العلاقة الجدلية بين الحراك الجنوبي السلمي والقضية الجنوبية
حتى تبلغ هذه الدراسة أهدافها نرى من الأهمية بمكان أن نستعرض بالتفصيل بعض تلك المظالم والممارسات التي ارتكبها النظام بحق الجنوبيين بعيدا عن الصيغة الإنشائية وذلك من خلال المؤشرات الآتية : 1. أقدم النظام على تسريح ما سموا بـ”المتقاعدين” الضباط والجنود الجنوبيين من أبناء القوات المسلحة والأمن بعد حرب 1994م وحرمانهم من مواصلة الخدمة في السلك العسكري ومن مواقعهم القيادية والعملية في أجهزة الدولة وقد وصل عددهم إلى حوالي ثمانين ألف شخص، منهم خمسة عشر ألف ضابط تركز معظمهم في تلك المناطق التي كان العمل العسكري يمثل محور نشاط السكان فيها ،الأمر الذي ولد شعورا لديهم بالغبن والإقصاء من المشاركة الفعلية في السلطة. و ساعد على توسع وانتشار البطالة والفقر في تلك المناطق التي أغلقت الدولة فيها مؤسساتها العلمية والتعليمية في وجوه الشباب. 2. أدت سياسة الإصلاحات الاقتصادية إلى خصخصة بعض المرافق الإنتاجية والخدمية في المحافظات الجنوبية التابعة للدولة وبيعها بأثمان بخسة لقاء مصالح متنفذين ، بلغ عددها حوالي واحد وخمسين مصنعا ومؤسسة مركزية، خدمية وإنتاجية منتشرة في جميع المحافظات الجنوبية، وتدمير أكثر من مئة وثلاثين مؤسسة اقتصادية وصناعية وتجارية ، وأكثر من 21 مزرعة دولة - ولدينا كشف بتلك المؤسسات والمصانع والمزارع_ وقد أدى ذلك إلى الاستغناء عن إعداد كبيرة من العمال في هذه المرافق المعتمدين على مرتباتهم الشهرية في المحافظات الجنوبية، ويصل عددهم إلى سبعين ألف عامل وعاملة تقريبا، الذين لم يتعودوا على العمل الخاص وعلى وجه الخصوص في محافظة عدن بحكم طبيعة النظام الاشتراكي السابق في الجنوب الذي يعتمد اقتصاده على الملكية العامة ومنع الملكية الخاصة. وقد وصل إجمالي عدد المتقاعدين إلى حوالي 45 ألف عامل وعاملة في محافظة عدن وحدها التي كان سكانها يعتمدون على الوظيفة العامة ، وتضاءلت فرص العمل أمام الشباب الراغبين الدخول في سوق العمل وتشير التقارير الإحصائية إلى أن هناك أكثر من 18 ألف خريج جامعي مقيدين في مكتب الخدمة المدنية بمحافظة عدن ينتظرون العمل منذ عدة سنوات . 3. تم تعيين أشخاص من المحافظات الشمالية في أغلب المناصب القيادية في المحافظات الجنوبية ووصلت نسبة مدراء العموم في المحافظات الجنوبية بشكل عام إلى 86 % من أبناء المحافظات الشمالية في السنوات السابقة التي تلت الحرب، وبعض الشخصيات الجنوبية غير المرغوبة في الوسط الاجتماعي ومعظمهم لا يمتلكون الخبرات وغير مؤهلين لتلك المواقع، وقد خلق هذا الوضع حالة من السخط لدى أوساط المجتمع في الجنوب ، في الوقت الذي تم فيه الاستغناء عن الكثير من ذوي الخبرة والكفاءات - حملة الشهادات العلمية- وبقاؤهم في البيوت وقد عرفوا بحزب (خليك في البيت).4. التعامل الذي تم مع الأراضي العامة والخاصة، والبسط والسيطرة على الأملاك العامة والخاصة من أراض ومبان جاهزة تابعة لمؤسسات ودوائر حكومية مختلفة في محافظة عدن وبقية المحافظات الجنوبية الأخرى، وتم صرف وثائق تمليك بها لقيادات عسكرية وأمنية ومتنفذين اغلبهم من أبناء المحافظات الشمالية بأساليب