يقال إنك إذا ما أردت أن تعرف معدن الرجل أكان سيئاً أو حسناً، فما عليك إلا أن تنظر إلى مقدار حنينه لوطنه، فإذا وجدت لديه ذلك الشعور بالحنين إلى الوطن، فإن الرجل حتماً طيب المعشر حسن السيرة والسلوك، فالحنين إلى الوطن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية الإنسان، كما أن حب الوطن واجب ديني، بل إنه جزء لا يتجزأ من الإيمان، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) برغم طيب الإقامة في يثرب وحبه لها، إلا إنه ظل يحن إلى مكة حنين المفارق المشتاق إلى مسقط رأسه، ولولا أنه (صلى الله عليه وسلم) أراد أن يكرم الأنصار بمواراة جثمانه الشريف في يثرب نظير مناصرتهم وحبهم له، فإنه لم يكن ليختار أن يدفن إلا في مكة.وقد تكون المقدمة مملة إذا لم يعطرها ذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكنني هنا أستغرب من بعض الأحزاب وخصوصاً الأحزاب التي تدعي احتكارها للإسلام كحزب الإصلاح مثلاً. هذا الحزب الذي ما إن تأسس في عام 90م حتى ظل يعمل ليلاً ونهاراً على تدمير الروح الوطنية لدى الشعب اليمني، وكأن حب الوطن يتنافى مع الدين، فالحب في نظرهم هو للدين فقط لكن الدين الذي يقصدونه هو الإسلام المسيس الذي لا يأخذون منه إلا ما يناسب مزاجهم السياسي، فالحب في نظرهم يجب أن يكون لحزبهم، أما أن تحب الوطن فإنك بلا شك لا تحب إلا صنماً أو وثناً وفي هذه الحالة أنت كافر.نعم إنني أقول هذا الكلام الذي يبدو شديد القساوة تجاه الإصلاح لأنني عاصرت ما قبل وبعد تأسيس هذا الحزب، ولذلك فإن لي الحق بأن أتحدث عن فترة ما قبل وما بعد تأسيسه، وكيف كانت الروح الوطنية قبل وجود هذا الحزب وكيف أصبحت، فقد عمل هذا الحزب على خلق الإحساس عند الإنسان اليمني بأن حب الوطن مجرد خرافة، وأن كل ما في الأمر هو أن تستفيد من الوطن عن طريق النهب أو السلب، أو التدمير إن لم تستطع أن تنهب.ولكي أقوي حجتي على ما أقول وحتى لا يكون حديثي مجرد فذلكة لا معنى لها أو هجوماً على الإصلاح ومدحاً للنظام فسأسرد هنا بعض الأدلة من خلال حديثي حول فترة ما قبل الإصلاح وما بعد وجوده، وأيضاً انكماش الروح الوطنية التي كانت لدى اليمنيين في تلك الفترة وانحسارها لمصلحة الولاءات الحزبية بعد تأسيس هذا الحزب الذي أعتبره السبب في ذلك.وسأحصر حديثي هنا في الرموز الوطنية إبتداءً بالعلم والنشيد الوطني مروراً بالأغاني الوطنية، وكيف عمل الإصلاح على تدمير هذا كله حتى أصبح العلم الوطني مجرد قطعة قماش لا تستحق في نظر أساتذة المعاهد العلمية الإصلاحية أن ترفع على سارية المدرسة، أما النشيد الوطني الذي يحتوي في طياته على أجمل العبارات التي تعلن الوفاء للشهداء والعلم الوطني والتمسك بالوحدة اليمنية والتغني بكل فخر بالتراب اليمني، فإنه لم يتوافق وهوى الإصلاح، ولذلك استبدل به خريجو معاهدهم شعارات دينية لا تمت للدين بصلة، وإنما تخدم هذا الحزب، وبذلك الفعل الإجرامي والشنيع تم تدمير جيل بأكمله، جيل لا يعي معنى أن تحب وطنك، كيف لا وقد دمروا رموز هذا الحب علماً ونشيداً، أما الأغاني الوطنية التي كانت تهز المشاعر الوطنية لدينا وتطرب قلوبنا ومسامعنا فقد عملوا وبكل خساسة على تغيير طعمها ونغماتها في مسامعنا من خلال سرقة ألحانها لصالح كلمات هابطة يرددها الأضرعي والقرني ومن على شاكلتهما.