في تقرير للبنك الدولي عن التنمية في العالم 2011م
صنعاء / بشير ...:أعلن البنك الدولي مؤخراً أن هناك نحو 1.5 مليار شخص يعيشون في مناطق تعاني دوامات متكررة من العنف السياسي والإجرامي، ولم يفلح حتى الآن أي من البلدان منخفضة الدخل الهشة أو المتأثرة بالصراعات في تحقيق أي من الأهداف الإنمائية للألفية.ووفقاً لهذا التقرير، فإن حل المشكلات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعوق التنمية وتدخل الدول الهشة في دوامات لا تنتهي من العنف يتطلب تدعيم المؤسسات الوطنية وتحسين سبل الحكم الرشيد بوسائل تعطي الأولوية لتوفير أمن المواطن والعدالة وفرص العمل.وفي معرض حديثه عن صدور التقرير وفق بلاغ صحفي صادر عن البنك الدولي، قال رئيس البنك الدولي روبرت ب زوليك : “لو أردنا كسر دوامات العنف المفرغة وتقليل الضغوط التي تحركها، فلابد للبلدان أن تنشئ مؤسسات وطنية تتمتع بالمزيد من الشرعية والخضوع للمساءلة، وتكون قادرة على أن توفر أمن المواطن والعدالة وفرص العمل”، مضيفاً أن “احتمالات إصابة الأطفال الذين يعيشون في دول هشة بسوء التغذية تزيد إلى الضعف، كما تصل احتمالات تسربهم من المدارس إلى ثلاثة أضعافها. ويمكن أن تمتد آثار العنف في منطقة ما إلى الدول المجاورة وإلى غيرها من أنحاء العالم، ما يضر بآفاق التنمية لدى الآخرين ويلبد الآفاق الاقتصادية لمناطق بأكملها”.ويأتي تناول تقرير عن التنمية في العالم هذا العام لقضايا الصراع والأمن والتنمية استجابة لخطاب كان رئيس البنك الدولي قد ألقاه في عام 2008م أمام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بعنوان “الدول الهشة : كفالة تحقيق التنمية”، دعا فيه إلى الجمع بين الأمن والتنمية معاً لضمان كسر دوامات حالة الهشاشة والعنف التي تؤثر في أكثر من مليار شخص، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن العمل العسكري والإنمائي غالباً ما يسيران على مسارين منفصلين.ويشير التقرير إلى أن ما لا يقل عن 1.5 مليار شخص لا يزالون متأثرين إما بأحداث عنف جارية أو بما خلفته من آثار. ويظهر التقرير كذلك كيف تفاقم ما يتسم به القرن الحادي والعشرون من عنف منظم، فيما يبدو، بفعل طائفة من الضغوط المحلية والدولية، كالبطالة بين الشباب، وصدمات الدخل، والتوترات فيما بين المجموعات العرقية أو الدينية، أو الاجتماعية المختلفة، وشبكات الاتجار غير المشروع.وتظهر الدراسات الاستقصائية لآراء المواطنين التي أجراها فريق إعداد التقرير أن البطالة كانت أهم العوامل على الإطلاق التي ذكرت بوصفها سبباً للانضمام إلى العصابات وحركات التمرد. وتزداد مخاطر العنف عندما يصاحب شدة الضغوط ضعف القدرات أو الافتقار إلى الشرعية لدى المؤسسات الوطنية الأساسية، كما يتبين مما تشهده منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من اضطرابات في الوقت الراهن.ويبين التقرير أن وجود مؤسسات شرعية قادرة أمر بالغ الأهمية لأنها هي التي تستطيع التوسط في تخفيف الضغوط ولولاها لأدت إلى موجات متكررة من العنف وعدم الاستقرار : فأكثر من 90 في المائة مما شهده العقد الأول من القرن الجديد من حروب أهلية وقع في بلدان سبق لها أن شهدت حرباً أهلية خلال الأعوام الثلاثين السابقة. وفي أماكن أخرى، كثيراً ما ينقوض ما حققته عمليات السلام من مكاسب بفعل ارتفاع مستويات الجريمة المنظمة. وتتخلف البلدان التي تضرب بها جذور العنف كثيراً عن الركب، وتواجه حالة من الركود، سواء فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي أو بمؤشرات التنمية البشرية المخيبة للآمال”.ويرى التقرير أن إيقاف دوامات العنف المتكررة يتطلب تعزيز المؤسسات الشرعية القادرة وتحقيق الحكم الرشيد. ولابد، في أوضاع العنف والهشاشة، من بذل جهود مدروسة لبناء ائتلافات سياسية “تشمل نطاقاً أوسع من فئات المجتمع” من أجل حشد تأييد وطني أوسع للتغيير.