وطرق مختلفة، في الوقت الذي تم فيه حرمان الكثير من الجنوبيين من الحصول على الأراضي بعد حرب 1994م، وعلى وجه الخصوص الذين حسبوا على الانفصال . كما تم الاستيلاء على أراضي الجمعيات الزراعية وعددها أكثر من60 جمعية تعاونية زراعية تضم خمسة وثلاثين ألف عضو من الموظفين في أجهزة الدولة العسكريين والمدنيين والمواطنين، الذين حازوا عليها بموجب وثائق شرعية وقانونية، حيث أقدم بعض المسؤولين في الدولة على دفع البعض بادعاءات الملكية وتعميد وثائق البيع والشراء غير المشروعة لهذه الأراضي، حيث تشير الإحصائيات إلى انه قد تم نهب مئة وعشرين ألف فدان ، يكفي هنا أن نذكر أن احد المتنفذين استولى على ارض بمساحة خمسة آلاف فدان في محافظة لحج على سبيل المثال. كما أقدمت هيئة الأراضي على تغيير المخططات السابقة والعبث بها وصرف المتنفسات والخدمات العامة ، وتكرر صرف الأراضي التي تم صرفها من سابق ، وقد خلق هذا الوضع منازعات عديدة بين الناس .5 .الشعور بالحرمان بسبب تلك الثقافة التي كرسها الإعلام والخطاب الرسمي الذي يتهم أبناء الجنوب بالخيانة والانفصال وأدت هذه الثقافة إلى التباعد المجتمعي وانعكست سلباً على نفسيات الجنوبيين وبالتالي حرمان الكثير من الشباب من الالتحاق بالمؤسسات العسكرية والوظائف المدنية والمنح الجامعية خلافا لما كان يتم من سابق. وللمقارنة بين عدد الطلاب المبعوثين للدراسة في الخارج فإن من بين حوالي 900 طالب أحد عشر طالباً من الجنوب فقط. 6. تعقيد بعض المعاملات الخاصة بالاستثمارات المختلفة في المحافظات الجنوبية والضغط على بعض الوكالات التجارية للتنازل عنها لصالح آخرين من المحافظات الشمالية. كما حصل مع وكالة سامسونج عندما تم اعتقال وكيلها في عدن الزبيري وتلفيق تهمة أخرى له بهدف الضغط عليه للتنازل عن الوكالة أو كما حصل مع المستثمر بلخدر الذي أرسيت عليه المناقصة الخاصة بخصخصة بعض المنشآت الاقتصادية في عدن كمصنع الغزل ومصنع البسكويت والمخبز الشعبي وعندما فاز بهذه المناقصة تم تلفيق قضية كيدية بهدف إلغاء المناقصة وإدراجه السجن.7. الاستهداف المقصود لطمس التاريخ الجنوبي الذي تكشفه كثير من الإجراءات والممارسات المتخذة عن منهج الإقصاء الذي يمارس ضد الجنوب بهدف طمس هويته وثقافته وهي ممارسات لا تنم عن حرص النظام على الوحدة ، واحترام جزء من الكيان الواحد الذي يشكل الوطن فهي اقرب إلى تصرف ( ... ) منها إلى نظام دولة الوحدة. إنه استخفاف واضح بحق الجنوب لا يوجد له مثيل في هذا العصر, ولا ندري ما هي الدوافع التي تقف وراء هذا التصرف المدمر الذي يهدف إلى طمس جغرافية وتاريخ ووأد شعب بأكمله وادعاء الحرص على الوحدة. فقد حولوا التاريخ السياسي والثقافي والتراث الكفاحي الوطني لأبناء الجنوب إلى فيد يصاغ وفقا لثقافة المنتصر حيث جرى تغيير أسماء المدرس والشوارع والمعسكرات والمؤسسات التي ارتبطت تسميتها بالتاريخ النضالي والحضاري في الجنوب وبأسماء الرموز الوطنية فمتحف الثورة الذي كان يطلق عليه اسم أول شهيد للثورة غالب بن راجح لبوزة تم تغييره إلى فرن 7 يوليو “ مخبز “بعد إتلاف كل محتوياته وهدم كثير من المساجد والمباني والمعالم التاريخية كمسجد