هل نرفض الفيدرالية أم نقبلها ؟ هذا السؤال يدور في أذهان الناس بشكل واسع . وقد كثرت هذه الأيام المناقشات حول الفيدرالية تقريبا في كل مكان وبين كل الأوساط .لكن الكثير منهم يناقشون دون إلمام كاف بمعناها . لذلك أقدم هذه الدراسة التي ترجمتها من اللغة الروسية بعنوان (الفيدرالية المقارنة) من تأليف: أليزر دانيال ج./عن كتاب: مختارات علم السياسة-ص 519-505/موسكو.دار جارداريكي للطباعة والنشر، 1999م، تحرير البروفسور فاسيلك م . بالاضافة إلى المناقشات حولها من وجهة نظري الشخصية لإسقاطها على واقعنا اليمني بهدف فهم أعمق للفيدرالية و الوصول إلى إجابة عن السؤال هل نرفض أم نقبل؛ أو هل ستنجح الفيدرالية في اليمن وكيف ؟ وأظن أن هذا السؤال هو الأهم الذي يجب بحثه ودراسته بعمق ،قبل اتخاذ أي قرار سياسي بشأن هذا الخيار.إذن أضع وجهة نظري الشخصية في المسألة برمتها ،فاتحاً الباب للمناقشة الجادة و الإثراء، دون أحكام مسبقة أو تصنيفات مستعجلة . فمستقبل الوطن اليمني شمالا وجنوبا هو مستقبل أبنائنا مستقبل الأجيال القادمة، فلنفكر بهم وبحياتهم قبل التفكير بأنفسنا .[c1] الفيدرالية المقارنة[/c] اعتبر موضوع الفيدرالية لسنوات طويلة، لدى علماء السياسة، غير جدير بالاهتمام ربما لأنه بمثابة منظومة علاقات متبادلة بين حكومات ( إدارة الحكم )على مختلف المستويات - في تكوينات فيدرالية محددة ـ وبدرجة أولى في الولايات المتحدة الامريكية. و لكن في الوقت الأخير أصبح الموضوع من أهم مسائل السياسة الدولية ،وبالمثل للعلوم السياسية. مفهوم الفيدرالية له معنيان. في المعنى الضيق هي العلاقات المتبادلة بين مختلف مستويات السلطة، وفي المعنى الأوسع هي الجمع بين الإدارة الذاتية وجزء من الحكم عبر المشاركة دستورياً في السلطة على أساس لا مركزية الحكم . [c1]تصنيف الفيدرالية[/c]يحتوي مفهوم الفيدرالية على عدد من الأنواع:الفيدرالية ( هو المقصود بالذات عند التحدث عن الفيدرالية اليوم) -federation- الاتحاد : يعتبر شكل تنظيم سلطة الدولة، التي صاغ مبادئها الرئيسية الآباء المؤسسون للولايات المتحدة في دستور1787م. ويستلزم الاتحاد وجود مؤسسات حكومة مركزية موحدة يكون من صلاحياتها صياغة السياسات ، أما الوحدات المكونة (الأقاليم أو الولايات) فتمتلك الحق في إدارة ذاتية لوحداتها من جهة، ومن جهة أخرى المشاركة دستورياً في إدارة عموم الاتحاد بأكمله. تحصل الحكومة المركزية على صلاحياتها بواسطة التفويض من قبل سكان جميع الوحدات المكونة للاتحاد، وتتصل بمواطني البلاد فيما يتعلق باختصاصاتها كما بأوساط السلطة العليا .من أجل حل الاتحاد يتطلب موافقة كل أو أغلبية الوحدات الداخلة فيه. إلى الشكل التقليدي المعاصر للفيدرالية ينتسب كل من الولايات المتحدة الأمريكية، كندا ، وسويسرا .الكنفدرالية (confederation) كان هذا الشكل الاتحادي المعترف به عامة قبل عام 1787م .يتميز البناء الاتحادي الكنفدرالي أن جميع وحداته المشكلة للاتحاد تحافظ بدرجة كبيرة على سيادتها و صلاحياتها القانونية . حيث تمسك هذه الوحدات وتضع رقابة ثابتة على الحكومة المركزية التي لا يمكن أن تصل إلى ابسط المواطنين إلا بالعمل فقط من خلال هذه الوحدات .