نبض القلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يكن أحدكم إمعة، يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم” (رواه الترمذي).والإمعة الذي أشار إليه هذا الحديث الشريف هو الرجل الذي يتابع غيره في كل شيء، ولا يثبت على شيء، وليس له أي رأي مستقل، وليس له أي هدف معين في الحياة، وإنما يسير مع الناس كما يسيرون ويفعل مثلما يفعلون.ويقصد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: “وطنوا أنفسكم” أنه يأمرنا باستعمال عقولنا، وإمعان النظر في كل شيء يتعلق بنا وبحياتنا، فلا ينبغي أن نحاكي محاكاة عمياء، إن أحسنوا حاكيناهم في الإحسان وإن أساؤوا أسأنا مثلهم، فالحديث يدعونا إلى أن نعتمد على أنفسنا في أفعالنا وأقوالنا، فنتصرف في حياتنا بحسب قناعاتنا، وليس كما يفعل الناس أن أحسنوا نحسن مثلهم وإن أساؤوا نسيء مثلهم، فنجاريهم في أعمال الخير والشر، ونقلدهم في الصواب والخطأ.من الصفات الأساسية لنجاح الإنسان في الحياة أن يكون واثقاً بنفسه، ومعتمداً عليها، ومتى وجدت الثقة بالنفس، فمن السهل الاعتماد عليها، في أي عمل ممكن من الأعمال، ومتى ما وجدت الثقة بالنفس أمكن للمر أن يتغلب على مشاق الحياة.والرجل الواثق بنفسه ثقة بعيدة عن الغرور، يستطيع أن يستقل برأيه، ولا يكون تابعاً لغيره، والرجل الواثق بقوله وفعله يستطيع أن يقف في ملأ من الناس وينادي برأيه، ويجهر بأقواله ولا يخشى في ذلك لومة لائم، والرجل الواثق من صحة مبادئه، وصواب نهجه يستطيع أن يدافع عنها، ويقيم الحجة والدليل، ويأتي بالبرهان لإقناع الآخرين بما يدعو إليه، أو ما يعمل من أجله، ليؤازروه، ويساندوه، ويقفوا إلى جواره.ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم نموذج الرجل الواثق بنفسه، والواثق من قوله وفعله، والواثق من صحة مبادئه، فاستطاع بذلك أن يقنع كفار قريش بتصديق ما دعاهم إليه، فتمكن من الصمود في مواجهة الكافرين الذين حاربوه، ووقفوا ضد نشر دعوته.فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غير واثق مما كان يدعو الناس إليه، ولو كان غير مقتنع بما يفعله، ولا متيقن من صحة أقواله لما استطاع الثبات في نشر دعوته، فلقد كان صلى الله عليه وسلم على يقين من صحة ما يدعو إليه، فهذا هو أسلوبه، ولذلك اختاره الله واصطفاه من دون سائر خلقه ليحمله الرسالة السماوية، المقدسة لينقلها إلى الناس جميعاً.فالإسلام يكره التقليد الأعمى والمحاكاة الجاهلية، ويدعونا إلى التفكير السديد، والنظر الصائب في معالجة أمور حياتنا، كما يدعو الإسلام إلى الاستقلال في الرأي، لتحقيق العزة والكرامة للمسلم. وما أحوجنا في هذه الأيام إلى الثقة بالنفس، والصدق مع النفس، وما أحوجنا إلى التفكير الجاد في كل أمر يتعلق بشؤون حياتنا كي لا نخطئ في تصرفاتنا، أو نسيء التصرف في التعامل مع القضايا الحيوية التي تؤثر في مسار حياتنا.وما أحوجنا في هذه الأيام التي تتهيأ فيها بلادنا لإجراء انتخابات رئاسية وتوافقية، أن نمعن النظر في مستقبل بلادنا ونتدبر أمورنا بحكمة، واثقين من قدرات شعبنا على تغيير واقعه نحو الأفضل، بعون الله تعالى.إن أولى الخطوات في التغيير نحو الأفضل هي المشاركة بفاعلية في انتخاب مرشح الرئاسة التوافقي، للخروج من الأزمة الحالية التي أثقلت كاهل شعبنا، وأضرت بمصالحه، ودمرت اقتصاده، وأفقدته أمنه واستقراره.وليس أضر بمصالح الشعب من الانجرار وراء زيف المقاطعين للانتخابات، الذين يعمدون إلى تخويف الناس وتهديدهم، بل الأحرى بدعاة التغيير المساهمة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية ضمانا لترسيخ مبدأ الانتقال السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، التي من خلالها يتاح لشعبنا إرساء دعائم الاستقرار السياسي، والتضامن الاجتماعي، والرخاء الاقتصادي، والاطمئنان النفسي، وغير ذلك.إننا بتفاعلنا مع الانتخابات الرئاسية، ومشاركتنا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية تم ترشيحه توافقاً من قبل القوى السياسية المختلفة سنسهم في تعزيز الأمن والاستقرار، وسننهي إلى الأبد بإذن الله تعالى دورات العنف التي كنا قد اعتدنا عليها.وانتخاب الرئيس التوافقي يعكس الصورة الإيجابية للديمقراطية المعاصرة، ويجسد مبدأ الشورى الذي وصف الله تعالى بها المسلمين بقوله: “وأمرهم شورى بينهم” وهي استجابة طبيعية لأمر الله تعالى حين خاطب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، بقوله: “وشاورهم في الأمر” وهي من غير شك وسيلة فعالة لتأكيد سلطة الشعب، والانطلاق نحو المستقبل الأفضل. ولذلك ينبغي أن نتفاعل مع الانتخابات الرئاسية، لأن في ذلك ضمان لاستمرار التبادل السلمي للسلطة وتعزيز مبدأ النهج الديمقراطي في اليمن المعاصر.ومعلوم أن موعد الانتخابات الرئاسية هو 21 فبراير 2012م الحالي وهو حدث عظيم في حياة شعبنا اليمني، كونه المخرج الرئيسي لتسير بلادنا فيه إلى مرحلة جديدة يسودها الأمن والاستقرار، وتتحقق فيها التنمية، وليس بخاف على أحد أن المجتمع المحلي والإقليمي والدولي قد اتفقوا جميعهم على أن الانتخابات الرئاسية التوافقية تعطي لمرشح الرئاسة التوافقي الشرعية الكاملة في قيادة المرحلة الانتقالية نحو آفاق رحبة ترسم فيها معالم اليمن الجديد.وإذا كان هناك من له رأي معارض لهذه الانتخابات، فذلك شأنه، فله الحق في المشاركة من عدمه، ولكن ليس من حقه مصادرة حق الآخرين، فلا يجوز له فرض رأيه على الآخرين، وليس من حقه استخدام القوة أو العنف لمنع الآخرين من المشاركة في الانتخابات، وليس من حقه كذلك إرهاب الناس أو تهديدهم إذا شاركوا في الانتخابات، فذلك يتنافى مع النصوص والمقاصد الشرعية، ومخالف للنصوص القانونية النافذة، ويتعارض مع بنود حقوق الإنسان التي شرعها الإسلام، وأقرتها المنظمات الدولية، وأكد عليها الدستور.قال تعالى: “كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى” (المائدة 8).وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” وجاء في المادة الرابعة من الدستور اليمني: “تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم”.