أبان في كريتر عدن الذي بني في عهد الخليفة عثمان بن عفاف، وكتب عليه تاريخ بنائه 1997م . وقس على ذلك من تصرفات مؤسفة جدا هدفت إلى تدمير الذاكرة المعرفية والتاريخية للثورة الوطنية في الجنوب .8. لم تسمح السلطات بتأسيس أي منابر إعلامية جنوبية (صحف / مجلات/ قنوات تلفزيونية) . ولم تسمح بتأسيس أحزاب أو منظمات مدنية يتقدم بها الجنوبيون حتى إذا كانوا يعملون في السلطة أو أعضاء في الحزب الحاكم. ولم تمنح تراخيص لمراسلي صحف ووكالة أجنبية للمتقدمين من الجنوب، وجميع ذلك مسموح لأبناء المحافظات الشمالية ، وبنفس الوقت لم تسمح السلطات بإرسال بعثات إعلامية أو أكاديمية أو وفود حكومية من الجنوبيين إلا إذا كانوا ملحقين بقيادات شمالية حيث يبقى الجنوبيون في موقع الشك في كل مكان. 9. شدد النظام حصاره الواضح على بعض الشخصيات والفئات الاجتماعية من الالتحاق في العمل في بعض المجالات السياسية والإعلامية والمراكز البحثية والسلك الدبلوماسي والشركات الأجنبية .10. اعتمد النظام على العناصر الجنوبية التي لها مواقف انتقامية أو عدائية مع أطراف جنوبية أخرى حيث عمل على توظيفها ضد الآخرين واستخدمهم في كثير من المناسبات والمنابر الإعلامية للرد على إخوانهم الجنوبيين عندما يطالبون بحقوقهم. وذلك دليل واضح على إحياء وإثارة الخلافات السابقة بين الجنوبيين. 11. عمل النظام على تغذية الفتن بين القبائل الجنوبية كما حصل بين قبيلتي المرازيق والدولة وبين قبيلة ربيز في شبوة، أو الرداما وآل داؤود في الحد يافع أو قبائل الصبيحة في لحج أو آل حسنة والمياسرة في مودية أو بين آل دمان وآل المجهز في العواذل بمحافظة أبين، وغيرها من تلك الشواهد التي تهدف إثارة الفتن بين القبائل في الجنوب ، وتقدم بعض الأطراف المحسوبة على السلطة الدعم اللازم للمتصارعين في الجنوب بهدف استمرار إشعال الفتن والتفرقة بين القبائل في الجنوب. 12. تشير الوقائع إلى أن السلطة عملت على توظيف بعض العناصر الموالية لها من أبناء الجنوب من ذوي السوابق في قضايا الإرهاب والتقطع والقتل ومحاولة إلصاقهم بالحراك السلمي الجنوبي بهدف القضاء على الحراك وإظهاره للعالم بصورة مشوهة.13. عمل النظام منذ زمن على تصدير تنظيم القاعدة إلى المحافظات الجنوبية بهدف إظهار الجنوب بأنه مأوى للقاعدة والإرهاب وتم الدفع ببعض الشباب الذين جندوا في وقت سابق في حرب أفغانستان وشاركوا في حرب 1994م إلى جانبه ودفع بهم لإثارة الخلافات في الجنوب وقد وصل ذلك التمادي إلى استهداف المصالح الغربية كما جرى في أحداث أبو الحسن المحضار الذي اختطف حوالي 16 سائحاَ أوربيا في ديسمبر 1999م،قتل منهم خمسة على الأقل عند محاولة تحريرهم من الخاطفين من قبل قوات الأمن، علما بان هذا الأسلوب لا يتبع في عملية تحرير المختطفين التي تتم في المحافظات الشمالية بل يتم تحريرهم عبر التفاوض بدفع مبالغ مالية. وحادثة المدمرة الأمريكية إس إس كول في ميناء عدن في عام 2001م، وحادثة الناقلة الفرنسية لمبورج في المكلا عام 2003م ، والتي ألحقت أضراراً كبيرة في الاقتصاد اليمني. 