من أجل الخروج من مكونات الكنفدرالية من قبل أي عضو من أعضائها لايحتاج موافقة باقي الأعضاء-هذا الحق يثبت عند عقد الاتفاق الدستوري الأول . أفضل مثال معاصر للكنفدرالية هو الاتحاد الأوروبي . الفيدراسي (federacy) هو نوع من العلاقات غير المتعادلة بين حكومة فيدرالية صغيرة ودولة فيدرالية عظمى. في هذه الحالة يعتبر أساس دعم الاتحاد هو أن تحافظ الحكومة الاتحاديه على حكم ذاتي واسع مع عدم حصولها على حصة في الادارة المركزية للاتحاد . وتسمي الولايات المتحدة الامريكية هذا النوع من العلاقات “ التعاون” _ (commonwealth) .بهذه الطريقة بنيت العلاقات بين أمريكا وبورتوريكو، وحكومة جوام.رابطة نظام الدولة (associated statehood) في هذه الحالة تكون الحكومة المتحدة مرتبطة بدرجة اقل بالدولة الكبرى الاتحادية ،ففي الدستور المنظم للعلاقات المتبادلة تؤخذ بعين الاعتبار كقاعدة إمكانية فك الروابط بينهم بحسب بعض الظروف المتفق عليها . هذا النوع من العلاقات موجود بين أمريكا و بين ولايات ميكرونيزي الفيدرالية ، وجزر مارشال.إلى جانب تلك الأشكال توجد أشكال أخرى شبه فيدرالية منها:اتحاد(union) - مثل المملكة المتحدة البريطانية وشمال ايرلندا - .عصبة أو رابطة (league) - مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا-.حكم مشترك(condominium) -اندورا تحت المحميات المشتركة الفرنسية، والاسبانية - التقسيم الدستوري للأقاليم -مثل ايطاليا - .الادارة الذاتية الدستورية - مثل اليابان - .كل شكل من الأشكال المعطاة يستلزم أسلوبه الخاص لحل المشاكل الخاصة في الادارة . ولذلك فجميعها مدعوة إلى إيجاد الطريق الذي يسمح بتوفير إدارة موحدة للسياسات عموما، بمستوى كاف من الادارة الذاتية لأجزائها أو الوصول لخلق منظومة المشاركة في السلطة من اجل التمهيد لإدارة ذاتية ديمقراطية للدولة بمجملها أو لأجزائها .باختصار الفيدرالية- هي السؤال عن العلاقات المتبادلة. و يتحقق في الدستور، المؤسسات، الهياكل، ووظائف الدولة، ومع ذلك تبقى العلاقات المتبادلة ذات الاهمية الأكبر في المحصلة الاخيرة . [c1]تحليل مقارن للفيدرالية:[/c]تلامس البحوث المقارنة 6 جوانب مهمة للفيدرالية :(1)النظرية (2) المؤسسات (3)الدساتير.منها القوانين الدستورية . (4)الأساسات بمعنى مؤسسات وإدارات المنظومة الفيدرالية . (5) الوظائف أو منظومة العلاقات المتبادلة بين هياكل السلطة بمختلف المستويات . (6) مسائل المالية، على سبيل المثال توزيع إيرادات الضرائب ، والمصروفات . ولها أيضا يمكن إضافة جانب آخر: وهو أمثلة تسيير الانظمة الفيدرالية ومشاكلها ، التي تبرز أثناء تطبيق الاداره الفيدرالية في الحياة.في البحوث أيضا تنتصب أسئلة النظرية و التطبيق الفيدرالية التالية :-1 دساتير الانظمة الفيدرالية ، منها عمليات التصاميم (البناء) الدستورية، والادارة الذاتية الواقعة في أساس الحكومات الفيدرالية.-2 الهيكل المؤسساتي الفيدرالي، وأنظمة الآليات الفيدرالية المستخدمة ، وفي المقدمة أشكال وهياكل الوحدات الفيدرالية، والحكومة المركزية التي للوحدات (الأقاليم أو الولايات) الفيدرالية نصيب فيها .-3 مشاكل الأداء المشترك ، وتقسيم السلطة أو الصلاحيات بين الحكومة المركزية وحكومات الوحدات الفيدرالية أو ممثليها أو أجهزتها البديلة .-4 تأسيس و صيانة المؤسسات المقسمة للسلطة المركزية و سلطات الوحدات الفيدرالية .