نبض القلم
خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان قال الله تعالى:” إن سعيكم لشتى* فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردى” (الليل، 4 ـ 11).في هذه الآية ما يؤكد وجوب السعي لعمل الخير،وعمل كل ما يراد به وجه الله، فالعمل الصالح المراد به وجه الله يبقى نفعه لصاحبه، مادام يسعى للقيام به، أما إذا كان العمل لغير وجه الله، فإنه يزول ويضمحل، ولذا فضل الله العاملين بما أمر الله به من العبادات المالية كالزكوات والنفقات، والصدقات، وفي ذلك تشجيع للإنفاق في وجوه الخير، على اختلاف أشكاله وألوانه. وفيها أيضاً نهي عن البخل في الإنفاق الواجب والمستحب، كالصدقة ومساعدة الفقراء والمنكوبين والغارمين ونحوها.ولقد انحرف معنى (الصدقة) في تصور كثير من الناس، فحسبوها مقصورة على تلك الريالات القليلة، أو المساعدات الضئيلة التي تقدم لبعض المتسولين الذين يمدون أيديهم للسؤال والاستجداء، مع أن كلمة (الصدقة) مشتقة من الصدق. فكأن الصدقة دليل على صدق إيمان صاحبها،ومن هنا أيضاً جاءت كلمة (الصديق) فالصديق هو كثير الاستجابة الفعلية لأعمال الخير، ومساعدة صاحبه.والصدقة تقي صاحبها من المخاطر والأمراض التي يتعرض لها وهي دواء لكثير من الأمراض. وفي الحديث الشريف الذي أخرجه أبو الشيخ عن أبي أمامة والديلمي عن أبي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ داووا مرضاكم بالصدقة”.ولكي تكون الصدقة دواء نافعاً، يشترط فيها إخلاص النية في إعطائها، حتى لا يكون للشيطان فيها نفوذ أو سلطان، فالشيطان يعد الإنسان بالفقر، إن هو تصدق، وبالتالي يأمره بالفحشاء والمنكر، فهو شديد البغضاء للإنسان، لذا يجب مخالفته.والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:” ما نقص مال من صدقة” ويؤكد ذلك قول الله تعالى: “ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين”.وأخرج مسلم وأبو الدنيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة، ويعظم الله لصاحبها ثوابه وأجره” وما دام الأمر كذلك لماذا لا يكثر الإنسان العاقل منها احتساباً لوجه الله، ففي إخراج الصدقة تقرب لوجه الله، وبعد عن الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والحاكم:” لا يخرج أحد من الصدقة شيئاً حتى يفك عنه لحيي سبعين شيطاناً كلهم ينهى عنها”.وأخرج مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” يقول ابن آدم مالي مالي، وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى، ولبس فأبلى، وتصدق فأمضى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس”.وأخرج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيقول الله له: أعطيتك وخولتك وأنعمت عليك، فما صنعت؟ فيقول: يا رب، جمعته وثمرته وتركته أكثر مما كان، فارجعني آتيك به”. إنه يندم على أنه لم يقدم في حياته خيراً، ويندم لأنه لم يتصدق من ماله، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا مرة أخرى ليتصدق. ولما لم يكن قد تصدق في حياته لمن يستحق الصدقة، يرمى به في النار، وبئس القرار.وأخرج الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” كل امرئ في صدقته حتى يقضي بين الناس”.وأخرج الطبراني والبيهقي عن عقبة بن عامر أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته”.وأخرج الطبراني كذلك عن ميمونة بنت سعد رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، افتنا في الصدقة، فقال: إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله عز وجل”.وأخرج ابن أبي شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”يبعث الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قط» وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله.. فذكر الحديث، إلى أن قال: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه”.والله سبحانه وتعالى يقول:” يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين،ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعلمون”.ولعل أكثر الصدقات نفعاً تلك التي تأتي على شكل تعاوني، لا فردي، والتعاون غريزة متأصلة في النفس خصوصاً في اوقات الشدائد والمحن، فكل إنسان خلق وفي نفسه ميل إلى التعاون، غير أن الدين الإسلامي الحنيف نظم هذه العملية بحثه على أداء الصدقات، وتقديم الزكوات لمستحقيها، خاصة في أوقات الأزمات، حين يكون الناس أشد ما يكونون بحاجة إلى من يقدم لهم العون والمساعدة لمجابهة أزماتهم الطارئة.