في الذكرى العاشرة لوفاته
تقديم / حسام عزانيفي حياتنا المتعبة والمملة لتناوب الفرح والدموع فيها بترتيب عشوائي ومنظومة غير متزنة من المعاناة المتواصلة وكثرة معالم الألم في حياتنا ... وكذا لإدماننا على الألم الذي أزاح الأمل في محطات كثيرة وتعلقنا الدائم بحلكة الظلام التي غلفت حياتنا وأضاعت ذلك البصيص.. وبالرغم من كل ذلك هناك دوما بصيص نور ولحظة أمل ينتظرها كل منا رغم معرفته سلفا أنها قد لا تأتي.. لكنها الحياة وما تهفو إليه.. وفي حياة المتميزين يبقى الأمل أقوى من كل الم لا يرتضون سواه وهذه هي فحوى الرسالة التي أثقلت كاهل المبدعين الذين يمضون حياتهم في تحليق متواصل لخوض الرحلة في طريق شاق رغم سوء الطقس وتلبد الغيوم حتى الوصول إلى حيث قوس قزح يفترش السماء بالوان الجميلة في شمس مشرقة بعد يوم ممطر.. ولحياة بطل هذه الحكاية ارتباط قوي بما اسلفناة اختطها له القدر تنفيذا لمشيئة الله التي ليس عليها أي اعتراض وهي حكاية تداخلت فيها وامتزجت مشاعر الألم والأمل وكان قدرها أن تمضي متلازمة الخطى تؤدي في نهاية الطريق بصاحبها إلى حيث هي إرادة المولى عز وجل . لفترة طويلة أحببناها.. ارتبطت شخصية الوكيل قائد في مسرحية التركة بجزئيها بنورسنا القادم من احد الأرياف اليمنية وتحديدا من مرتفعات الظاهر الشاهقة قرية عريب جوار مدينة مكيراس حاضرة العواذل التي أبصر النور فيها في المنتصف الثاني للثلاثينات من القرن الماضي ومنها تشبع بروح وأصالة ووفاء الريف اليمني الذي أنجب الكثير من الأفذاذ على امتداد الوطن اليمني من أقصاه إلى أقصاه... و تعتبر هذه المسرحية العميقة في معناها أجمل ماقدم على الخشبة في بلادنا وحتى الآن حيث تفوق كل من فيها على نفسه وكان الإبداع هوكلمة السر و جواب كل الأسئلة التي خالجت نفس كل من شاهدها .انتقل أبو محمد رحمه الله إلى المدينة في بداية ريعان شبابه ملتحقا بإحدى المدارس العسكرية و سكن وعاش تالي السنين في مدينة البريقة بحيرة النوارس التي طالما تعلمت معنى الإبداع وبكافة معانيه وحلقت إلى الأعالي والأقاصي في رحلات كثيرة في نواحي الأرض و ظلت أمينة ووفية لتلك الأيام وعادت مرة أخرى إلى حيث تعلمت أصول الارتقاء بأجنحتها الضعيفة... و بمساعدة أخيه الفنان والمؤلف والمخرج المسرحي المتميز علي مسيبلي تجاوز الكثير من المتاعب والمصاعب و كان له سندا قويا في أوقات عصيبة في كل حين، تعلم منه وتأثر بشخصيته وكان له فضل كبير على تحديد هوية فنه التي وجهها إلى التمثيل وعشق المسرح ووضحت بصماته على أعماله التي قدمها طوال مشواره الفني العريق . التحق بشركة مصافي الزيت البريطانية في فترة الخمسينات وفيها تأثر بقيام وتأسيس الفرق المسرحية التي قدمت أعمالا جميلة كان له فيها نصيب وبدا حب التمثيل يستولي على إحساسه وكيانه وبذل الكثير من الجهد ليستطيع حجز موقع مهم في مقدمة الصفوف مع المبدعين في سماء الفن و المسرح وكان لفرقة الهيئة العربية للتمثيل وفرقة المصافي الكوميدية تأثير كبير على تاريخه الفني الطويل لما قدمه من أعمال فنية