-5 تمازج خاص لعمليات الإدارة الذاتية و حصص الحكم وهياكلها التنظيمية الشاملة التي يمكن أن يكون لها خصوصيتها في كل نظام فيدرالي . لهذا عليها في كل الأحوال أن تكون متوازنة من اجل ممارسة الوظائف الفيدرالية بنجاح .-6 توزيع وتقسيم الصلاحيات والمسؤولية المالية ، بنود تشكيل الدخل و الخرج .-7 التفريق بين الفيدراليات المتعادلة و غير المتعادلة .معروف جيداً أنه لا توجد أنظمة فيدرالية متشابهة بالمطلق؛ فلكل واحدة منها علاقتها الخاصة التي تحققت من خلال تقسيم السلطة والمشاركة فيها .لهذا من الصعوبة أخذ مؤسسات وآليات وإجراءات أي من الأنظمة الفيدرالية و نقلها أو إعادة غرسها في أخرى دون إدخال تعديلات جوهرية عليها تسمح لها بالتكيف مع الظروف الأخرى .[c1]ماذا نعرف عن الفيدرالية؟[/c]ما الذي تيسر لنا معرفته عن طريق إجراء الأبحاث الدولية المقارنة للفدرالية ؟ مجموع الأوضاع المعترف بها اليوم في هذا المجال ، يمكن عرضها في التالي :-1 يعتبر وجود مجتمع مدني أهمية حياتية من أجل فكرة الفيدرالية .ولإثبات ذلك يمكن أن تكون تلك الحقيقة ، أن الفيدرالية المعاصرة لم تظهر حتى ذلك الحين ، إلا بعد أن أصبحت فكرة المجتمع المدني منشأةً للحياة السياسية للغرب [..].المجتمع المدني يتكون من الأفراد والروابط التي تجمعهم، فالمجتمع المدني الفيدرالي يستلزم وجود طيف واسع لهذه الروابط التي تخدم تنوع حقول التجاذب بدرجة أكبر أو أقل، والتي على أساسها يتقسم المجتمع المدني إذ أن المجتمع المدني الفيدرالي الأكثر تطوراَ، يرفض فكرة الحكومة المادية، لأنه ينظر إلى الحكومة أنها الرابطة الأكثر استيعابا لكل أفراد المجتمع ، ولكن ليس أكثر من ذلك. -2 في النظرية السياسية للبلدان الانجليكانيه و في المقدمة النظرية الامريكية للفدرالية ، لا يوجد مفهوم الدولة كما هو معروف . فالشعب صاحب السلطة السياسية المطلقة يعقد اتفاقا لتشكيل المجتمع السياسي (body politic) أو دولة (commonwealth) بواسطة ذلك أو باتفاق إضافي يؤسس كل الحكومات الممكنة و يعطي لها سلطات بقدر ما يعتبر أنها ضرورية . فلا توجد حكومة واحدة ذات سيادة مطلقة ، لأنها تمتلك تلك الصلاحيات فقط التي فوضها الشعب صاحب السيادة . ولذلك يمكن تواجد حكومات متعددة مباشرة جنبا إلى جنب و في آن واحد .أما تنافسها ممكن تطابقه جزئيا، أو أن يكون مقسوماً لكل واحدة منها جزء خاص بها من الصلاحيات السلطوية المرسومة من قبل الحكومات ذات النفوذ الأكبر اتساعا في الإطار الكلي العام .ولكن في أي حال لابد أن تكون علاقاتهم المتبادلة منظمة على أساس مبادئ ملائمة وتطبيق مناسب للعلاقات البينية الحكومية (فيما بين الحكومات ).النظم الفيدرالية للقارة الاوروبية و الدول الواقعة تحت تأثير الفكر السياسي القار- أوروبي ، تبنى على مسلمات أخرى بعض الشيء.بافتراض أن الشعب صاحب السلطة المطلقه هو الذي يصنع مجتمعه المدني عن طريق الاتفاق ، و كذلك يؤسس الدولة المدعوة لخدمة هذا الشعب ومجتمعه المدني. الدولة القار-أوروبية في هيكلها أكثر انفصالا عن مجتمعها المدني من تلك المذكورة أعلاه، الرابطة السياسية الشاملة ، و أكثر مركزية من مجموع الحكومات البسيط. لاسيما أن تعيينها أيضاً تلخص في أن تكون أداة في أيدي مؤسسيها ،وهو الشعب صاحب السيادة ، وأن تكون تابعة له. في تلك الحالة و في الأخرى النتيجة هي يجب أن تكون دولة منظمة في شكل قالب خاص يتضمن في ذاته حكومة بمساحة نفوذ كبير أو صغير، حيث أن الحكومات الفيدرالية تستخدم الهيكل بشكله البارز الشامل مساحة أكثر اتساعا- المجتمع المدني، أما حكومات الوحدات الفيدرالية في حدودها المرسومة لها المحاطة بمناطقها التي تقوم بخدمتها .