المساجد العدنية.. عبق من العمارة اليمنية
كتب / فاطمة رشادعدن.. تلك المدينة التي لاتزال تحظى بالكثير من الاهتمام من قبل أبنائها فالتاريخ لاينساها أبداً لأنه كل يوم يجعلها محط إعجاب الآخرين بها وخاصة العمارة العدنية البسيطة، وهنا كان لابد لنا أن نرسم بعضاً من ملامح عن مساجد المدينة التي نالت شهرة بعض المناطق العدنية فنحن هنا لم نأت لكي نتحدث عن مساجد من فراغ بل لأن الموضوع ذات أهمية تاريخية وتراثية أدهشت الكثيرين حين يعلمون بأن كل مسجد في محافظة عدن له حكاية وتمهيدات لبنائه، فهناك أسماء لمساجد حفظناها عن ظهر قلب لأنها كانت هي السائدة وذات الأهمية في المحافظة. فالزائر لمحافظة عدن يردد على مسامعه أسماء مساجد شهيرة فمثلاً عند دخول الزائر منطقة الشيخ عثمان يستقبله صرح مسجد النور والهاشمي والرحمن والرضا وو... وليس ببعيد أن يأتي ذكر مسجد أبي ذر الغفاري وآل البيت في منطقة خورمكسر وكذلك منطقة كريتر فهناك مسجد العيدروس و ابان والعسقلاني. لهذا كان لابد أن نقدم للقارئ حصيلة بحث متواضعة عن هذه المساجد الإيمانية ذات الدلالة التاريخية والتي يذاع صيتها في محافظة عدن والتي سنعرض أهمها في عدن وكيف تم إنشاؤها.مسجد النور - الهاشميقبل أن يدخل الزائر إلى عدن هذه المحافظة الجذابة سيجد نفسه قريباً من مسجد النور في الشيخ عثمان.. وسيرى هذا المسجد الضخم في منطقة الشيخ عثمان بكل تفاصيلاته الجميلة مسجداً كبيراً مكوناً من طابقين ومحلات تحته، تم بناء هذا المسجد العريق في عام 1959م ،وهذا العام يكفي بأن يعرف الزائر ما مدى أهمية هذا المسجد خاصة حينما يعرف بأنه كان يضم معهداً علمياً وكان يدرس في هذا المعهد المواد العلمية كالقرآن والحديث والفقه والتفسيرات والآداب والتهذيب، ولقد تعاقب على ادارته الشيخ محمد عبدالرب جابر والشيخ علي عبدالقادر، وأما الآن فقد خصص هذا القسم فقط لتحفيظ القرآن. ولقد صمم هذا الجامع من قبل مهندسين يمنيين استطاعا أن يتركا بصماتهما عليه، ويعتبر جامع النور من أغنى الجوامع اليمنية لأن هنالك أوقافاً ضخمة أوقفت له منها ثلاثمائة دكان. ليس ببعيد عن جامع النور لنتجه نحو أهم مسجد وهو مسجد الهاشمي، وهو من أشهر المساجد في مدينة الشيخ عثمان، وقد سمي بهذا الاسم نسبة للسيد هاشم البحر والذي يقع ضريحه خارج المسجد، والجميع يعرف أنه كانت تقام زيارات له تأتي بعد العيد الأضحى، ولقد انتهت تلك المراسيم لأسباب عديدة. وهناك مساجد كثيرة في منطقة الشيخ عثمان ولكن تطل من بعيد منارة ضخمة لمسجد كبير وهو مسجد الرضا في منطقة المنصورة، ولقد تم انشاء هذا المسجد في عام 67م بعد الاستقلال الوطني ورحيل الاستعمار عن عدن، ويعتبر أول مسجد افتتح في تلك الفترة وقد خضع المسجد قبل سنوات لإعادة بنائه وتم افتتاحه مرة أخرى بمقاييس هندسية رفيعة ويحتوي على طابقين يشملان مصلى للنساء ومدرسة لتحفيظ القرآن. [c1]قصة بناء[/c]وعند الحديث عن قصص تلك المساجد العدنية فإننا سنجد البعض منها قصصاً إما ظريفة وأما بالغة الأهمية، وهذا هو الحاصل في قصة بناء مسجد الهتاري في منطقة التواهي، وقد كان يسمى هذا المسجد عند إنشائه نهاية القرن التاسع عشر للميلاد بمسجد المصوعي نسبة إلى الرجل الذي بناه، وأما عن قصة بنائه وهي أن ثلاثة من عمال أرصفة الفحم في نهاية القرن التاسع عشر توجهوا لصلاة الجمعة قاصدين مسجد كهبوب بعد ما اغتسلوا إلا أن إمام