إن مصلحة المشروع الإخواني في الجنوب أن يقرأ مشخصات ومفردات الواقع الجنوبي ويستوعبها ويضعها مرتكزات إستراتيجية في مشروعية ومصداقية تعامله مع هذه المشخصات تفرض عليه أن يكون فاعلا ومشاركا مع شعبه وقيادة ثورته الجنوبية لا أن يقف ضدها ويظل يردد بتحدٍ أو ببلاهة الدفاع عن وحدة اعترف (...) بأنها (...).إن أتباع المشروع الإخواني من الجنوبيين يعرفون أن تجمع الإصلاح انحاز ضد الجنوب في حرب94 مفتيا ومقاتلا ومشاركا ولم يكن خافيا عليهم ما تعرض له الجنوب ولم يتحمل (الإصلاح) مسؤوليته تجاهه بنفس القوة التي قام بها في حرب الشمال ضده وكان الأجدر به حينها إن كان صادقا أن يمثل الجنوب وينفذ « وثيقة العهد والاتفاق» وهو الشريك القوي في تلك الحرب لكنه لم يصدر عن أساسيات مشروع يتصف بالحيادية بل عن مصالح قوى تتحكم ببنيته هي خليط من قوى قبلية وعسكرية ومالية تتحرك تحت لافتة خليط من السلفية والإخوانية والحركة والقوة للمجموعة الأولى .إن (...) لا دين له وان الدين وقيمه سياجات وكوابح وموانع لحماية الناس ومصالحهم وليست سقوفا تضغطهم واغلالا تكبلهم فلو كانت سقوفا لا يجب كسرها ما أفتى علماء الإسلام بجهاد الدولة العثمانية المسلمة واعتبارها دولة احتلال ولما وصفنا حكمها في مدارسنا وجامعاتنا ودراساتنا بمصطلح « الاحتلال العثماني» .أن المشاريع محايدة حتى تتمثل فيها المصالح، والجنوبيون المنتمون للمشروع الإخواني ينبغي أن يقرؤوا واقعهم الجنوبي بمصالحه ومفرداته الحالية وان ما أوصله لهذه الحالة هو الاحتلال وان زملاءهم وقادتهم في المشروع من الشماليين لم يكونوا صادقين أو أمناء في تمثيل مصالح الجنوب طيلة عقدين بل أن القراءة تفرض عليهم أن لا يربطوا الحالة الجنوبية بالمظالم التي يحاول زملاؤهم من الشماليين أن يشخصوا بها الحالة الجنوبية لان الصوت الانفصالي لو صار في الشطرين لجاز تعميم القاعدة لكن أن يقع في الجنوب بعد حرب وقرارات دولية تلزم الطرفين بالحوار فالتشخيص أعمق يلزم المنتمين للمشروع من الجنوبيين أن يقرؤوها كما هي بل يتعمقوا و يقرؤوا الانقسامية السياسية والمذهبية وإنها ضاربة في أعماق التاريخ وان الوحدة كانت بين دولتين من الدول الوطنية الحديثة بمرحلة ما بعد الاستعمار وان الواحد فيها لا يتحد مع نفسه بل مع آخر هذا الآخر تعرض لحرب لا تحلها مقولات بأننا « شعب تحسدنا بقية الشعوب على تجانسنا لغويا ودينيا» فذلك ليس إلا تدليسا سياسيا يوظف الدين واللغة عاطفيا لتسويق الهيمنة بأنها وطنية فالدين لم يمنع بنجلادش أن تنفصل عن باكستان واللغة والدين لم يمنعا الشمال أن يحتل الجنوب ويغدر بالعهود « إن العهد كان مسؤولا» .