هذا النوع من الشكل (القالب) يتناقض مع نموذج الشكل الهرمي للحكم ، الذي تقف به الدولة على حكومات المستويات الدنيا و المتوسطة وعلى الشعب ، الذي هو عمليا مكون قاعدة الهرم . مبدئيا هذا النموذج يختلف عن نموذج حكم الطغمة أو الاقلية ( الاوليغارشيه ) الذي به يوجد مركز واحد للسلطة المحاط بالأطراف ( الدوائر ) مرتبطة بذلك المركز بدرجة ما تكبر أو تقل، وتؤثر عليه بدرجة تزيد أو تقل. نماذج الحكم الهرمي ، وحكم الطغمة تعتبر “ طبيعية “ من تلك الفكرة: أنه أثناء المجرى الطبيعي للأحداث تبرز السلطة بذاتها بشكل هرم أو مركز واحد ، والنخب تنزع لأخذ أماكنها إما على قمة الهرم ، أو في مراكز السلطة.بالنسبة للدولة الاتحاديه (الفدرالية ) يمكن النظر إليها كوسيلة دستورية بهدف التدخل لمنع طغيان الحكم الهرمي ، أو المركزية في الحكم . الهيكلية اللامركزية المؤكدة بواسطة إدخال المبادئ الفيدرالية وإيجاد الفعاليات الملائمة، واستخدام قوى المؤسسات التي أسست بوعي ، بالذات من اجل منع أو إضعاف كحد أدنى تأثير “القانون الحديدي للفردية “. إظهار أو تحليل الأشكال الممكنة للهيكلية اللامركزية من وجهة نظر ذلك انه يمكن تحقيقها في الحياة وأنها موجودة في الواقع ، واعتبارها من المسائل المهمة، الماثلة بشدة أثناء بحث الفيدرالية. واحده من الطرق الممكنة لتحديد نوع الهيكلية اللامركزية ( الفيدرالية أو الكنفدرالية ) توضيح علاقة العبء السلطوي لمختلف الوحدات داخل القالب. في البناء الفيدرالي الحكومة ذات مساحة نفوذ أوسع تعتبر أيضاً أكثر شمولاً و إمكانية وجود أكثر قوة ، لمراقبة تنفيذ تلك المسائل الحياتية المهمة ، التي تمنح الدولة شكلها، بينما في الكنفدرالية تتحمل وحداتها الأساسية المكونة العبء السلطوي الرئيسي، وهي أكثر قوة من وجهة نظر حل مسائل الحياة المهمة .في تركيبها الداخلي ، بتكوينات وحداتها الكنفدرالية، ممكن أن تذكرنا بالنماذج الشمولية أو المركزية ، أما القالب الفيدرالي المقترح ، فالمساواة النسبية يمكن ربطها بمجال العلاقات بين المؤسسات ذات النفوذ الأكثر اتساعاً ، أي بمعنى أن العلاقات المتبادلة بين المساحات المحلية في إطار القالب العام ، ولكن ، إذا لم يكن هناك ذلك القالب نفسه ، فالحديث عن الفيدرالية غير ذي معنى .-3 عملياً ، في أساس القالب الفيدرالي يقع المبدأ الإقليمي (الجغرافي) .الاتحاد الفيدرالي يمكن أن يكون موسعاً أو مقوى بأسلوب الاعتراف الرسمي بالمؤسسات ذات الطابع الاجتماعي أو أشكال أخرى ليست ذات انتماء إقليمي من المشاركة ، وعليهم جميعا الحصول على أساس إقليمي ملائم . في الوقت الحاضر الفيدرالية المبنية على أساس آخر ، يتضح انها غير قابلة للبقاء طويلا ( في الاختلاف عن الفيدرالية القبلية غير الحديثة ) . السبب أن الوصول إلى إقامة نظام دستوري ثابت (متين) ممكن من اجل الأراضي وشعوبها القاطنة عليها ولكن ليس على أساس خارج الأراضي ، بحكم أنه في الحالة هذه من الصعب جداً رسم الحدود ، التي بدونها لا يمكن التقسيم الداخلي للسلطة ، والمشاركة العملية في إدارتها . -4 في سبيل أن تستطيع المنظومة الفيدرالية ممارسة وظائفها على جميع أراضي الدولة من الضرورة أن تكون مفدرلة.