14. عدم التحاق الشباب الجنوبي بالمؤسسات التعليمية العسكرية كالكلية العسكرية والطيران والشرطة والأكاديمية الحربية والكلية الحربية ومعهد القضاء العالي التي تتواجد في صنعاء والغاء الكليات المشابهة في الجنوب. الأمر الذي نتج عنه وجود مخرجات جديدة من قيادة القوات المسلحة والأمن من المحافظات الشمالية.[c1]خامسا: إشكالية الحراك[/c]أن الإشكال المتمثل بظهور بعض الخلافات أو التباينات بين أوساط قيادات الحراك يمكن النظر إليه بأنه مسألة طبيعية وظاهرة صحية منطلقة من الحرص على القضية ، لكن غير الطبيعي ان يؤدي هذا التباين الى تراجع حركة نشاطه التي بدأها بتأييد وزخم جماهيري كبير فذلك خلاف غير مبرر، خصوصا وان ذلك الخلاف كان قد بدأ بالتسابق على منصات الاحتفالات وإلقاء الخطب في تلك الفعاليات الاحتجاجية - كما يتردد في الوسط الاجتماعي- وانتهى بالتنافس حول المناصب القيادية أو في تباين الرؤى حول مسار ومستقبل القضية الجنوبية، ذلك لا يساعد على بلوغ الحراك الجنوبي أهدافه السياسية، وهو عامل معرقل لمسيرة الحراك وأهداف الثورة السلمية، ربما تستند هذه الخلافات إلى قراءات خاطئة للتاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي في الجنوب، الذي عرف بالتظاهر والتسابق على تسجيل المواقف التي بني عليها استحقاق ما بعد الثورة وهذا يفسر ذلك التسابق في خلق كيانات ومسميات متعددة للحراك الجنوبي وفي زمن قصير جدا، وقد حذرت منه في حينه الكاتبة الأمريكية المتخصصة بالشأن اليمني جين نوفاك التي أشارت إلى أن هذا التعدد سوف يؤدي إلى خلق جملة من العراقيل أمام حركة الاحتجاجات الجنوبية، وسوف يؤدي إلى نشوء خلافات قادمة بين هذه المكونات ،حيث يريد كل طرف إثبات وجوده فيها، معتبرين أن هذا التواجد قد تبنى عليه استحقاقات قادمة. وما يجب توضيحه والتنبيه إليه في الوقت الراهن هو أن الأمور تختلف كثيراً عن الماضي مرحلة النضال ضد المستعمر البريطاني في السابق قد كان الموقف والهدف واضحاً اجمع عليه الكل، يستهدف المستعمر الأوروبي الأجنبي، أما اليوم فالأمر يختلف نتيجة تعقيد القضية التي نشأت في الشأن الداخلي ولها امتداداتها التاريخية والثقافية والسياسية في الحياة الاجتماعية. وعليه فإن الأمور هنا لا تأخذ أسلوب النضال الذي اتبع ضد المستعمر البريطاني، كما أن أسلوب العمل السياسي أصبح أكثر تعقيدا في الظروف الحالية التي يجب أن تؤخذ جميع الأبعاد فيها والتفهم للواقع وتعقيداته المختلفة وتأثيرات الخارج على ذلك وأن نشاط لا يمكن أن ينجح دون توفير الغطاء الخارجي والغطاء الخارجي للقضية الجنوبية لم يتوفر بعد، إذ ما زالت أمامه كثير من الكوابح أولها ما يسمى برموز هذا الاحتجاج المنتمين إلى المدرسة الاشتراكية التي لا تلقى أي تأييد إقليمي أو عالمي. وثانياً أن مصالح القوى الإقليمية والعالمية ذات التأثير على الشأن اليمني ارتبطت بنظام صنعاء منذ وقت مبكر ولم تكن السلطات الجنوبية يوماً من الأيام في خدمة هذه المصالح بل على العكس من ذلك، وعليه فان النظام يمارس كل نفوذه وعلاقاته مع الخارج في التضليل والمغالطة بشأن القضية الجنوبية . