(الرياضي)بادئ ذي بدء، الإسلام يشكل نظاماً شاملاً بأجزائه المختلفة: الديني والاقتصادي والسياسي والخلقي وتنقسم الشريعة الإسلامية من حيث الأحكام إلى قسمين اثنين: الأول: يشمل العبادات ويحك م علاقة الفرد بالخالق عزوجل. الثاني : يشمل المعاملات، ويحكم علاقة الفرد بغيره من الأفراد وهذا القسم يتضمن مبادئ وقواعد عامة وشاملة في هذا الصدد تغطي كافة الحياة تقريباً غير أنه فيما يتعلق بالجانب السياسي فإن الإسلام لم يحدد نظام الحكم أو شكل الدولة، وإنما جاء بأسس عامة يمكن أن تشكل أرضية لنظام سياسي إسلامي فلا القرآن أشار إلى النظام السياسي الذي ينبغي على المسلمين اتباعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولا الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه حدد شكل الحكم بعد وفاته ولهذا السبب بدأ الخلاف بين المسلمين حول هذه المسألة في اليوم نفسه الذي توفي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل لقد أجل دفن جثمانه إلى حين حسم من يخلفه، ومن حينها حتى الآن انقسم المسلمون أقساماً وذهبوا مذاهب فيما يتعلق بنظام الحكم في الإسلام وكانت هذه المسألة أكثر أهمية وهي التي قسمت المسلمين شيعاً وأحزاباً وأشعلت صراعاً دامياً على السلطة طيلة عدة قرون. يقول الشهرستاني في كتابه الملل والنحل معلقاً على هذا: ( فأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان).وفي الحقبة الحديثة والمعاصرة مايزال هناك جدل حول علاقة الدين الإسلامي بالدولة، بمعنى هل الإسلام دين فقط أم دين ودولة، وهناك من أصحاب الرأي من فصل الدين عن الدولة والرسالة عن السياسة، بحيث لا يمثل الإسلام إلا ديناً فحسب - وعلى النقيض هناك من دمج دمجاً كاملاً بين الرسالة ( الدين ) والسياسة بحيث أصبحت السياسة وحياً أو بلاغاً من الله عز وجل بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة - إلى الناس وبالتالي فلا مدخل للأمة في السلطة. فأصحاب الرأي الأول يتجهون وجهة نظر العلمانيين بفصل الدين عن الدولة ومنهم الشيخ علي عبدالرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم ) والذي يقول فيه: (إن الخلافة ليست أصلاً من أصول الإسلام، وإن الإسلام دين لا حكم فيه وأن الزعامة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت مدنية - سياسية .. زعامة الحكومة والسلطان..) وأصحاب الرأي الثاني يتجهون إلى إقامة دولة دينية ثيوقراطية أقرب ما تكون إلى نظرية الحكم بالحق الإلهي كالخوارج قديماً القائلين بأن لا حكم إلا لله، والشيعة القائلين بأن الإمامة أصل من أصول الدين، وحديثاً أبو الأعلى المودودي والزنداني في بلادنا. وهناك رأي ثالث يجمع بين الدين والدولة دون أن تصل العلاقة بينهما إلى درجة الاندماج كما في الدولة الدينية الثيوقراطية ودون أن تتدنى هذه العلاقة إلى حد الانفصال كما هو في الحالة العلمانية. ويمكن إيضاح ما سبق بشيء من التفصيل على النحو الآتي : إذا كان الإسلام ديناً ودولة بمعنى قيام حكومة دينية ثيواقراطية لكان من الطبيعي والمنطقي أن يضع القرآن الكريم أسساً محكمة ومفصلة لنظام وشكل الدولة ولكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وضع لنا نظاماً محدداً للحكومة الإسلامية