معها أدخلت البسمة إلى قلوب الكثير من المشاهدين بعد جهد مضنٍ ومعاناة متواصلة حفر ف لنفسه اسما بارزاً في الصخر و كان خوض ذلك عصيا على البعض والكثير من سلك واختار نفس الدرب و المنحى بكل مافيه من معاناة متواصلة وكانت عقبات الطريق وعثراته كثيرة ألا أنه بصبره وبروح الثقة التي امتلكها استطاع تجاوزها وواصل تقديم الإبداع بأجمل صورة والتحليق عاليا وبثقة متكاملة كانت حصيلة المشوار الصعب أوصلته إلى مراتب متقدمة نالت استحسان محبي هذا الفن الجميل. وكان للبث التلفزيوني في عدن في منتصف الستينات أثر كبير في تقديم الأعمال التلفزيونية التي ساهمت وبدرجة سريعة في انتشار هذا الفن الجميل ووفرت الكثير من الجهد وساعدت في تعريف المشاهدين بتلك الأعمال وأثارت الإعجاب في نفوسهم بدرجات متفاوتة وكان لنورسنا مع اخية وآخرين نصيب كبير منها وبها ومعهم بلغ مصافي النجوم التي دائما ماتكون بعيدة في كبد السماء سامية الارتفاع لايطالها كل من هب ودب وقريبة من الروح لجمال نورها الوضاء الذي ترسله مبددة عتمة الظلام التي غالباً ماتحتوينا.هاجر في نهاية الستينات إلى أميركا ودرس الإخراج التلفزيوني الذي ساعده كثيراً في تنمية قدراته الفنية وتطويعها لصالح الأعمال المتميزة التي قدمها مع فرق مسرحية مختلفة بعد عودته من بلاد العم سام.. كما ساهمت دراسته للتمثيل والإخراج المسرحي في منتصف السبعينات في ألمانيا في تمتين وتطوير وتنويع قدراته الفنية وكان لتعيينه قائدا لفرقة المسرح الوطني دور كبير في منتصف السبعينات في إنجاح وتقديم الكثير من الفعاليات الفنية المختلفة والناجحة معهم من مسرح وإذاعة وتلفزيون ومهرجانات فنية عديدة وبشهادة المختصين من المعنيين بالأمر وتميز بتقديم الأعمال الكوميدية والتراجيدية ممثلا ومخرجا و التي لازالت تعيش مع الكثير منا حتى الآن وكان له نصيباً وافر في المهرجانات الفنية والمشاركات الخارجية وأبدع في محطات كثيرة منها. وبعد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة استطاع كسب ثقة ناخبيه و الفوز بمقعد مدينته البريقة التي تبادلت معه الوفاء بالوفاء وقام بتمثيلها تحت قبة البرلمان اليمني للفترة (93-1997م) وقدم فيها كل ما استطاع عرفانا منه بالجميل للمدينة التي أحب دون كل المدن التي عاش فيها .توالت الأيام و تراكمت السنون على كاهله الضعيف و ذبل الجسد المنهك واحتلت الأمراض التي تعاقبت عليه كل أجزاءه وأقعدته طريحاً في فراشه إلى أن تولاه الرحمن إلى جواره في 25 يناير 2002م بعد مسيرة حافلة وأمجاد متوالية وتاريخ عريق في سماء الفن الجميل و الذي لامحالة ستتوارثه الأجيال الجديدة لتتعلم أن الفن رسالة في الحياة يجب إيصالها إلى أصحابها من الناس التي اختارت التطور والتقدم والرقي لأوطانها والنوارس هي ذلك الوصل وعماد تلك الرسالة التي لأجلها اهتمت ورعت الأمم المتحضرة حياة الكثير منها للوصول إلى ماهي فيه وهي تذكرة لمن فاته ذلك.. وطوال رحلتها الطويلة سطرت النوارس مواقف مشرفة وصفحات ناصعة من الوفاء لطابور طويل من الذين غادروا سربها إلى العالم الآخر بعد تحليق متواصل استحقت علية العلامة الكاملة ومازال ظل الوكيل قائد و ذكرى روحه السامية تحلق معها إلى خلف الشمس عند غروبها تنتظر فيه دوماً عودتها عند شروقها لتواصل معها رحلة الحب و الحنين إلى ذلك الزمن الجميل .