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه مازال جزء من أبناء الجنوب يقدمون ولاءهم للنظام الحالي، ولا يتفقون مع ما يطرحه الحراكيون لأسباب مختلفة أولها الخوف من المستقبل وعودة الصراعات الداخلية بينهم التي أثرت سلباً على حياة الجنوبيين وتاريخهم السياسي وذلك واضح -مع الأسف- في تصريحات بعض قيادات الحراك الجنوبي التي تخلو من المهنية والاحتراف السياسي ففي حالات كثيرة يلاحظ أن الخطاب السياسي موجه إلى الداخل أكثر منه إلى الخصم الآخر، ذلك ما يفسره البعض من أنهم لم يطمئنوا على حياتهم ومستقبلهم ولا يرون في بعض القيادات بأنها قادرة على إيصالهم إلى بر الأمان، حيث تتسم بعض أعمالهم وتصريحاتهم بالعفوية والعشوائية والتخبط في أطروحاتها ودخولهم في صراعات غير مبررة مع بعضهم، ويتضح ذلك في تسابقها على القيادة في بداية المشوار كما يظهر في تلك المفردات التي تتضمنها بعض الخطابات والتصريحات للبعض منهم التي لا تخلو من نسب الأدوار البطولية لهم والتقليل من الآخرين الذين يقفون معهم بنفس الهدف،والإفراط في إطلاق الالقاب والصفات عند التعريف بالقيادات كمفهوم الزعيم اوالمناضل الكبير والقيادي البارز والقيادي الميداني والمناضل الأول، يذكر أن أول من روج لهذه المفاهيم هو الإعلام الرسمي للسلطة عند نقل الأخبار عن نشطاء الحراك أو المقابلات التي تجريها عدد من الصحف مع بعضهم، حيث يلاحظ أن بعض الأخبار أو المقابلات قد ساهمت في وجود الخلافات بين أوساط الحراك . والمؤسف جدا أن أولئك القادة يتحدثون عن توحيد فصائل الحراك منذ ثلاث سنوات ولم يتوصلوا إلى أي نتائج ايجابية تذكر، ونحن ندرك حجم الصعوبات والتعقيدات التي تواجه الحراك،لكن ذلك لا يعفيهم من الانتقال نحو بلورة رؤية عامة وموحدة تجمع كل قوى الحراك المعلنة وغير المعلنة وبقية أبناء الجنوب الذين يجمعهم المصير والهدف الواحد، بعيدا عن الانفراد بإعداد المشاريع والبرامج الإنشائية المطولة أو تعقيدات العمل التنظيمي الذي ساد في تجربة العمل السياسي في الماضي مثل عقد المؤتمرات واللقاءات الموسعة والمطولة وإعداد الاستمارات. حيث لعب إعلام السلطة دوراً سيئاً في وسط الحراك من تسريبات لبعض الأخبار عن خلافات الحراك التي تثير الشكوك فيما بينهم، وذلك لا يطمئن الجميع في الجنوب الذين اكتووا جميعاً بنيران صراعات الماضي. وتعود تلك الإشكالية إلى الخلفية الثقافية والسياسية والأيديولوجية التي سادت في الجنوب أو بسبب قلة تجارب العمل السياسي في ظروف الواقع الحالي. يذكر أن نشاط الحراك قد نشأ في ظروف صعبة جداً (بعد الحرب) وهو نابع من قناعات ذاتية تولدت لدى الكثير في الداخل دون التواصل مع الخارج ودون التفكير بالظهور في تلك الفترة حيث تمثلت تلك المعارضة بالتصريحات أو الكتابات لبعض الرموز أو الشعراء مثل تصريحات وكتابات عمر الجاوي والمساجلات الشعرية المنشورة عبر الكاسيت للشاعر شائف محمد الخالدي،او ابو حمدي ، وثابت عوض و العولقي والعوذلي أو تلك الآراء التي ظهرت في عدد من المقالات المنشورة في بعض الصحف الصادرة في عدن كصحيفة الأيام أو صحيفة الطريق وصحيفة الحق لبعض الكتاب الجنوبيين والتي تشير إلى الأخطاء والتهميش للجنوبيين أبرزها كتابات الدكتور محمد مسدوس والدكتور أبوبكر السقاف عن الاستعمار الداخلي في صحيفة (الأيام) ومقالات علي الغريب وفاروق ناصر