في الدول حيث أراضي سكان أقلية معينة ما ، تمنح حكماً ذاتياً ( حتى ولو كانت حقيقية ) ، والرقابة على آخر ، تبقى كاملة في يد الحكومة المركزية ، يجري لا مركزة المناطق باستلامها صلاحيات خاصة .أما هناك حيث يجب على الحكومة المركزية أن تمارس كسلطة مركزية وكذلك كسلطة محلية ، تكون في وضع ليس فقط إضافة المناطق الفيدرالية بل أيضا جمعها.وفي كل الأحوال مثل هذا الوضع يؤدي في أغلب الأحيان إلى الصراع ، لاسيما أن هذه الأشكال المنتقاة للحكم الذاتي، كقاعدة تستخدم من أجل تسوية التناقضات العرقية ، بعيداً عن الارتباط بكل الأمور الأخرى الأكثر خطراً على الفيدرالية.الأجزاء المكونة التي تقتسم أراضي المجتمع السياسي ليس بالضرورة أن تكون متساويةً تماماً :لأنهم بإمكانهم الاختلاف بشكل كبير ، ولكن بتلك الشروط التي فيها ، ولا واحدة من تلك الأجزاء المكونة ، لن تتوسع أو تكون غالبة، بحيث أن ذلك يهدد ( أو يعطي انطباع التهديد ) للوحدة أو لصلاحيات الآخرين.مثلاً في زمن الرايخ الثاني لبروسيا بكل بساطة تم قمع جميع الحكومات الداخلة في مكون الفيدرالية الالمانية إلى درجة أن المؤسسات البروسية نفذت وظائف عموم المانيا.تقسيم الأراضي المشابهة يمكن وجوده في إطار ما يسمى البناء الفيورالي ( من الإسبانية “ Fuero *” ) ، أي بمعنى اتفاقية ثنائية بين الحكومة المركزية وبين وحدات مكونة محددة .على هذا النحو ، بوضع دستور عام 1978 م في أسبانيا الحديثة أرسيت أسس النظام الفيدرالي . حيث قسمت كل اسبانيا إلى مجتمعات إقليمية مستقلة ذاتيا، بناء على الدستور .وبنفس الوقت قضت بأن بلاد إلباسك وكاتالونيا ، وكذلك أي مجتمع إقليمي آخر ، الذين يرغبون بذلك ( في المحصلة الأخيرة أتضح لهم جا ليسيا والاندلس)، بإمكانهم بأسلوب منفرد إجراء محادثات مع مدريد بالنسبة لهيكل آلياتهم الإدارية ( آلية الإدارة والحكم ) وحجم السلطة المعطاة للحكومات الإقليمية .أغلبية المناطق الأخرى للبلاد فضلت التمتع بذلك التقسيم الأساسي للسلطة ، الذي وضع في الدستور و في القوانين التي شرعت بالانسجام مع الدستور .ولكن كان في كل الأحوال ، على كل وحدة جغرافية ( الأرض ) داخلة في مكون البلاد بالضرورة امتلاك حكومتها الإقليمية الخاصة الممنوحة الحد الأدنى المعين من صلاحيات الحكم الحقيقية ، التي تتمتع بها بناء على ما أعطاها وضمنها لها الدستور .-5 كل هذه العناصر لتركيب هيكلية وبناء المؤسسات المشيدة بهدف تأمين بناء نظام معقد نسبياً لتقسيم السلطة والصلاحيات والمشاركة في إدارتها ، ستكون فعالة فقط في تلك الحالة إذا ما كانت تخدم السكان انسجاماً مع ثقافتهم السياسية أو كحد أدنى قريباً منها . تلك الحقيقة ، القائلة بوجود ثقافة سياسية فيدرالية خاصة ، يعترف بها في وقتنا الحاضر جميع المختصين في مجال الفيدرالية المقارنة ، رغم أن سؤال مكوناتها، حتى الآن لم تشرح حتى الأخير . يبدو أن الأكثر فاعلية تعتبر تلك الانظمه الفيدرالية ، التي تدعم بثقافات سياسية ملائمة، والأكثر اتحادية تقريباً الثقافة السياسية السويسرية . إذا كانت الثقافة السياسية لا تتلاءم كاملة مع البناء الفيدرالي، هنا يجب عليها على الأقل أن تكون قريبة للتأهل في قبول علاقات وآليات البنية المؤسساتية الفيدرالية وجعلها قابلة للعمل .