المسجد وبعض الأعيان ممن حضروا للصلاة منعوهم من الصلاة فيه بحجة أن ثيابهم ملطخة وغير نظيفة وهي أصلاً نتيجة عملهم في حمل الفحم، هذا الموقف الذي تسبب في مشادة كلامية بين الإمام ومن معه دفع أحد الأعيان من الذين وقفوا في صف العمال ويدعى المصوعي إلى جمع التبرعات لبناء المسجد ولا ننسى كذلك قصة مسجد كهبوب أيضاً والتي تتمثل في الخلاف الذي كان قائماً في الدور الأرضي، حيث كان به عدة عقارات لقهوجي مجوسي فأراد تكسير المسجد وبناءه في موقع آخر خارج موقعه فيما أراد الشيخ حمزة محمد وقد كان مسئولاً على المساجد وأعيد بناؤه في نفس الموقع في الطابق الثاني والثالث واستغل الطابق الأسفل في إنشاء دكاكين كأوقاف للمسجد.[c1] دلالات تاريخية[/c]الدلالات التاريخية توجد في معظم المساجد العدنية والتي يرجع بناء بعضها إلى القرون الماضية، ولكي لا نبتعد كثيراً فإن مسجد أبان في منطقة كريتر يعتبر من أقدم المساجد كما روت بعض المصادر التاريخية بأنه شيد في القرن الثاني، فالرواية تقول بأنه في عهد النبي «صلى الله عليه وسلم» وصل إلى اليمن معاذ بن جبل وأبوموسى الأشعري فكان نصيبه مدينة عدن وزبيد، فأسس مسجد أبان وقد أعيد ترميمه لعدة مرات وفي المرة الأخيرة تولت ترميمه أسرة هائل سعيد، حيث تم انزال فريق هندسي قام بإعادة بناء المسجد وبشكل هيكلي هو الأول من نوعه في اليمن فهو يتسع لثلاثة آلاف وخمسمائة مصلٍ، وقد أقيم للمسجد منارتان تفوقان الأربعين متراً، ويتميز المسجد بالأشكال الهندسية والآيات القرآنية المنحوتة على جميع جدرانه بأحدث طراز وأجمل عمارة وأصبح مسجداً فريداً ليس في عدن فقط بل في اليمن كلها. [c1]أبو قبة[/c]هذا هو اسم مسجد الشيخ أحمد كريم بخش والذي يعتبر من أقدم المساجد، حيث تم إنشاؤه في القرن التاسع عشر الميلادي، ولقد بنيت عليه قبة في عدن كبيرة فاشتهر باسم «أبو قبة» وكان يسميه البعض باسم «مسجد حياة خان» وقد بني هذا المسجد على طريقة التعمير الإسلامي المميز ومع بساطة مظهره فإنه كان نموذجاً رائعاً للفن المعماري الإسلامي. [c1]العيدروس وزيارته[/c]لا يخفى على زائر مدينة عدن واتجاهه إلى منطقة كريتر عدن أن يترامى إلى مسامعه مسجد العيدروس وزيارته، حيث لا يخفى على أحد أهمية هذا المسجد من خلال ما قدمه وذيع صيته من خلال زيارة العيدروس، حيث لاتزال تقام حتى اليوم ولكن في إطار ضيق وسبب هذه الزيارة السنوية التي يعارض إقامتها البعض.كما وردت في أحد الكتب أن الشيخ العيدروس غادر مسقط رأسه في تريم إلى مدن ساحل حضرموت للتدريس ومن ثم انتقل إلى مدينة زبيد وبيت الفقيه ومن ثم اتجه إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، وعندما بلغ الحوطة ـ لحج أرسل من يخبر علماء عدن بقدومه، وكان ذلك في 13ربيع الثاني عام 889هـ فدخل عدن في موكب مهيب، حيث خرج أهالي عدن وعلماؤها لاستقباله وخلّدت ذكرى دخوله عدن بإقامة الزيارة المشهورة في كل عام.[c1] سطور[/c]لم ننتهِ من الحديث عن المساجد العدنية ذات الدلالات التاريخية والتي لم نذكرها كلها، حيث إن هنالك أسماء مساجد كثيرة لها دلالات وأهمية في حياة العدنيين مثل مسجد الذهيبي والذي كان الهنود يشرفون عليه وعرف بمسجد الميمن فتركوه لليمنيين بعد ذلك، وهناك مسجد العسقلاني المشهور وأبي ذر الغفاري وكثير من الأسماء لمساجد معروفة في محافظة عدن من خلال قدمها وتاريخها العريق والذي لا أحد ينساها أبداً.