مدير عام صحة الأسرة لصحيفة 14اكتوبر :
لقاء/ زكي نعمان الذبحاني:وخيم، شديد الخطورة .. لا توقفه حدود ولا تصده حواجز بمعزلٍ عن التحصين..مرد على تكبيل ضحاياه ليصارعوا قيود الإعاقة الحركية والعجز!يذهب بنا هذا الوصف من الوهلة الأولى إلى مرضٍ يعد الأسوأ بين أمراض الطفولة التي تلتمس الوقاية منها عبر التحصين، كون ما يسببه من إعاقة تلازم المرء مدى الحياة.. علاوة على أنه يسبب الوفاة لبعض المصابين..هذا هو شلل الأطفال وهذه سماته البارزة التي تبعث على المخاوف، بما يؤكد أهمية المضي في حملات التحصين ضد هذا المرض حتى استئصاله نهائياً من العالم أجمع.أمام المعطيات وما استجد على الساحة محلياً وعالمياً لمواجهة داء شلل الأطفال والظروف والدواعي لتنفيذ جولة ثانية لحملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال في الفترة (9 - 11 يناير 2012م)، كانت لنا وقفة على التفاصيل والمجريات في اللقاء الذي جمعنا بالدكتور/ علي محمد جحـاف- مدير عام صحة الأسرة بوزارة الصحة العامة والسكان، فإلى ما ورد خلاله في السياق التالي: [c1]جاهزية كاملة[/c]* الاهتمام يبدو متزايداً بالتحصين ضد شلل الأطفال حول العالم وفي اليمن أيضاً.. ما مبرر هذا الاهتمام مع أن هناك أمراضا ليست بأقل خطورة من شلل الأطفال؟ -الأمراض المهددة للطفولة كثيرة، لذا استهدفت مجموعة منها بالتحصين، فكان لمساوئ مرض شلل الأطفال وتهديداته الخطيرة أن أدرج ضمن هذه الأمراض، وهو ما أعتبره أمراً موفقاً جاء عن استحقاق بسبب فداحة المرض وخطره على الأطفال، لما يسببه من حالات إعاقة وعجز تظل تلازم الطفل طوال حياته. وقد كان في العام 1988م الإجماع على التصدي لمرض شلل الأطفال الفيروسي سعياً لاستئصاله حول العالم وطي صفحات ماضٍ أليم كبل فيه المرض بالإعاقة الكثيرٍ من الأطفال، وظل يؤرق البشرية بتلك الصورة لأمدٍ طويل، بل وقضى في الحالات الوبائية والجائحات على البعض من المصابين، فصار في عداد الأمراض القاتلة.ومنذ ذلك التاريخ - أي منذ عام1988م - تبنت دول العالم القرار باستئصال شلل الأطفال، وذلك خلال اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية، حينها كان شلل الأطفال يستوطن(125) دولة، ومعه يشهد العالم كل عام نحو (350ألف) حالة إصابة بالشلل.وبعدها أثمرت جهود التحصين وحملاته وقاية ( 8 ملايين) إنسان من الإصابة بإعاقة مستديمة.[c1]استحقاق الخلو من المرض[/c]* ماذا عن اليمن وقد شهدت حملات تحصينٍ كثيرة ضد شلل الأطفال منذ نحو (15) عاماً؟ وما الداعي إلى استمرار حملات التحصين ضد داء الشلل مع أنها أعلنت قبل سنواتٍ خلوها من هذا المرض؟ - اليمن لم تكن - في الواقع- بعيدة عن المشهد، فقد نفذت فيها حملات تلو حملات منذ عام 1996م حتى أنها أوشكت على الخلو من فيروس شلل الأطفال، لولا أن استجدت في فترة لاحقة أوضاع جديدة للمرض لم تكن بالحسبان لدى وفود المرض من بلدان موبوءة في أفريقيا، انطلاقاً من نيجيرياً بأفريقيا التي يستوطنها وما جاورها من بلدان موبوءة ليمتد إلى السودان التي شهدت وبائية عالية للمرض خلال العام 2004م، ومنها تسلل إلى السعودية