مع الإشارة إلى ضرورة الالتزام به وهذا لم يحدث كما سبقت الإشارة، غير أن هذا لا يعني مطلقاً فصل علاقة الإسلام بالدولة، فهناك علاقة ضمنية بينهما فالسلطة العامة - الدولة - إنما تنبثق حيث وأين يوجد نظام ملزم للعلاقات بين الأفراد في مجتمع يدين بدين الإسلام وهي تنشأ كضرورة اجتماعية لحفظ هذا النظام وإلزام الأفراد به وتنفيذه، والإسلام قد جاء بشرائع وقواعد وأصول للسلوك تنظم علاقات الأفراد المسلمين ( ثنائياً وجماعياً ) فيما بينهم البين، وتنظم كذلك علاقات المسلمين بغيرهم. أي أنه جاء بنظام اجتماعي عام ملزم للمسلمين. وهكذا فإنه إذا كان الإسلام يسود مجتمعاً ما بمعنى أن غالبية سكانه من المسلمين فإنه يستلزم بالتالي نشوء سلطة عامة لحفظ وحماية هذا النظام وتنفيذ شرائعه وقواعده. ذلك أنه من الصعوبة بمكان إن لم يكن من المستحيل - أن ينفذ المسلمون الكثير من فرائض الإسلام وواجباتهم الدينية ( مثل: جمع وإنفاق الزكاة، والقصاص، والزواج والطلاق والميراث، ورعاية المصالح الإسلامية وتنظيم فريضة الشورى، وتنفيذ المعاملات المالية والاقتصادية وطاعة أولي الأمر ..... الخ ) بدون وجود (ولاية) أو ( سلطة ) أو ( دولة )، صحيح أن الإسلام لم يفرض إقامة دولة إسلامية أو يحدد شكلها ونظامها، غير أن الدولة - كما سبقت الإشارة - ضرورة اجتماعية، وأنه بالتالي لابد أن يكون نظام دولة المسلمين في المجتمع الإسلامي ( حيث يشكل المسلمون الأغلبية ) “نظاماً إسلامياً” وعليه تصبح الدولة ( واجباً مدنياً اقتضاه ويقتضيه الواجب الديني الذي فرضه الله على المؤمنين بالإسلام ) ولكن مع ( انتفاء الكهانة والثيوقراطية عن طبيعة الدولة والسياسة في الإسلام ). أما عن كيفية قيام هذه السلطة العامة أي الدولة ( فيتوقف جوابه على ماهية كل مجتمع وظروف الناس فيه المختلفة مكاناً - المتطورة زماناً ) بمعنى أنه بالرغم من أن الإسلام لم يفرض الدولة أو يحدد شكلها ونظامها، إلا أنه جاء بأسس ومبادئ عامة تصلح أن تكون قواعد للنظام السياسي في الدولة الإسلامية يمكن تطبيقها في كل زمان ومكان بناء على ظروف المجتمع في مرحلة تاريخية معينة. بقي أن نشير إلى مبادئ الحكم في الإسلام المستخلصة أو المستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ومن ممارسات الخلفاء الراشدين نذكر منها: الحرية، العدل والمساواة، والشورى وقد أقام الخلفاء الراشدون دولة - لم تكن ملكية وراثية، ولا قبلية أو عشائرية ولم تكن حكومة يشكلها عسكريون - قامت على مبدأ الشورى وطريق البيعة وكان النظام آنذاك أشبه بنظام ( المدينة - الدولة ) الذي عرفته أثينا القديمة والذي كان يركز على تقاليد وتوازنات قبلية وعشائرية ثم حل الحكم الوراثي بعد حكم الخلافة الشوروية وهكذا تحولت الخلافة إلى ملك، والشورى إلى الفردية والاستبداد، وظهرت تبريرات فقهية تبرر ذلك في عهد الأمويين الذي ارتكز على العصبية القبلية العشائرية ومن حينها عادت الانقسامات القبلية لتؤثر كثيراً في الأوضاع السياسية للدولة الإسلامية غير المستقرة إلى يوم الناس هذا خاصة حين اجتمع في هذه الدولة العامل القبلي مع جماعة الجهاد الإسلامي (كإحدى المهام الدينية للدولة الإسلامية ) ليجعلا طابع هذه الدولة حربياً وليكون أساسها وهياكلها عسكريين..!!