فقر المرأة وحساسيتها للتغيرات الاقتصادية
لا شك في أن المرأة العربية تسير اليوم إلى الأمام خاصة بعد أن تحقق لها المزيد من الحقوق والمساواة لكن ذلك لا يعني أن المرأة في كل الدول العربية قد قطعت الشوط نفسه في سبيل تحقيق أهدافها فهناك اختلاف في المكتسبات حسب طبيعة بيئتها ومجتمعها إلا أن الأكيد أن صوت المرأة العربية بات أكثر امتداداً وقوة عما كان عليه في الماضي كما أصبحت اليوم أكثر علماً وانخراطاً في الإنتاجية وفي الشأن العام وفي تقرير مصيرها ولكن الطريق أمامها لا يزال طويلاً وهناك العديد من التحديات التي لا تزال تواجهها والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بحالة الفقر بمعناه الواسع.ويعد مفهوم تأنيث الفقر مفهوماً في الأدبيات وخاصة في الدول العربية فهو يدل على مدى حساسية المرأة للتغيرات الاقتصادية. وفي هذا الصدد أثبتت تجارب العديد من الدول أن مكافحة فقر المرأة يؤدي إلى رفاه المجتمع ككل ليس لان المرأة تشكل نصف المجتمع ولكن لأنه قد ثبت أن الزيادة في دخل المرأة تؤدي إلى زيادة إنفاق الأسرة على التعليم والصحة والتغذية أكثر مما تؤدي إليه الزيادة في دخل الرجل ، وبالتالي زيادة رأس المال البشري للمجتمع كله ناهيك عن مردود التعليم على معدل الخصوبة وتغذية وصحة الأطفال. ومن هذا المنطلق أصدرت العديد من المؤتمرات العالمية مجموعة من الأهداف والسياسات والآليات للعمل على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية على الحد من الفقر بين النساء بهدف القضاء على الفقر والعمل على إزالة أسبابه وتخفيف آثاره على المرأة في إطار التنمية الشاملة والقائمة على مبادئ منها الاعتماد على الذات وخاصة النساء المعيلات للأسر. ومن أهم المؤتمرات التي تبنت تلك الأهداف والسياسات المتعلقة بالمرأة نذكر على سبيل المثال لا الحصر المؤتمر الدولي للبيئة والتنمية المنعقد عام 1992م والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة عام 1994م وقمة التنمية الاجتماعية بكوبنهاجن والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد في بكين عام 1995م وقد كان المؤتمر الدولي للبيئة والتنمية 1992م هو أول من نادى بضرورة الاهتمام بالبعد النوعي الاجتماعي في حين تقدم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان خطوة في الطريق الصحيح عندما أوضح أن حقوق المرأة كحقوق الإنسان وان حقوق الإنسان يجب أن تكون شاملة ومستقلة وغير مرتبطة بنوع الجنس أما مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية فقد أكد أهمية تمكين المرأة لإنجاح أي سياسات إنمائية وان احد أهداف المؤتمر تحسين نوعية الحياة للمجتمع ككل عن طريق وسياسات وبرامج إنمائية وسكانية تهدف إلى الحد من الفقر فيما أكد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة أهمية مكافحة الفقر وإدراك أن الفقر ظاهرة متعددة الأبعاد ذات جذور محلية ودولية وان تحليل الظاهرة لا يجب أن يأخذ في الاعتبار المتغيرات الاقتصادية فقط ولكن المتغيرات الاجتماعية أيضا وخاصة الأدوار الاجتماعية حسب النوع ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية ونظم المساعدات الاجتماعية وان احد أسباب فقر المرأة ونتيجته هو غياب المرأة عن عملية صنع القرار. [c1]المرأة العربية واتجاهات تمكينها اقتصادياً واجتماعياً [/c]بات من الواضح اليوم وخاصة لدى المهتمين والمتابعين لشؤون وقضايا المرأة العربية