فالوصول إلى أي شكل من البناء الفيدرالي ممكن حتى في تلك الحالة ، اذا كانت فيها الثقافة السياسية محايدة ، أو إذا كانت في اطر التشكل الفيدرالي المحتمل تمتلك عددا من الثقافات السياسية ، تتوازن مع بعضها. ولكن إذا كانت الثقافة السياسية عدائية بالعلاقة مع الفيدرالية ، فإمكانيات وجود نظام فيدرالي بأي شكل كان تتقلص بشكل حاد . -6 في هذا الأمر من المهم حياتيا الرغبة أو السعي إلى الفيدرالية. في التصور المثالي تلك الرغبة أو الطموح نحو الفيدرالية تولد الثقافة السياسية . و لكن الرغبة نحو الفيدرالية يمكن أن تتطور مستقلة عن الثقافة السياسية ، كمجرى لأحداث معينة . بطبيعة الحال ، في الحالة الاولى تتقوى بشكل كبير إمكانية التحقيق الناجح في الحياة للمبادئ الفيدرالية. ولكن في الخيار الثاني فتطور الرغبة نحو الفيدرالية ،يمكن أن تستخدم كثقل توازن مضاد للأوساط السياسي - ثقافية .-7 من أجل أن تكون أية أنظمة فيدرالية وآلياتها قابلة للحياة، يتوجب عليها إعلان اتفاق اجتماعي عريض بصورة ضامنة . فعادة ما تنشا الانظمة الفيدرالية بامتلاك اتفاق شعوب عدد من الدول على خلق مؤسسات تكوين بنيوي، وكقاعدة على أساس “ اتفاقات شامله “ مسماة “ دستوراً “ عن طريق التنازل المتبادل. وبنشوء الفيدراليه باستطاعتها استخدام بعض من إجراءاتها الدستورية بشكل خاص لضم وحدات جديدة للاتحاد. حقيقة في الكنفيدراليات “ الكلاسيكية “ الناشئة من دول مستقلة يكون اغلب الأعضاء الداخلين في النظام في اغلب الأحيان معروفين منذ البداية ،أما في حالة الدول المتحدة مسبقا كان التحاق أعضاء جدد إليها نادرا جدا . ولكن التكوينات الفيدرالية و بالذات الكنفدرالية “المعاصرة “ تبنى بالأصح على أساس شبكة اتفاقيات ،بدلا من وثيقة توحيد بوقت واحد . هكذا بشكل خاص يكون الاتحاد الأوروبي والفدرالية الهندية الغربية . وبطريقة مماثلة في القرون الوسطى وفي فجر عصرنا الحديث بنيت سويسرا في القرن التاسع عشر عن طريق عقد “صفقة “ دستور جديد بدل بناؤها الكنفدرالي على أساس شبكة اتفاقيات إلى فيدرالي .-8 في سبيل التطبيق الناجح لوظائف أي نظام فيدرالي من الضروري الحصول على توازن مناسب بين تعاون السلطة المركزية والوحدات الفيدرالية والتنافس فيما بينها. و ذلك يستلزم تمازجاً ملائماً للهياكل المنفصلة في علاقتها بالتعاون على ممارسة الوظائف، الثقافة ، الاعتراف المتبادل بقوانين التطبيقات الاداريه و القضائية ، وكذا انفتاح عملية التبادل التجاري . واستخداما لجملة المصطلحات المتخذة في أمريكا يمكن القول انه يتطلب حصة محددة مثل فيدرالية ذات مستويين ، أيضا فيدرالية التعاون التي تسمح للحكومات بذل جهود موحدة لانجاز الأهداف المشتركة . وبنفس الوقت ، إذا كانت كل حكومة لا تستطيع الاحتفاظ لنفسها بحق اتخاذ القرار ، و حرية قول “ لا “ يكون ذلك “ التعاون “ ليس إلا غطاء للتعسف و القسر من جانب الحكومة المركزية . نحن في غير مرة استطعنا ملاحظة أحداث مشابهة. لقد كان إنشاء نظام قانون إداري مركزي في النمسا ،وتراكم صلاحيات ضخمة بيد الحكومة المركزية في مجال جمع الضرائب ، والتحكم بتلك الصلاحيات عبر لجنة الاعانه المالية في النمسا ، ضررا على حقوق الولايات .