لا اعتقد أن هذه المفردات خافية على أتباع المشروع الإخواني من الجنوبيين لكن يبدو أن جبروت المؤسسة أكثر تأثيرا لديهم من صدق المنهج، والأصل أن تتمثل في مشروعهم هموم الجنوب ويعبروا عنها لا أن يتمثل مشروع الضم والإلحاق ويدافعوا عنه لان ارتباط ذلك ليس لصالح المشروع وعليهم أن يقرؤوا نتائج الانتخابات مثلما نفذها الجنوبيون وارتضوا بها وليس على طريقة الاحتلال وأحزابه وإعلامه القائمة على « اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس» فشعب الجنوب تجاوز ذلك ولم يرفض ويقاطع الانتخابات لأنه رفض المشروع الإخواني بل رفض المشروع ألاحتلالي فيه وما يجب أن يستشفه المشروع وأنصاره انه مهما كانت المثالية والخطاب الإسلامي فيه فإنها ليست دينا تفرضه على الجنوبيين الذين يهمهم أن يكون المشروع وعاء تتبلور وتتمثل فيه مصالحهم وهمومهم وأهدافهم لكن تبعيتهم لمفردات خطاب الهيمنة على الجنوب في مشروعهم تعني غباء سياسيا بانتسابهم ودفاعهم عن وعاء سياسي يمثل ويحمي مصالح الهيمنة والإلحاق وانه سوف يؤثر لا محالة على مصداقية المشروع الإخواني في الجنوب بل سيخلق عداء له لان الحيادية في المشروع مجالها الناس ومصالحهم ومعاناتهم وإذا لم ينتموا لذلك وظلوا يشاركون في التزوير والأكاذيب ضد ثورة الجنوب فإنهم لن يخلقوا أعداء لهم في الشارع كأفراد فحسب بل للمشروع الإخواني الذي يقدمونه متماهيا مع مصالح الاحتلال ومدافعا عنه وكانت الانتخابات مؤشرا لهم ليعرفوا حجم دورهم وحقيقة دور الثورة الجنوبية وحقيقة الرفض والمقاطعة وان لا يلجؤوا للمنطق التبريري عن دور السلطة فقد كانت شريكة معهم وليست ضدهم وان المقاطعة أيضاً لم تكن ضد شخص الرئيس الجنوبي ولا ضد المشروع الإخواني ويكفيهم لمعرفة ذلك أن يتأملوا البطاقة الانتخابية والخبث والتدليس فيها حيث وضعوا المرشح وبجواره خريطة يلفها علم يريدون استفتاء جنوبيا عليها وسيعرفون لماذا الرفض والمقاطعة الجنوبية عليها .ان مباشرتهم التدريب على السلاح يؤكد نية (...) ومشروعه الإخواني القائم على الهيمنة في الجنوب وانه مستميت في الدفاع عن المصالح الاحتلالية لشيوخه وعساكره وبيوت ماله لذا فالانتماء لمصداقية المشروع يفرض على الجنوبيين فيه أن يقرؤوا المشهد ولمصلحة من السلاح وان الجنوب قبل السلاح واستخدامه سيسعهم ويسع مشروعهم إذا وسعوه وانتموا إليه ودافعوا عن أهدافه أما السلاح وما سيسفكه من دماء فانه سيلاقي سلاحا وفي الأخير فان « الأرض بتتكلم جنوبي» شاء من شاء وأبى من أبى .مهما حاول المشترك -اعني الإصلاح وأنصاره أن ينوع نفسه بأقنعة متعددة توحي بأنه لم يتناول القضايا بمنظور وريث السلطة بل برؤية الثورة ويظهر متوازنا في تشكيلته للمجلس الانتقالي بطيف جنوبي لا تخطئه العين أراده «زواج متعة» مع الجنوبيين فلوأد قضيتهم لو انخدعوا به سيكون عليهم «أشأم من احمر عاد» - عاقر ناقة صالح - فتواجدهم في المجلس الانتقالي لم يأتِ من الاعتراف بقضيتهم بل جاء بآلية توافقية - الأصح مخادعة - اعترف احد رعاة المجلس بأنه لو تم بآلية انتخابية في الجمعية العمومية فان النتيجة من طيف واحد يعرفه ويعرف انه سيبرز بعدما تزول أسبابه.