قيثارة النبض
د. سعاد العلس تشير عقارب الوقت إلى العاشرة بعد مبتدأ العمر أطلق نشاب الذاكرة صوب زمن منقوش بداخلي بإصرار يقاوم المحو فيصلبني التذكّر في مساحات الزمكان شوقا ورغم اختناقي حباً بطبيعة مساحة الزمكنة أركض كموجة هاربة لاحتضان رمال الذكريات ، بكل ماتختزله الرمال من فلسفة العطش ،أتساءل عن صوت يعيد لظلي الباهت بعضا من رونقه ، صوت كان ذا طرب في مسار الضوء استقطب كل الأنظار ، يأتيني الجواب من عمق الحنين يتسلل (أنت ساكن وسط قلبي) يقوض مدّ الجفاف ، ينتشلني من سنين عجاف إلى سواقي الحنان تقذف بي على ضفاف زمن مابرح يتجدد بــ ( جدد أيام الصفا وأذكر الماضي وعود ) يالذاك الصوت إلى سناه ترحل قوافل أشواقي، تطوي في مداها، أنات عمري ( مشتاق زاد اشتياقي ساهن ليوم التلاقي ) تخففت مشاعري من ثقل أردية الأيام وضجت أركاني بالفرح في وقت كان الفرح قد سجل أسوأ علاقاته بي ، أجدني أعدو للخلف أنادي مجهولا غيبته الأقدار في مداها بهمسة حب تترجى ( كلمة ولو جبر خاطر وإلا سلام من بعيد ). [c1]أبا مشتاق يا صورة الزمن الجميل [/c]على قدر جئتنا لتقفز بالأيام إلى صدر الفروسية والزمن الأجمل ، جئت بأغنية محملة بالشجن مضمخة بعطر الحب، ومذاق الهمس. جئت تلقننا أبجديات العشق ، ترسم الأغنية كلمات من أماني الأحلام حروفا على ثغر الاشتياق تزهر . مازالت كلماتك أيها الهرم الشامخ مرجعا لأدبيات وسلوك المحبين. ماضون نحن في دروب الحب يضوعنا عبق ( كلمة عتاب) حين العتاب وتر ممدود بين طرفين محبين ( العتاب بين الحبايب شيء لذيذ شيء يخلي الحب يوم عن يوم يزيد) يحرقنا ( لهيب الشوق) يشاكس الساكن من الشعور بدواخلنا ، يحقننا بأمصال ( الصبر طيب ) تعلمنا منك أول التهجي في دروس الحب كيف أبواب التسامح تطرق ( أنا آسف وأترجاك تعذرني ) معطرة بالدهشة المشتعلة حنانا كلماتك ( تزعلك كلمة كلمة سببها الشك والغيرة؟؟) مضمخة بعطر الأمل ( عود جدد لي الأمل،عود وأنسى ما حصل ) وحين تغضب تنهض الرمضاء وتشتعل وتنحسر ستائر الدخان عن لغة الهجر ( أهجره وأنساه يا قلبي أهجره) ( وأنا أقدر أنساك) (أحرق بنارك وذوب باشوف من يرحمك وإن جيت تشتي تتوب بأقسى عليك باظلمك ). [c1]أبا مشتاق يارفيق زمن الانتشاء [/c]هذه انحناءات كلماتي تلامس عتبات ذكراك ، فرشتها بساطا من خيوط مشاعر رقصت لها شرايين النشوة حين هاطلتها غمام كلمات أغانيك، معولا يحفر في جوف الذاكرة، يأتي رجعها زخات حنو تستر عري الحاضر، تأسرني صلبا على أيكة زمن تأوه شجنا وطربا تبتل له الذائقة فيحلّ قيد اللحظة الجافة . أعبث بتفاصيل ذاكرتي ، أجد تاريخي بإغفاءة بحجم المطلق حين تدغدغ أسماعي نغمات دوزنت باحات العمر فرحا على إيقاع ( صباح الخير من بدري أمانة شلّها ياطير ) أو يطوح بي حدّ تفاصيل رجع الانتشاء على وجه أبي ذات مقيل لحظة عناق أصابعه وريقات أبي زربين يهتز طربا لــ ( أمير الغيد وغزال البيد ) يوقف الزمن في اللامكان، يجمد دمعة تحجرت في المآقي على عمر انشطر وغادر ما تبقى منه للغربة يشهد سقوط الأيام باجترار التذكّر والذكرى مناجيا (أعز الناس وأقربهم إلى قلبي ووجداني) ووطنا أجدد له العهد في ( كل ليلة أتذكرك كل ليلة للصباح كيف أقدر أهجرك كيف ياسيد الملاح ) كيف (وأنا ما أطيق على الهجران)؟؟؟؟ أيها الصوت القادم من الزمن المفقود مازلت حاضرا بيننا نشرع لذكراك كل الأبواب ، نرسم خرائط الهروب إليك من صخب الأصوات وزحمة الأنفس ، نزرع شتلات الفرح على إيقاع لهجتك اللحجية (أرقّ اللهجات اليمنية وأكثرها دلالا وغنجا) (أسلا وسليني وبالسمر جيني يا باشة الغزلان ليه الجفاء ما شان) فيشتعل الحاضر جمالا على صهيل صوت الماضي البهي ويفوح الوقت عطرا يمحو صدا الأحزان . [c1]بن سعد يا ندى الأيام [/c]كل الأصوات تساوت بعدك إلا أنت ، ستبقى خالدا متفردا أيها (النهر، الهرم ، الشموخ). تدجنت ذائقتنا من اهتراءات النواح والفحيح من سواك ينتشلنا من زمن الغثاء لا الغناء (ما فادنيش الصبر والصبر قتال) ما أحوجنا اليوم إلى شبيه يخلفك وقد نسخك كثيرون وشتان ما بين النسخ والأصل ! ياصوتا عبر فضاءات السنين مد ظلال العشق مدائن غنى، ألقاً يضيء سماء الفن حتى وإن ترمدت الأيام . [c1]أبا مشتاق يا سمير الليالي الملاح [/c]كل ما لاح في الأفق بارق هللنا وكبرنا ، وثقبنا في صوته حد البحة ، علّ فيه بديل يخلفك ، لكن ثمة صوت يتعالى من الأعماق يلوي عنق الأمل صارخا : عن أبي مشتاق (ما با بديل ). (العبارات بين الأقواس كلمات من أغاني الفنان الراحل محمد سعد عبدالله).