إن هذه الرموز الوطنية التي سالت دماء الشهداء من أجل إعلائها خفاقة بين الأمم لم نعد نراها كما كنا نراها في الفترة التي ما قبل الإصلاح، ففي تلك الفترة كنت جندياً في صفوف الأمن المركزي وكان لتلك الرموز معان وأحاسيس ومشاعر عظيمة لم نعد نراها في الجيل الذي تربى على أيدي أساتذة الإصلاحيين، فلقد كانت تنهمر الدموع لترسم أجمل تعابير الحب عندما ننزل العلم من على السارية وقت المغرب، وتذرف الدموع أيضاً عند رفعه في الصباح الباكر، ونفس هذا الشعور كان يتملكنا عندما كنا نستمع إلى النشيد الوطني الذي كان الفنان أيوب طارش يغنيه بصوته الشجي الذي يفجر فينا الشعور والانتشاء بالوطنية، ناهيك عن الأغاني الوطنية التي كانت تولد لدينا شعوراً بأننا نعيش على ثرى أغلى وأطيب أرض وصفها الله في كتابه بأنها جنة.. نعم فلم نكن نرى إلا أننا نعيش في أغلى الجنان وهي اليمن.هذا الشعور لم نعد نستشعره في الجيل الحالي المتربي على الأيادي الإصلاحية وأنا هنا لا ألقي اللوم على شباب اليوم، بل إن الدولة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن تدمير الروح الوطنية لديهم، عندما تركت القطاع التربوي بأيدي أناس يغلبون الانتماء للإصلاح على الانتماء الوطني، فالكثير والكثير من أبناء الجيل الحالي يا سادة مفرغون من الشعور بالحب لهذا الوطن، ولهذا تراهم ينجرفون خلف شعارات حزبية إصلاحية لا تمت للوطنية ولا لليمن بصلة، فالسير خلف خطى حزب الإصلاح في نظرهم هو الواجب حتى لو صاحب ذلك تدمير الوطن بأكمله، كيف لا وهم لم يستقوا من المدارس القدرة على التفريق بين حب الوطن والانتماء الحزبي، وأنا هنا لا أعني كل شباب الجيل الحالي لكنني أعني الكثير من الشباب الذين شبوا على أياد إصلاحية، فالبعض من هؤلاء الشباب يشعروننا بالندم والتحسر عليهم، خصوصاً وأنهم في النهاية منا وفينا، لكن أريد أن أقول أن على الدولة أن تلتفت لهذا الجانب المهم وأن تسخر كل الإمكانيات لإصلاح ما أفسده الإصلاحيون في نفوس الشباب المتربي على أيديهم وأن تعمل على بث الروح الوطنية فيهم من جديد، وذلك من خلال إيجاد نظام تربوي وطني صارم يخرج منه جيل متشبع بالوطنية عكس الجيل الذي أخرجه أساتذة الإصلاح، وعلى الدولة أيضاً إنشاء برنامج وطني لعل وعسى أن يصلح ما أفسده الإصلاحيون في نفوس بعض الشباب، كما أن على الشباب أن يعوا أن الدفاع والذود عن العلم الوطني ليس بدعة أو خرافة، بل أنه حتى الرسول (صلى الله عليه وسلم) كانت له راية تسمى العقاب ويذود عنها الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى الشباب أيضاً أن يسألوا الإصلاح لماذا أصبح اليوم رفع العلم الوطني في الساحات واجباً والغناء بأيوب وغيره من الفنانين مباحاً بعد أن كان ذلك محرماً؟ حينها سيكتشف الشباب أن الوطن والدين أيضاً ثانويان إذا اقتضت مصلحتهم ذلك.
|
تقارير
أنتم أيها (الإصلاحيون) من قتل الوطنية فينا
أخبار متعلقة