-9 أثناء مناقشة التكوينات الفيدرالية ليس نادراً أن يبرز إلى مركز الاهتمام: الاختلاف بين الأنظمة المؤسسة على تقسيم السلطة ، والأنظمة البرلمانية ، وبالذات نموذج الوزارة الغربي. في الأنظمة المؤسسة على تقسيم السلطة ، تلعب المحاكم الدستورية والتعاون بين الإدارة في الحكم ( دوائر الحكم ) دوراً عظيماً ، بينما في الأنظمة البرلمانية تعلن عن نفسها بوضوح النزعة إلى تحويل الهيئات المشتركة ، الناشئة عن الوزارة الأولى ، أو أي من الشخصيات المسئولة ،إلى آلية غير رسمية ولكن مهمة اتخاذ القرار. مع أن كلا النمطين من الآليات يستخدم سواءً في الأول أو في الشكل الثاني من تنظيم السلطة .في القرن العشرين السلطة التنفيذية اكتسبت رقابة أوسع على التشريعية، بالذات في اطر النظام البرلماني حيث تستخدم أغلبيتها البرلمانية ، بدون شك عندما تكون في حالة تميز باسم الأغلبية. ولهذا فهذه المنظومة من الهيئات المشتركة عملياً قادرة على التحدث عن دولتها. والحيلولة دون ذلك ممكنة فقط عبر المقاومة من خارج المصادر البرلمانية (كما حصل عملياً أثناء حل المسائل الدستورية في كندا) . أما في النظام المؤسس على تقسيم السلطة ، السلطة التنفيذية لا تستطيع إلزام السلطة التشريعية بتنفيذ توجيهاتها ، ولهذا فإن هذا النظام اقل نفعاً في استخدام الهيئات المشتركة (الجماعية) إلا إذا كان من اجل اتخاذ قرارات تقنية ( تكنيكية).بنفس الوقت فأن المحكمة الدستورية لمثل هذا النظام ستكون ميالة لدعم المؤسسات الكبرى ( مؤسسات التكوين البنيوي) ، وطبعاً إذا لم يكن في طاقم هذه المحكمة ممثلون عن الوحدات الفيدرالية .الأنظمة المبنية على تقسيم السلطات، بدرجة أكبر من البرلمانية تستند على دستور مكتوب دقيق شامل ومفصل، يتخذ على أساس الاتفاق العام والذي به يتم التحفظ على المشاكل الدستورية ( رغم أن النظام البرلماني يتطور على نفس الاتجاه ) .الوثائق الدستورية للمكونات الفيدرالية للبلدان المتحدثة بالإنجليزية ، توجد كقاعدة مرنة ، بينما في نفس الوقت الفيدراليات المتحدثة بالالمانية ، نجد فيها أن الوثائق المماثلة صيغت بأكثر دقة وأقل انصياعاً للتعديلات غير الرسمية عبر التأويلات. وهي أكثر طولاً من دساتير البلدان المتحدثة بالإنجليزية ، و كثيراً ما تدخل عليها تعديلات رسمية.البحوث التي أجريت في الأعوام الأخيرة ، تسمح لنا بفهم أفضل لجوهر القوى المناهضة للفيدرالية .واحدة منها تبرز من موقع الدفاع عن الاندماجية ، وغيرها تتجه نحو التجزئة .الصنف الأول تنتمي له القوى التي توصل إلى مسالك اليعاقبة والمركزية المفرطة -أو الشمولية- (توتاليتارية)، والتكنوقراطية.المساواة التي ينشدها اليعاقبة تتقبل عدداً من الأشكال الراديكالية بحيث انه في أي نوع من الانحراف عن النموذج الواحد يصبح فعلياً غير متاح وليس إلا درجة ضئيلة من القبول. وبنفس الوقت بالنسبة للمركزية المفرطة ( التوتاليتارية ) غير مقبولة لهم فكرة أنصار تقسيم السلطة والصلاحيات، التي تتناقض مع مبادئهم الأساسية. المقاومة التي تواجهها الفيدرالية من قبل الحكم الهرمي الإداري لا تحمل ذلك الطابع الشامل ، فالحكم الهرمي الإداري في طبيعته غير مؤدلج ، ولكنه أيضاً يولد الإيديولوجية التكنوقراطية، التي تكون بشكل عام متوجهة ضد الفيدرالية اللامركزية ، وتقسيم صلاحيات السلطة .