واليمن، فشهدت الأخيرة، أواخر العام 2004م وخلال العام 2005م ظهوراً وزيادةً في حالات الإصابة بشلل الأطفال حتى تعدت (450) حالة إصابة، ولم يكن فيروس الشلل من النوع المعهود، بل من النوع الأول الأشد ضراوة ووبائية والأكثر تسبباً في إحداث الإعاقة والوفاة، ما استدعى تنفيذ الحملات وتكثيفها خلال فترات متقاربة، حيث نفذت (11) حملة وطنية للتخلص منه، أثمرت انحسار الخطر وعدم ظهور حالات إصابة جديدة منذ فبراير 2006م. واستمرت اليمن خالية من المرض لتنال بذلك استحقاقاً من منظمة الصحة العالمية بخلوها من فيروس شلل الأطفال عام 2009م، بعد بحث وتمحيص وتحققٍ من لجنة الإشهاد وفقا لمعايير علمية محددة أهلتها- في نهاية المطاف- لنيل هذا الاعتراف.بينما لا تزال دول ترزح تحت وطأة المرض في أفريقيا، وأبرزها من الناحية الوبائية العالية (نيجيريا)، كذلك بلدان في آسيا مثل: (أفغانستان، الهند وباكستان).والحمد لله، لا تزال اليمن إلى الآن خالية من سريان فيروس شلل الأطفال البري، يؤكد ذلك برنامج الترصد الوبائي وقد ُطور كثيراً في اليمن، فهو يفي بالمعايير العالمية.فلا تقام في اليمن حملات وطنية للتحصين ضد هذا المرض إلا بصفة احترازية، منعاً لعودة المرض وانتشاره من جديد عبر تحسين الحالة المناعية للأطفال دون سن الخامسة. [c1]شلل الأطفال (البري)[/c]* ما الداعي لوصف فيروس شلل الأطفال (بالبري) ؟ وما الذي يميزه عن باقي الأمراض؟ - إن لفيروس شلل الأطفال قدرة عجيبة على الـتأقلم في مختلف الظروف متى وجد بيئة مناسبة لاحتضانه وبقائه.. تؤمن له الانتشار، كحال ضعف النظافة الشخصية والجماعية. فالقذارة والعبث بالقاذورات أو بقاياها.. تمكن المرض من الانتقال إلى أجساد الأطفال بسهولة عبر الفم، وذلك لأن البراز أو بقاياه الملوثة للأشياء- سواءً ظهرت بوضوح أو خفيت على الأعين- قد يقع شيء منها في الطعام الذي يتناوله الطفل أو في يده، وبهذه الكيفية أو من خلال وضع الطفل يده الملوثة في فمه - في ظروف وجود المرض- يسهل على الفيروس المسبب لشلل الأطفال الانتقال إلى الطفل، ومن ثم الدخول في معترك الإصابة والمعاناة، وهو ما يجب الحذر منه على الأطفال كي لا يقعوا في هذا المنزلق الخطير. فالنظافة خط دفاع مهم للوقاية من داء شلل الأطفال، لكنها لا تكفي وحدها لتقي الصغار تماماً من الإصابة، بل يجب -أيضاً- تحسن حالتهم الغذائية بمدهم بالأغذية الغنية بعناصرها الغذائية المفيدة للنمو السليم ولتحسين وزيادة مناعتهم الجسدية ضد الأمراض، ثم لا بد لهم من خطوات أخرى هي الأهم في أولويات ومعطيات الوقاية الكاملة ضد مرض شلل الأطفال ولا غنى عنها، آلا وهي حصولهم على جرعات متكررة من اللقاح المضاد للمرض من خلال التحصين الروتيني بالمرفق الصحي ضد أمراض الطفولة التسعة القاتلة والتي من بينها داء الشلل، والأطفال المستهدفون بهذا التطعيم الروتيني من هم دون العام والنصف من العمر. * لماذا جولة تحصين ثانية؟- في منتصف نوفمبر من العام المنصرم نفذت حملة وطنية للتحصين ضد شلل الأطفال تحت مسمى الجولة الأولى للحد من تسلل الفيروس المسبب للمرض من خلال موسم الحج عبر الحجاج القادمين من بلدان موبوءة بالمرض.. فما الداعي - إذن- لإقامة جولة ثانية للحملة؟