كنت قد كتبت في مقالين سابقين عن الحالة اليمنية المتردية المنقسمة والمتدهورة أمنياً ومعيشياً،والمضطردة في انعكاساتها الفوضوية على حاضر ومستقبل اليمن أرضاً وإنسانا ..وهأنا أسجل في هذه السطور مخاوفي كغيري من اليمنيين من حالة عدم الاستقرار التي تلوح بمفرداتها المثخنة بصراعات الأمس وهفوات الحاضر والتي باتت هي المحصلة والمعضلة في الوقت نفسه لأي تحرك من شأنه إخراج البلد من دائرة التفتت والفوضى المتعددة بأطرافها ووسائلها وعبثيتها، وهاهي السفينة تمضي بالجميع -وأؤكد بالجميع دون استثناء أكان اليمن أو دول الجوار وحتى كثير من دول العالم - إلى حالة من اللاّسلم وعدم الاستقرار المفتوح الذي باتت خياراته الدموية هي المتفردة بعناوينها بقيادة المرحلة إلى أعماق أعماق المحيط ،خصوصاً في ظل توافر تلك المساحة المفتوحة بل الممنوحة لقوى النظام الماضي _القريب والبعيد _ والتي لم تستوعب التاريخ ولم تزل منتجة لممارسات غدت مفضوحة وهلامية وقاتمة وتجلب الغثيان.المشكلة أن هذه القوى العتيقة منتشية حد الهوس بفكرها المتصلب الذي يوحي إليها أن الطريق الذي تسلكه، والأسلوب الذي تستخدمه أمور وحيدة في نوعيتها،ولا يمكن الاهتداء إلى بدائل لها، أو التوقف عنها ، لذا فإنها لا تعطي أي اهتمام لمسألة البدائل الأكثر نفعاً والأقل كلفة، وهذا الطرف نجده مستعداً لتحمل المشاق والآلام إلى ما لا نهاية حيث لا يخطر في باله أن ثمة مخرجاً آمناً مما هو فيه ،لنجده غير قادر على التخلي عن آرائه حتى لو بدا له خطؤها واستحالة تحقيقها،كما لا يشعرك هذا الطرف بأنه عقلاني منطقي يفكر ضمن معقولية واضحة ومقبولة،وهذا شيء طبيعي، فتصلبه الذهني يؤدي إلى تخلف طرحه وتقادم مفاهيمه ووحشية نواياه اللاّمحدودة.إذن اليمن رغم المبادرة -وليس المبادلة-الخليجية ومجموعات الضغط الإقليمي والدولي والأممي إلا أنها في أسوأ حال أكان في الجانب الأمني أو المعيشي أو المؤسسي، كما أن حالة التدهور تلك آخذة بالاضطراب إلى ما لا يمكن تصوره خصوصاً في ظل صعوبة الحياة المعيشية حيث تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف الشعب اليمني تأثروا بالأحداث المتراكمة منذ عقود وزادت الأحداث الأخيرة الطين بلة ووفقاً للتقارير فإن الأولويات الإنسانية الملحة تتلخص في توفير الغذاء والمياه النظيفة وتأمين الرعاية الطبية الأولية والأمن الغذائي،وتوفير المشتقات النفطية من الكيروسين والديزل والبترول والغاز المنزلي إلى جانب مكافحة معدلات فقر هي أكثر عمقاً وأشد حدة من أي بلد آخر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.الأدهى والأمر أن الآلية التنفيذية-مش الآلي الكلاشينكوف - الخليجية لم تزل الآراء والأهواء تغتصب سطور بنودها، كما أن البعض ينكرها ويصفها بأنها أشبه بالإسرائيليات التي غزت كتب الأحاديث النبوية الصحيحة والتي أرادت تشويه كل شيء .هناك اجتهادات بشأن المبادرة الخليجية وهناك مطالب بالتقديم والتأخير في تنفيذ بنودها، بل هناك قوى سياسية تسعى لتفجير الوضع في اليمن لصالحها، حيث هناك تجار حروب في اليمن معروفون للجميع، لا ترغب بدولة يمنية قوية يحكمها النظام والقانون تحول دون البدء في مؤتمر الحوار الوطني وهيكلة القوات المسلحة والأمن. ثلاثة أشهر منذ تشكيل حكومة الوفاق وشهر منذ انتخاب الرئيس التوافقي ونحن نراوح مكاننا للأسف الشديد (لا شفنا أمن ولا استقرار)، ولا يزال توسع ما يسمى بـ “القاعدة” مستمراً أفقياً وعمودياً في إسقاط المحافظات واحدة تلو أخرى حتى غدا على مشارف العاصمة مخترقاً العديد من المعسكرات والألوية في طريقه، مسقطاً الكثير من أفراد تلك المعسكرات بين قتيل وجريح وأسير، والاستيلاء على آلياتهم العسكرية دون مقاومة تذكر، هل يعقل هذا؟..غريب أمر هؤلاء الذين يحاولون بفكرهم العميق إعادة العجلة إلى الوراء غير مدركين أن مشعلي الثورة وطالبي التغيير الايجابي الذي يحفظ للإنسان كرامته وإنسانيته مازالوا في حالة استعداد دائم لتقديم التضحيات ومعهم كل أبناء الوطن منتظرين ومراقبين عن كثب حالات المؤامرة التي يظن فاعلوها أنهم يستطيعون أن ينجوا من عقابهم وما ارتكبوه وما زالوا في حق الوطن أرضاً وإنساناً. فهل نحن بالفعل نتجه نحو خيار الحسم الثوري إذ يزال أمامنا الكثير لننجزه في ظل هذا التواجد وهذا الكم الضخم من المرتزقة الذين يقوضون كل خطوة نخطوها..نعم مازال الفكر الشمولي والاقصائي وذاك العدو المتصلب بمواقفه المنكرة يتربص بنا من أمامنا ومن خلفنا ولا سبيل إلا الاحتكام إلى ما يحتكم إليه المتربصون بحياتنا وأحلامنا..وهل هناك خيارات أخرى ؟ والأكيد أنه ليس منا من يريد الفوضى والاقتتال، غير ذاك الفاقد لعقله وضميره وقبل ذلك لدينه وإنسانيته..حسبنا الله ونعم الوكيل، رحم الله شهداءنا الذين طالتهم أيادي الغدر والخيانة في كل زمان ومكان على هذه الأرض الحزينة بمواطنيها.
أخبار متعلقة