إن من التأموا في الجمعية العمومية اجتمع غالبهم باسم الحوار الوطني - وهويته معروفة- ولم يقدموا معالجات حقيقية للقضية الجنوبية في تعريفها ومنشئها وطبيعتها وشكل حلها بل عالجوها بما ترغب النخب الشمالية ومصالحها أن تراها به. فلم يكترث الجنوبيون له ولم تنشط قراراته الإحساس السياسي للسلطة بأزماتها فسارت تكرس أسس الاستبداد باسم الديمقراطية وحال غيها دون أن تشم رائحة الشواء السياسي في ساحة «سيدي بو زيد» و «البو عزيزي» يرسم بجسده المحترق خارطة تحمل تفاصيل ولغة ومصطلحات وآليات لواقع الدولة العربية المستبدة وعلاقة شعبها بها وبالأوعية السياسية والأحزاب التي تعايشت معها وسوقتها قبل أن تحرق تلك النار وستحرق عروش الاستبداد القائمة على القرابات والصهارات ونفوذ الأبناء والأشقاء التي قهرت الإنسان العربي وباعت حقوقه وقضاياه وتنميته في البورصات السياسية لتنمية مصالحها ومصالح المنتمين لها والمنتفعين منها.إن الثورات مقاولات استبداد إذا لم تشخص أزماتها ورعاة الجمعية العمومية لم يتجاوزوا أثرة النخب والأحزاب الشمالية في تشخيص موقع القضية الجنوبية في الثورة وأرادوا أن يسوقوا اعتقادا بان تماثل الظلم والاستبداد يعطي نفس النتائج وان الثورات العربية طرفاها شعب ثار ضد أنظمة عائلية استبدادية وكان الشعب موحدا إزاء خصمه وإزاء مفردات القضايا والأزمات التي يعانيها، لكن الأزمة لدينا ليست أفقية كحال الثورات العربية بل رأسية وأفقية في آن واحد، رأسية بان لدينا قضية شمالية وقضية جنوبية ولكل أسبابها وسماتها وأفقية بان القضيتين يهمهما زوال النظام وانه أعدى أعدائهما وجاءت المغالطة بأنهم اعتمدوا الأفقية وأنكروا الرأسية وحاولوا التدليس عليها بحشد طيف جنوبي في المجلس دون الاعتراف بأنهم يمثلون قضية جنوبية تناظر القضية الشمالية بل أرادوها جزءا منها حتى يخنقوها بمعانقتها ويكون حلها إما كما يراه العقيد علي محسن بإعادة الموظفين إلى مناصبهم وحل قضايا النهب أو كما يراه حميد الأحمر برئيس ورئيس وزراء جنوبيين واستفتاء على الفيدرالية بعد بضع سنين أو كما يراه الأستاذ الإصلاحي العتيد عبد الوهاب الآنسي عبر حوار وطني - ليس شمالياً جنوبياً - تشرف عليه الأمم المتحدة والجامعة العربية ويستثنى منه الانفصاليون!!! وبالطبع سيحشد له الألوف على شاكلة جمعيته العمومية!!لقد لخص المرحوم محمد احمد النعمان أزمة الثوار عندما يفقدون الآلية ويركنون للأوهام فيما يروى عنه في مجالسه بعد انتكاسة الثورة قائلا : « كنا إذا هدم عسكري الإمام العتبة أو وسعها شكوناه إليه فيصلح الإمام العتبة وينقل العسكري، فثرنا وطردنا الإمام وحل محله العسكري فان شكونا توسيع العتبة هدم الدار» !! فالقضية الجنوبية مع سلطة الشمال قضية وحدة سياسية بين شعبين ونظامين وكيانين سياسيين لكل منهما صفته القانونية والوطنية وتم الهيمنة عليها في الجنوب بالحرب وأصبح تواجد الجنوبي في سلطة الشمال ومعارضته لا يتجاوز أن «يقرأ ما يكتب له» والقضية الجنوبية في بعض تفاصيلها الذاتية كيان سياسي على أنقاض انقسامية سياسية وقبلية وشهدت صراعات التجربة الاشتراكية فيه مستويات من الإقصاء أفقية وراسية لم تكن تلك الانقسامية بعيدة عنها لكنها اتسمت بالندية وخلت من النظرة الدونية وتميزت بان صراعاتها دارت على المناصب أكثر مما دارت على المال والبرامج وإن تسترت بالأخير.