملون على ظهورهم أسلحة الكلاشنكوف وغيرها وكأنهم جنود عائدون من المعركة يستعرضون هذه الأسلحة وسط بسطاء الناس الآمنين المسالمين وقد تصيب بعض طلقاتهم العشوائية المتكررة أحد الأبرياء وتزهق روحه لأنهم يحملون هذه الأسلحة دون وازع ديني أو إدراك لعواقب استخدامها المفرط وغير المنضبط.نرى هذا المشهد يحدث أمامنا حين ترى مسلحاً قد قطع طريقاً أو نهب متجراً أو بسط وسيطر على بقعة أرض لشخص آخر أو اعتدى على مواطن مسالم يعمل بائعاً متجولاً ومن محافظة أخرى غير مدينة عدن التي كانت إلى وقت قريب لا تعرف هذه السلوكيات العنيفة ولا تعرف هذه المشاهد التي لا نراها إلا في البلدان الأكثر تخلفاً وبداوة وقبلية وكأننا في زمن قديم يذكرنا بعصور الجاهلية الأولى التي لا يحكمها قانون أو نظام أو شريعة محددة أو دولة مدنية متحضرة.يا حبذا لو تقوم الدولة ممثلة بالحكومة باستيعاب هؤلاء الشباب المنفلتين وتلمس همومهم ومعرفة ما يدور في رؤوسهم وتحقيق الحد الأدنى من مطالبهم وتوجيههم وإرشادهم واستثمار طاقاتهم المهدورة لما ينفعهم وينفع مدينتهم ووطنهم ويسلم الناس من شرورهم وأن تتعاون الدولة مع أولياء أمورهم في إيجاد حلول ومخارج لمشاكلهم وقضاياهم التي من أهمها حمل السلاح والتمظهر به أو الاستعراض به بين المواطنين العزل المسالمين لأن هذه الظاهرة بدأت تقض مضاجع الناس ليل نهار بأصوات الانفجارات وطلقات الرصاص الحي والمفرقعات وتكثر حوادث القتل والجرح كل ساعة وكل حين وكأننا في حالة حرب أو في حالة طوارئ لا تنتهي وقد يستفحل أمرها وتصبح عادة سيألفها الناس ويعتادون عليها وتتحول عدن إلى قندهار افغانستان أو مقديشو الصومال أو أي مدينة حدودية بين شمال السودان وجنوبه وهذا السلوك يتنافى مع النضال السلمي الذي ينتهجه الناس هنا في الجنوب ويشوه صورة هذا النضال ويتنافى مع مدينة تتصف بالمدينة والتحضر، وسيادة هذه الظاهرة وتكريسها في عدن معناه غياب العقل والحكمة والمنطق ولغة الحوار الإنساني السلمي، وحمل السلاح في مناطق قبلية وجبلية قد يكون مبرراً أما في مدينة ساحلية مثل عدن فإن المظاهر المسلحة فيها لا تليق بها ولا بأهلها نظراً لطبيعة أهلها الطيبين المسالمين طيبة نقاء الماء والبحر الذي يعيشون بجواره.
|
آراء
هل سيتحول الثغر الباسم إلى فك مفترس..؟!
أخبار متعلقة