رمضان في اليمن طقوس غابت وأخرى تقاوم التغيير
رصد / محمد فؤادعلى الرغم من احتفاظ اليمنيين بالكثير من الطقوس والعادات المتوارثة في شهر رمضان إلا أن الكثير من كبار السن يؤكدون أن كثيراً من تلك التقاليد الجميلة غابت وأخرى تغيرت فيما ظلت الذاكرة الشعبية تحفظها من مفردات الزمن الجميل.ففي محافظة عدن يتذكر كبار السن تقاليد كانت تميز المدينة قديما وتلاشت مع مرور السنين لكنها بقيت محفورة في الذاكرة وهي تتحدث عن طقوس استقبال رمضان في الأحياء والأسواق والمساجد ولدى الأسر التي كانت غالبا ما تبدأ مع الأيام الأخيرة لشهر شعبان بالاستعدادات التي تطال المساكن والأسواق وحتى المساجد التي كان السكان يحرصون على طلائها وتزيينها بالفرش والإضاءة مع حلول رمضان من كل عام.من أكثر الطقوس التي كانت سائدة في مدينة عدن وفقا لرواية بعض كبار السن تلك المرتبطة بإعلان حلول أول أيام رمضان والتي كانت تبدأ بخروج القاضي أو المفتي بصحبة أربعة من القضاة لرصد هلال رمضان ويرافقهم في ذلك محتسب عدن وبعض أعيان المدينة ورجال الدين حيث يجتمع هؤلاء في جبل شمسان أو قلعة صيرة.وبمجرد تحقق رؤية الهلال يتحرك هؤلاء في موكب محفوف بالفوانيس القوية والمشاعل ويجوبون شوارع عدن الرئيسية معلنين حلول أول رمضان.[c1]رمضان في الزمن الجميل[/c]ويشترك السكان بالموكب وتضاء المحلات التجارية والأسواق وتعمر المساجد بالفرائض والنوافل وحلقات الدرس خصوصا مساجد أبان والعيدروس والعسقلاني، كما يبتهج الأطفال في مظاهر متعددة احتفالا بقدوم شهر رمضان فيما يتجه الميسورون والتجار إلى ذبح الذبائح وتوزيعها على الفقراء وسكان الأحياء كصدقات.ويستمر الحال طوال الشهر حتى الأيام الأخيرة حيث تنظم فعاليات كبيرة في المساجد احتفالا بختم القرآن الكريم والصحيحين وتوزع أموال الزكاة على الفقراء.من بين العادات الرمضانية التي عرفتها بعض المحافظات اليمنية المسحراتي الذي كان يجوب بعض الأحياء لإيقاظ الناس للسحور أو لأداء الصلاة مرددا “يا نائم وحد الدائم.. أصحى يا صائم.. اذكر الحي الدائم”.يقول الحاج صالح حسين نعمان (80 عاما ) وهو من سكان محافظة الحديدة إن المسحراتي كان عادة يجوب الأحياء ليلا ويحصل من الناس على الصدقات والزكاة وكان الكثير من الناس يعتمدون عليه خصوصا في الفترات التي غاب فيها المدفع ولم يكن هناك منبهات ولا كهرباء.ويضيف “بعد غياب المسحراتي تولت الجوامع هذا الدور وهي لا تزال تقوم بذلك حتى الآن فهناك في الفجر الأذان الأول والتسابيح التي تتولى مهمة إيقاظ الناس للسحور أو لأداء الصلاة والتهجد وقراءة القرآن قبل الفجر”.[c1]أهازيج الترحيب[/c]وفي محافظة تعز ألف الناس قديما القيام بعادات استقبال خاصة لشهر رمضان لكنها بحسب عبدالكريم الودي تلاشت ولم يعد يتحمس لها الناس كثيرا في السنوات الأخيرة.يقول الودي “تقاليد استقبال شهر رمضان والترحيب به كانت تطغى على المدينة القديمة حيث توارث الناس طقوسا متنوعة في استقبال شهر رمضان بدوي المدفع الذي يهز المدينة ليلا معلنا حلول أول أيام الشهر الكريم وفي هذه الأثناء يتجه الناس إلى المساجد لأداء صلاة التراويح ثم يشكلون جماعات يقودها فقهاء الموالد تجوب الشوارع مرددة قصائد وأهازيج تودع شعبان وترحب بقدوم شهر رمضان وتتحدث عن فضائله.