أما القضية الشمالية فموجودة قبل الثورة ومع الثورة ولم تعالجها الثورة بل منعت مراكز القوى القبلية والعسكرية الثورة أن تحقق أهدافها ومنعتها بناء الدولة ، وبالتالي فشلت في إدارة التنوع المذهبي ولم تحقق المواطنة المتساوية واستبدلته بعنصرية جهوية وقبلية استمدت عجرفتها وتميزها بواسطة الاستفادة من الموروث الذي تظاهروا بالانقلاب عليه وحاربوه بعد أن قل ماله وتقلصت حواشي نفوذه.هذه بعض سمات القضيتين واختلافهما والقراءة الثورية تتطلب الاعتراف بأنهما مختلفتان وان قراءتهما بلغة أحزاب المعارضة أو حزبها - بالأصح - هي إنتاج لقراءة السلطة لهما باسم الثورة ومسألة الاستناد إلى واحدية التاريخ الأسطوري وان الدولة الإسلامية هي الحل فليست إلا مقولة هلامية فالقضية الشمالية مثلا لم تتأثر بالاستعمار وكل قضاياها وأزماتها نمت تحت مظلة دولة إسلامية بإطارها وخطابها ولا يستطيع احد أن ينكر ذلك فكل تجارب وفقه الدولة الإسلامية في الشمال خلال الخمسة عشر قرنا الماضية جعلت الإسلام إطارا لممارسات واستقواءات جاهلية لتحقيق مشاريعها ولم تهذب عنصرية التعصب للنسب في القبيلة ليتسع لمفهوم الأمة الذي جاء به الإسلام بل كرسته للوصول للسلطة والثروة، فالبرغلة ودونية الشوافع استندت إلى فتوى إسلامية جعلتهم كفار تأويل، ولعب الخيال الشعبي دوره حتى أصبحت دونية جغرافيا وسكان، والانقلاب على الوحدة والغدر بعهودها ومواثيقها ونهب أراضي الجنوب واستباحته استندت إلى فتوى إسلامية وظهور الحوثية كجماعة تحس بالغبن المذهبي كان تحت دستور إسلامي يحسدنا عليه العالم !! والتشهير بدعاة الدولة المدنية ومطالبة من يدعو لها بتجديد إسلامه يأتي من ذات السياق والمؤكد أن ضحالة فقه السلطة وموروثها تاريخيا في اليمن لا يمكن أن يعزز الاعتقاد بان برامج وافتراضات الشيخ والأستاذ ومن لف لفهما ستكون إكسير الحل وبناء تجربة «تملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا» للوصول به إلى بناء مفهوم الأمة المتماسكة اللهم إلا في حزبهما.إن الأحزاب وبالذات الإصلاح تتغافل عن أنها جزء من مشروع سياسي يطالها فساده وأنهم بحوار السلطة حولوا الثورة إلى أزمة ستفشل الثورة ولن ينالوا بالحوار من السلطة حتى استحقاقات الأزمة.إن التغيير يتطلب تحييد اللغة المشوبة بأنانية النخب حتى تسوي الثورة الملعب السياسي للجميع وعندها لن تهضم حقوق الأحزاب إما في هذه المرحلة فليتركوا للثورتين أن تفرزا خطابا ولغة تسع أزماتهما بشفافية، لغة تنتقد وتتصالح مع التاريخ وتتخلى عن تكفيرية تدور مع مصالح نخب المشاريع السياسية بدأت مع « كرب أيل وتر» لم تسع الخلاف حتى في عبادة الأصنام .
|
آراء
المشروع (الإخواني ) في الجنوب
أخبار متعلقة