فعلى امتداد الثلثين الأولين للمئوية من الالفية الثانية كانت إعاقة تثبيت الفيدرالية ، قبل كل شيء من قبل نزعات الاندماجية في المجتمع .ووسط قوى النمط الثاني الأقل خطورة على الفيدرالية غالبا ما تعتبر القومية العرقية. يوجد تصور أن الفيدرالية ممكن أن تكون وسيلة فعالة لحل المشاكل المتعلقة بالصراعات بين الأثنيات .عملياً الفيدراليات المتعددة الأثنيات تنتسب إلى عدد تلك التي من الصعب عموماً التأييد ؛ هي تمتلك أقل الفرص للبقاء على اعتبار أن تلك الوحدات الناشئة بحسب المبدأ الاثني هي كقاعدةٍ لا تريد فيدراليات وحدة متينة.لا يستبعد ، أن فرصا أكثر بكثير للنجاح تمتلكها حكومات الكونفيدرالية ذات الأثنيات المختلفة . إذ أن الفيدراليات متعددة الأثنيات تحمل معها تهديد الحرب الأهلية، الفيدرالية متعددة الأثنيات تهدد فقط انهيار الأجزاء المكونة.تعتبر ضرورة لجم القومية الأثنية في يومنا الحاضر ليس فقط الأكثر انتشاراً ، ولكن الأساس الأصعب تحقيقاً ( تطبيقاً) من اجل الفيدرالية .فالقومية الاثنية ـ هي الشكل الأكثر أنانية في النزعة القومية ، وعلى قاعدتها من الصعب الوصول إلى نظام المشاركة الدستورية في السلطة.النظرية الفيدرالية تشترط على القومية الاتفاق ، أياً كان جوهرها الديموجرافي، الاتفاق الذي يجعل تقسيم الصلاحيات السلطوية ممكنا، وكذا المشاركة في إدارتها، القومية المعاصرة تستند في جزء كبير من عملها على تقسيم (تشتيت الناس)، اللغة ، الدين ، الأساطير القومية .. وغيرها. تعد الفيدراليات المتعددة الأثنيات ناجحة الفعل عملياً ، لأنها كقاعدة هي تلك التي فيها حدود الوحدات الفيدرالية لا تنطبق كليةً مع حدود المكونات الأثنية. يتفق مع الفيدرالية فقط ذلك النوع من القومية الذي يصاغ عبر الاتفاق أو الموافقة الاجتماعية للأفراد وبعد ذلك تصاغ في وثائق دستورية مناسبة ، بتخطيط نطاق حدود المنظومة الفيدرالية من جهة ، وحدود الوحدات الداخلة فيها من جهة أخرى .بشكل عام القومية الأثنية التي ارتقت كنماذج القرن التاسع عشر اتجهت إلى ربط أي حكومة بعدم التوافق الخاص بها . إذن فالفدرالية ـ هي الوسطية الذهبية الديمقراطية ، التي تلتزم المفاوضات والحلول الوسطية .فأي ظهور غير متوافق أو بدون حلول وسطية في النشاط الحيوي للمجتمع يجعل من تحقيقها أكثر صعوبة ، وغير ممكن مبدئيا. كثيراً من التوقعات التي ارتبطت باستخدام المبادئ والآليات الفيدرالية اتضحت في مرات كثيرة أنها وهمية .وكذلك أيضا لم يحدث من قبل أن استخدمت هذه المبادئ والآليات بهذا المقدار من النجاح والتسامح كما في وقتنا الحاضر.الفدرالية ذات خاصية اجتذاب إلى جانبها أولئك الذين يمارسون البحث عن العلاج لكل التعقيدات .هذا البحث ، طبعاً غير مجد لأن العلاج الوافي لكل التعقيدات لا يوجد ، ولكن مبادئ ، آليات ، وتطبيقات الفيدرالية، كما هي الديمقراطية بشكل عام ، حتى عندما يتحققان ليس بحجمهما التام ، ليس نادراً أنها تمهد السبيل لتعزيز دور قوى الديمقراطية والسلام في العالم .
|
آراء
هل ستنجح الفيدرالية في اليمن وكيف؟ (1 ـــ 2)
أخبار متعلقة