وفضل الربيعي واحمد بن فريد وحسن بن حسينون ونجيب يابلي وصالح الجبواني والخضر الحسني وعبداللطيف كتبي عمر وعبد الله ناجي علي وعباس باوزير ، وعبد العزيز يحيى، وغيرهم من الصحفيين والكتاب السياسيين. يذكر أن البدايات التنظيمية الأولى كانت في انتشار اللجان الشعبية في عدد من المحافظات الجنوبية برؤية ثاقبة بوصفها أول نواة تنظيمية للحراك، الأمر الذي أثار حفيظة السلطة كثيراً وتم مطاردة واعتقال أعضائها ومهاجمتها وزرع التشكيك بين صفوفها.ولم يكن الأمر مزعجاً للسلطة فحسب بل حتى المعارضة السياسية الحزبية وعلى وجه الخصوص الحزب الاشتراكي اليمني، الذي اعتبر هذا التشكيل يسحب البساط من تحت قدميه كما عبر عنه بعض قياداته؛ وللدلالة على ذلك سوف نشير هنا إلى أحد المواقف للحزب فعندما قامت اللجنة الشعبية في عدن بالدعوة إلى تنظيم تظاهرة شعبية في المعلا ، تجاه ذلك قام الحزب بالإعلان عن قيام مظاهرة استباقية مرتجلة قبل الموعد الذي حددته اللجنة الشعبية بيوم واحد كالتفاف على نشاط اللجنة الشعبية وصرحوا بذلك علناً بأنهم لن يسمحوا للجنة الشعبية بسحب البساط عليهم كما يعتقدون. يذكر أن عدداً من المراقبين الدوليين والأمريكيين قد توافدوا إلى اللجنة الشعبية بعدن بصورة سريعة مثل زيارة السفيرة الأمريكية ووفد من مجلس الشيوخ الأمريكي حيث رتبت لهم لقاءات في صحيفة الأيام وفي منزل أحد أعضاء اللجنة في كريتر وقد تفاجأ أعضاء اللجنة الشعبية بحضور بعض من القيادات الحزبية، إذ كان حضورهم مثار خلاف بين الأعضاء، الذين أكدوا عدم الجمع بين عضوية اللجنة والعضوية الحزبية .ومع كل ذلك فإن هذا الإشكال لا يشكل مصدر قلق على مسيرة الحراك الجنوبي الذي تدعمه مشروعية القضية وقوة المعاناة والظلم والتهميش والإقصاء التي تمارس ضد الجنوبيين، كما أن جزءاً من هذا الإشكال يعود إلى طبيعة الشخصية الجنوبية التي تتصف بالحسد والغيرة فضلا عما تقوم به السلطة من تقطيع لأجزاء الحراك حيث عملت على محاصرة النشاط في عدن وبعض المدن واتجهوا إلى الأرياف وخصوصاً بعد الإفراج عن قيادات الحراك في 2008م واتجه بعضهم إلى قراهم في المناطق الريفية هربا من ملاحقتهم وشاركوا هناك في تلك الأنشطة ، إلا أن قيام تلك الاحتجاجات في الريف قد لا يساعد على إظهار القضية امام أنظار العالم الخارجي كمدينة عدن التي تحمل دلالة رمزية كعاصمة للجنوب، وشهرتها الدولية ، وهذا لا يعني التقليل من شأن تلك المسيرات في الريف الى جانب إبقاء النشاط في عدن ولو في حدوده الدنيا، وترك الريف لأهله الذين هم أكثر من يعاني من المظالم والتهميش، وان التعامل السياسي الهادف مع الاعتقالات التي تطال نشطاء الحراك سوف تشكل داعماّ أساسياً لرفع وتيرة الاحتجاج السلمي المنظور بعيون العالم الخارجي وبالتالي يساعد في الضغط على النظام للاستجابة لتلك المطالب المشروعة. وعليه فإن القضية الجنوبية هي قضية شعب و ليست قضية مجموعة أو طبقة أو منطقة وبالتالي فإن العمل السياسي يجب أن يكون بهذا المستوى العالي من التلاحم والحنكة السياسية بعيداً عن الصغائر التي لا ترتقي إلى مستوى القضية وما يحاك ضدها.[c1] رئيس مركز مدار للدراسات والبحوث الاجتماعية..عدن