لا أخفي عليك مدى أهمية تنفيذ الجولة الثانية للحملة الوطنية ضد شلل الأطفال في الفترة (9 - 11 يناير 2012م)، فهي رافد بناء يعزز مناعة الأطفال دون سن الخامسة وقد حصلوا على جرعة في الجولة السابقة قبل نحو شهر ونصف. ومن حصل على الكثير من الجرعات في حملات سابقة وخلال التحصين الروتيني الذي تقدمه المرافق الصحية للأطفال دون العام والنصف من العمر.. تزداد مناعته المكتسبة التي حصل عليها من جرعات التحصين ضد مرض شلل الأطفال، وبتحسن المناعة أكثر وأكثر يكون بمأمنٍ تام من الإصابة بالمرض.كما إن الجرعة التي سيتلقاها كل طفل دون سن الخامسة ضد هذا المرض في الجولة الثانية لحملة التحصين.. تعد بداية جيدة للمواليد الجدد الذين لم يحصلوا مسبقاً على أي جرعة ضد هذا المرض، وأؤكد هنا ضرورة التوجه بهم إلى المرافق الصحية من قبل الآباء والأمهات لتحصينهم ضد أمراض الطفولة التسعة القاتلة والتي من بينها مرض شلل الأطفال، وذلك ضمن مواعيد محددة تدون مع مسميات جرعات اللقاحات وتاريخ إعطائها في كرت خاص يمنح لكل طفل، ليضاف خط دفاعي داعم لمناعة أطفال اليمن - عموماً- فلا يجد فيروس المرض بيئة تحتضنه وملاذاً يؤويه ويقطع أمامه السبيل والمجال كي لا يظهر ولا ينتشر مجدداً في البلاد ويتلاشى تهديده لفلذات الأكباد، لاسيما أن تهديد ظهور وسريان فيروس شلل الأطفال قائماً وباقياً مادامت دول في إقليم شرق البحر المتوسط وخارجه ترزح تحت طائلة المعاناة منه.صحيح أن تلك البلدان بعيدة جغرافياً عن اليمن، تفصلنا عنها آلاف الكيلومترات وبلدانا كثيرة وبحاراً أو محيطات شاسعة (كأفغانستان، باكستان والهند) في آسيا، و(نيجيريا، تشاد، أنجولا، الكونجو..) بالقارة السمراء- مع العلم بأنه اقل انتشاراً في الدول الثلاث الأخيرة- غير أن حركة التنقلات والسفر بين البلدان كفيلة بتمكين المرض من الاقتراب ودخول البلد- لا قدر الله- أو حتى الوفود والدخول إلى البلدان المجاورة له، ومنها إلى اليمن، وبالتالي عودة تهديده لفلذات الأكباد مجدداً.[c1]جاهزية واستعداد كامل[/c]* كيف تبدو جاهزية وزارة الصحة وبرنامج التحصين الموسع لتنفيذ الجولة الثانية لحملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال ؟- الجاهزية كاملة للحملة من خلال جولة ثانية سارٍ تنفيذها في موعدها المحدد في الفترة (9 - 11 يناير2012م)، وهذه الجاهزية- بالطبع- على مختلف المستويات، مركزياً وفي المحافظات والمديريات.ولأنها حملة تحصين بلقاح شلل الأطفال الذي يعطى بالفم للأطفال دون سن الخامسة، فإن تنفيذها يتطلب عمل الفرق الصحية من منزلٍ إلى منزل، إلى جانب تخصيص فرق تحصين بالمواقع الثابتة في المرافق الصحية المقدمة لخدمة التطعيم، وأخرى تتخذ مواقع مستحدثة خلال الحملة كالمدارس والمرافق الأخرى المعروفة للناس سواءً كانت حكومية أو غير ذلك، أو حتى المساجد أو منازل المشايخ والعقال، من أجل تكاملية العمل والقيام بمهمة تحصين كافة المستهدفين من الأطفال دون سن الخامسة في جميع أنحاء الجمهورية. وللعلم هناك أكثر من (2,5مليون) منزل في عموم المحافظات ستزورها فرق التحصين المتجولة في الحملة خلال الفترة (9 - 11 يناير 2012م) من أجل تطعيم سائر المستهدفين من الأطفال في هذه الحملة البالغ عددهم إجمالاً (4,448,871) طفلاً وطفلة دون سن الخامسة.