ويعد بناء الثقة أمراً جوهرياً لتقليل مخاطر الصراع، ويشتمل على إرسال إشارات تنم عن حسن النوايا من خلال تحقيق نتائج مبكرة توحي بالمصداقية، واتخاذ إجراءات تقنع الناس بالالتزام بالتغيير. ومن أهم الدروس المستفادة من تجارب البلدان المختلفة أن التبكير بتحقيق نتيجتين أو ثلاث نتائج ملموسة عادة ما يكفي للبدء في استعادة الثقة.ويتطلب إحداث تحولات مؤسسية حقيقية وقتاً طويلاً؛ فعادة ما يستغرق الأمر من 15 إلى 30 عاماً لكي تصبح المؤسسات الوطنية الضعيفة أو غير الشرعية قادرة على الصمود في وجه العنف وعدم الاستقرار، وذلك حسبما يفيد بحث جديد تم إجراؤه خصيصاً من أجل التقرير. كما أن المجتمعات التي نجحت في الخروج من دوامة العنف مرت كلها بسلسلة من المراحل الانتقالية لإحداث التحول في مؤسساتها السياسية والأمنية والاقتصادية. ونجاح جهود الإصلاح المبكرة يتركز بشكل عام حول تحسين أمن المواطن والعدالة وفرص العمل، وفهم العلاقات المتبادلة الإيجابية والسلبية بينهما. ومتى غاب أحد هذه العناصر، يكون التعثر هو مصير عملية التحول.[c1]أفكار مفيدة من التجارب الوطنية[/c]ويطرح التقرير مجموعة من الأدوات التي ثبتت فعاليتها في بلدان قامت بعمليات تحول ناجحة لبناء الثقة بين المواطنين والدولة. وتشمل هذه الأدوات : وضع تدابير لتعزيز الشفافية، وإقرار اعتمادات خاصة بالموازنة من أجل الفئات المحرومة، والقيام بتعيينات جديدة تحظى بالمصداقية في المناصب المهمة، وإزالة القوانين التمييزية، بالإضافة إلى تقديم التزامات ذات مصداقية بأطر زمنية واقعية من أجل الإصلاح في الأمد الطويل.ويحدد التقرير أيضاً خمسة برامج عملية على المستوى الوطني للربط بين الإسراع ببناء الثقة وبين التحول المؤسسي الأطول أمداً وهي :- مساندة البرامج المدفوعة باعتبارات المجتمعات المحلية التي تستهدف منع العنف، وخلق فرص العمل، وتقديم الخدمات، وإتاحة القدرة على تحقيق العدالة المحلية وتسوية المنازعات بالمناطق غير الآمنة.- برامج لإحداث تحول في مؤسسات الأمن والعدالة بطرق تركز على الوظائف الأساسية وتدرك الروابط القائمة فيما بين عمل الشرطة، والعدالة اليمنية، وشؤون المالية العامة.- البرامج الأساسية لخلق فرص العمل، بما في ذلك مشروعات الأشغال العامة الكبيرة والنابعة من احتياجات المجتمعات المحلية التي لا تزاحم القطاع الخاص، وتوفير سبل الحصول على التمويل بغرض الجمع بين المنتجين والأسواق، وتوسيع القدرة على حيازة الممتلكات، واكتساب المهارات وخبرات العمل، والحصول على التمويل.[c1]- إشراك النساء في برامج الأمن والعدالة والتمكين الاقتصادي.[/c]تطبيق إجراءات تركز على مكافحة الفساد لإظهار أن المبادرات الجديدة يمكن تنظيمها تنظيماً جيداً، بالاستفادة من قدرات المتابعة الخارجية والمتوفرة بالمجتمعات المحلية.أما سارة كليف، المديرة المشاركة والممثلة الخاصة لفريق إعداد تقرير عن التنمية في العالم، فقالت إن “القادة الوطنيين والعالميين بحاجة إلى إيجاد سبل أفضل للاستجابة لنداءات شعوبهم بتوفير فرص العمل والعدالة، من شمال أفريقيا إلى كوت ديفوار إلى هايتي، فالنظام الدولي بحاجة إلى إعادة تركيز المساعدة على توفير أمن المواطن والعدالة وفرص العمل في أشد الأوضاع هشاشة. وهذا سوف يتطلب إصلاح إجراءات الهيئات الدولية، والاستجابة على مستوى إقليمي، وإحياء الجهود التعاونية فيما بين البلدان منخفضة ومتوسطة ومرتفعة الدخل من أجل مساندة النهوض بالعدالة والرخاء الاقتصادي في العالم”.من جانبه، قال نايجل روبرتس، المدير المشارك الآخر والممثل الخاص لفريق إعداد تقرير عن التنمية في العالم : (هذا التقرير يستند إلى تحليلات الباحثين وخبرة واضعي السياسات بأوساط العاملين في مجال التنمية، وهيئات الأمم المتحدة، والمؤسسات الإقليمية في أنحاء العالم. وهذه التحليلات والخبرات مجتمعة تمثل ثروة غير عادية من الرؤى الخاصة بالأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية للحد من الصراعات. بالإضافة إلى ذلك، سعى التقرير إلى التعرف على خبرات البلدان والقادة الوطنيين الذين أداروا عمليات ناجحة للإفلات من دوامات العنف المتكررة.