أن معظم التشريعات ( إن لم يكن جميعها) أصبحت تؤكد أهمية دعم وتعزيز قاعدة المساواة بين الجنسين وخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي ومثيلاتها من القرن الحالي الذي نعيش أحداثه وتفاصيله الآن ومستقبلاً حيث يجري العمل بجد لتدعيم تمتع المرأة بكافة حقوقها كما أن هناك تناهياً واضحاً لعدد الدول العربية المنضمة إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة حيث وصل عدد الدول التي صادقت عليها إلى (11) دولة عربية. وقد اتخذت تلك الدول وغيرها خطوات ايجابية باتجاه تمكين المرأة ودعم مكانتها إذ بادرت غالبية الدول إلى استحداث آليات وطنية للمتابعة تكفل استيعاب المنظورات المتعلقة بتحقيق العدالة بين الجنسين في شتى القطاعات وتميزت هذه الارتباطات بالسلطة التنفيذية مثل وزارات المرأة والمجالس العليا والاتحادات المتخصصة كما أنشأت معظم الدول لجاناً وطنية لمتابعة التنفيذ لمقررات بكين ( مقررات المؤتمر العالمي الرابع للمرأة) وخطة العمل العربية (2005م) كما قامت بصياغة الاستراتيجيات والخطط والبرامج الوطنية التي تعتمد على فلسفة التمكين لضمان وصول المرأة إلى العناصر الأساسية للتنمية وضمان الحقوق المتساوية. وقد تم إنشاء منظمة المرأة العربية التي تهدف إلى الإسهام في تعزيز التعاون والتنسيق العربي المشترك في مجال تطوير وضع المرأة وتدعيم دورها في المجتمع وتعتبر منظمة المرأة العربية من أهم نتائج القمة العربية حيث أنها أول كيان رسمي يعمل على تحقيق تضامن المرأة العربية وينسق مواقفها في القضايا العربية والدولية كما تعمل المنظمة على تنمية الوعي بقضايا المرأة في المجال العربي والعالمي. أن في ذلك ما يشير بجلاء إلى وجود العديد من النجاحات والانجازات التي تحققت في مجال تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً ، ويمكننا هنا تلخيص أهم وابرز الانجازات التي تم تحقيقها في الدول العربية ومنها بلادنا استجابة لمقررات المؤتمر العالمي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة عام 1994م والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد في بكين عام 1995م في الآتي:-أصبح هناك اعتراف رسمي وحكومي واضح بأهمية دور المرأة وتعزيز مكانتها في كافة المجالات وذلك في معظم الدول العربية. - تبلورت الإرادة السياسية في وضع المرأة على أجندة العمل السياسي وفي القرارات التي اتخذت لتمكين المرأة في مواقع اتخاذ القرار ثم العمل على تنفيذ استراتيجيات وطنية والتوجه نحو تعيين النساء في مواقع اتخاذ القرار.- إدخال منظور النوع الاجتماعي في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعدد من الدول العربية وإدماج قضايا المرأة ضمن قطاعات الخطة فأول مرة يكون من الأهداف العامة للخطط التنموية الخمسية القضاء على الفجوة النوعية وخاصة في الأردن ومصر وتونس وفلسطين. - اتخذت خطوات باتجاه دعم وتعزيز مكانة المرأة والقضاء على الممارسات التميزية ضدها عن طريق سن التشريعات ومراجعة القائم منها.- ومن ضمن تلك الانجازات ايضاً قيام جميع البلدان العربية ببذل جهود كبيرة نحو تطوير التعليم بشكل عام وتعليم المرأة بشكل خاص، حيث خصصت لذلك موارد مالية عالية نسبياً تجاوزت احياناً 5 % من ناتجها المحلي ونتيجة لذلك أخذت الفجوة تضيق بين الجنسين في مراحل التعليم الثلاث وخصوصاً في بلدان مجلس التعاون الخليجي التي أنفقت اموالاً طائلة على تحديث التعليم.