ويقول ناجي ناصر (70 عاما) في محافظة تعز إن السكان حتى وقت قريب كانوا يحرصون على أن يكون أحد الفقهاء حاضرا معهم في صلاة العشاء حتى يتمكنوا من أداء طقوس الترحيب بشهر رمضان وبعد صلاة التراويح في أول ليلة من ليالي الشهر يتجمع الناس في جامع المظفر ويجوبون شوارع المدينة القديمة وينضم إليهم الناس مرددين أهازيج الترحيب برمضان:مودع مودع يا شعبان يا مرحبا بك يا رمضان أهلا وسهلا يا رمضان يا مرحبا بك يا رمضان أهلا وسهلا بشهر الصيام شهر المحبة والغفران شهر التوبة والغفران شهر الرحمة والإحسان أهلا وسهلا يا رمضان يا مرحبا بك يا رمضان كل المساجد قد فتحت بهجة قدومك يا رمضان نصلي التراويح في رمضان يا مرحبا بك يا رمضانأهلا بك شهر القرآن يا مرحبا بك يا رمضان.ويؤكد ناجي أن هذه الأهازيج تتردد في شوارع المدينة القديمة وفي أثناء ذلك يتبادل الناس التهاني والدعاء فيما يبقى الأطفال يرددونها حتى ساعات الفجر في الحارات.وهذه المظاهر كانت عادة تنتهي بالتنصير على أسطح المنازل (إشعال النار ) باستخدام الرماد والزيت على شكل كرات تنثر على حواف المنازل وواجهاتها مشتعلة إعلانا بقدوم شهر رمضان.[c1]عادات باقية[/c]قياسا بالعادات التي تلاشت في بعض المحافظات اليمنية ثمة طقوس وعادات ظلت حاضرة تقاوم التغيير وظل الناس يحافظون على أدائها في شهر رمضان من كل عام كأهم ما يميز مناطقهم. من ذلك المظاهر الاحتفالية الدينية التي تشهدها مساجد مديرية المكلا بمحافظة حضرموت في إحياء ليالي رمضان فيما يعرف باسم «الختايم» وهي عادات متوارثة يعتقد أنها تعود إلى عهد الدولة الكسادية التي حكمت المكلا بقيادة الحاكم النقيب صالح بن محمد الكسادي في بداية القرن الثاني عشر للهجرة.وتقام الفعالية عادة في عموم مساجد المدينة بحيث تقام كل يوم في مسجد إذ يتجمع الناس بعد صلاة التراويح في المسجد الذي يجري فيه احتشاد الناس لأداء الصلوات المكتوبات والنوافل وتقديم المواعظ والتلاوة حتى حين ختم القرآن الكريم.وتتم عادة التهيئة لهذه الفعالية من بعد صلاة العصر حيث يتجمع الباعة في محيط المسجد لبيع بضائعهم التي يصنع معظمها خصيصا لهذه المناسبة كما يتم نصب اراجيح الأطفال وغير ذلك من المباهج التي تفيض على أجواء المكان بخصوصية المناسبة التي يبتهج بها سكان هذه المدينة حيث يصطحب الآباء والأجداد أبناءهم وأحفادهم إلى تلك الساحات وهم يرتدون جديد الملابس الخاصة بهذه المناسبة وهناك يلعبون ويشترون الحلوى فتعلو البهجة وجوه الصغار والكبار.ويستمر إحياء المناسبة حتى الإفطار وموعد العشاء الذي يدعى إليه الضيوف حتى لاتجد بيتا في الحي المحتفى فيه دون ضيوف من أبناء الحي أو الأحياء من القرى المجاورة لمدينة المكلا.وبعد أداء صلاة التراويح التي يحتشد فيها كل أبناء المنطقة يردد الناس ابتهالات وأدعية واستغفاراً وأذكاراً بعد أداء الصلاة ثم الصلوات على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتختتم بالمواعظ وبتلاوة القرآن الكريم ويستمر الحال كذلك حتى يتم ختم المصحف.وتتيح هذه الفعاليات للناس تقديم المساعدات للفقراء تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي وتوزيع الزكاة للمستحقين والتطوع لأعمال البر والإحسان.ويختتم البعض هذه المباهج بمسيرة إنشادية من المساجد تجوب الأسواق مرددة ابتهالات وأدعية دينية.