حكاية الفنان الراحل الذي أمتعنا كل تلك السنين وصلت إلى نقطة اللاعودة حيث ترجل الفارس و بطل الحكاية إلتى سردناها ولعل سيرة حياته هذه قد تكون مفيدة وشعلة ضوء تهدي من يحتاج إليها في الطريق المظلم المليء بالعقبات المتوالية والكواسر والوحوش من البشر التي لا ترحم البسطاء و قليلي الحيلة ولا تعترف وللأسف إلا بالأقوياء..إلى روح الفنان الفقيد عبداللة مسيبلي والى أسرته الكريمة ومحبيه اهدي هذه الحكاية و أرسل تحايا النوارس التي احبته دون زيف لعله يخفف من وطأة الحزن ويوقظ ضمير من اختلفت معه في الرأي يوما ما لتتسامح القلوب التي وحدتها رسالة الفن والإبداع الذي لا توقف طريقه أي حدود و خاض رحلة شاقة مع سربه الذي أحب ومازالت ذكراه في قلب كل منهم رغم مرور كل تلك الأيام المضنية والسنين العجاف لكن رحلة النورس وصلت إلى مشارف النهاية وفيها أغمض عينيه إلى الأبد أما سربه الجميل فمازال يواصل التحليق ويبقي الذكرى ويمني النفس في يوم ما لعل يلتقيه .وفي الختام لم يبق إلا أن ندعو له بالرحمة والمغفرة ولأسرته الصبر والسلوان ..إنا لله وإنا إليه راجعون... وحتى حكاية أخرى نقدم البطاقة التعريفية والأعمال الفنية للفقيد الراحل والساكن في القلوب ماحيينا. [c1] البطاقة التعريفية [/c]- الاسم : عبدالله صالح مسيبلي - الميلاد : 1935م / عريب - مكيراس - ممثل ومخرج مسرحي وتلفزيوني- متقاعد في شركة مصافي عدن- عضو مجلس النواب (سابقاً) للفترة 1993 -1997 م- متزوج وله ثلاثة أبناء وبنتان- انتقل إلى رحمة الله في 25 يناير 2002م[c1]الأعمال الفنية[/c]شارك في تأسيس الهيئة العربية للتمثيل في نهاية الخمسينات.مثل في أول عمل مسرحي ( ست البيت) مع أول بث تلفزيوني عام 1964مفي الذكرى الأولى للاستقلال عام 1968م اخرج أول عمل مسرحي (شهيد الاستقلال). في عام 1973م مثل في مسرحية الأرض.اخرج العديد من الأعمال المسرحية مثل :عائلة في خطر/ فتاتنا اليوم / ابوالويل.أشرف على أول دورة في مجال المسرح (75 -1976م) التي أقامتها وزارة الثقافة.عام 1976م عين قائداً لفرقة المسرح الوطنيمثل في عدد من المسرحيات : ذي زرعتوه اصربو/ التركة الجزء الأول والثاني /الفردية القاتلة / القوي والأقوى / طرفوف / العاشق والسنبلة.شارك في مهرجان دمشق للمسرح العربي الاول عام 1979م بمسرحية: الفردية القاتلة / نحن والفاشية.شارك في مهرجان دمشق للمسرح العربي العاشر بمسرحية العاشق والسنبلة عام 1988م.له الكثير من الأعمال الإذاعية والتلفزيونية تأليفا وتمثيلاً وإخراجا منها (ثلاثية الأيام والسنين).- كرم من قبل الدولة ووزير ثقافتها السابق الرويشان مع كوكبة كبيرة من الرعيل الأول في المسرح بعد وفاته اعترافا منها ووفاء بما قدمه لوطنه.انتقل إلى رحمة الله في 25 يناير 2002م.