وعدد العاملين الصحيين في هذه الجولة ضمن فرق ثابتة في حدود (2,718) عاملاً ثابتاً، وهناك (37,314) عاملاً متنقلاً، حيث يصل إجمالي القوى العاملة فيها إلى (40,032) عاملاً من الكوادر الصحية والمتطوعين. كذلك يشارك للتوعية بالحملة في الميدان (333) منسقاً للتثقيف الصحي في عموم محافظات الجمهورية- أي مثقف صحي لكل مديرية على مستوى الجمهورية- و(22) مثقفاً صحياً مركزياً في كل محافظة، ويشرف على التحصين (4,820)مشرف فريق بمعدل مشرف لكل (4 - 5) فرق تحصين وتقلهم مع فرق التطعيم بجميع المديريات عموماً(5,135) سيارة مستأجرة.بينما عدد مشرفي المحافظات في هذه الجولة (88) مشرفاً، وعلى مستوى المديريات هناك (666) مشرفاً صحيا،ً و(666) مراقباً من المجالس المحلية بالمديريات، و(22) مراقباً من المجالس المحلية على مستوى المحافظات.[c1]طبيعة الدعم[/c]* ما أوجه الدعم الفني والمادي الذي حظيتم به في هذه الحملة من المنظمات والجهات الداعمة ؟-يقدم دعم لحملات شلل الأطفال من منظمة الصحة العالمية ويتألف من شقين: تقديم المشورة والإسناد لمرحلة التخطيط والإعداد للحملة.مشاركة فريق خبراء ومراقبين محايدين أثناء تنفيذ الحملة وبعدها لتقويم جودة الأداء والتغطية .أما عن الدعم المالي فإن تنفيذ الجولة الثانية الحالية لحملة التحصين الوطنية ضد شلل الأطفال على نفقة وزارة الصحة العامة والسكان ومنظمتي الصحة العالمية واليونيسيف.بينما الدعم لشراء اللقاحات للجولة الثانية من الحملة قُدم من منظمة اليونيسيف. وهناك إشراف ومتابعة من وزارة الصحة لكافة الإجراءات من البداية للقاحات القادمة من بلد التصنيع بمساندة منظمة اليونيسيف، حتى وصول اللقاحات إلى البلاد وتخزينها ضمن مخازن برنامج التحصين، مع الإشراف على طريقة حفظها بأمان في كافة المراحل لضمان استمرارية سلسلة التبريد الملائمة حفاظاً عليها من التلف، فلا تفقد فاعليتها وتصبح عديمة الفائدة مثل قطرات الماء. ويمكن معرفة تلف اللقاح من عدمه عبر النظر إلى مربع على عبوته يُعطي مؤشراً لهذا الأمر، فلو تغير لون المربع فصار داكنا بدلاً من بقائه فاتحاً، فإن هذا يدل على أن اللقاح لم يعد صالحاً للاستخدام. في الختام.. فإن فيروس شلل الأطفال كاسح عندما ينتشر، لا توقفه حدود، ولو بقي أطفال قلائل دون تحصين حول العالم فلا يُهون هذا من خطر المرض إلا إذا استؤصل تماماً من العالم.وللحفاظ على بقاء اليمن خالية من سريان الفيروس المسبب لشلل الأطفال، يجب رفع الحالة المناعية للأطفال دون سن الخامسة مهما تكررت وتعددت جرعات اللقاح التي تلقوها سابقاً، فالتحصين في الجولة الثانية من الحملة الوطنية ضروري لهم جميعاً، وفرق التطعيم ستزور منازل المواطنين خلالها في الفترة (9 - 11 يناير2012م) لتحصين الأطفال المستهدفين من منزلٍ إلى منزل.[c1]* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان[/c]