غضون
* منذ زمن بعيد وحتى اليوم حذر معظم دعاة الدولة المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان من استغلال رجال الدين والإسلام السياسي للدين وتوظيفه لخدمة مشاريعهم السياسية والدنيوية.. فهؤلاء براجماتيون نفعيون جعلوا من الدين تابعاً لهم، وجعلوا من أنفسهم أئمة للقرآن ينقاد لمآربهم، الحقيقة الوحيدة عندهم هي أهدافهم المتقلبة من وقت إلى آخر، ويقلبون الإسلام تبعاً لذلك.لنأخذ أمثلة حية من هذه الأيام، هم اليوم ـ وباسم الإسلام ـ يدعون الناس إلى الخروج عن ولي الأمر رغم أنه لم يأخذ أموالهم ولم يظلمهم.. والسبب أن لديهم مشروعاً سياسياً فغيروا موقف الإسلام تبعاً لمشروعهم.. كانوا يلقون الدروس في طاعة الوالدين، ويقولون للشباب إن طاعة الوالدين مقدمة على الجهاد في سبيل الله، بأمر رسول الله، وكان الشاب الذي أتى الرسول يرغب في الجهاد ضد كفار وليس مسلمين ولما علم الرسول أن له أبوين قال له: ففيهما فجاهد.* واليوم يفتون بشيء آخر مضاد لذلك لكنه يخدم مشروعهم السياسي، يفتون أن الشباب والأطفال يجب أن يخرجوا ليشاركوا في المظاهرات ويرابطوا في الاعتصامات، وإذا لم يرض الأب والأم فلا سمع لهما ولا طاعة، بل الواجب المقدم على كل شيء هو معصيتهما في هذا الأمر وهجرهما إلى ميادين الاعتصام.. من أجل السياسة أجازوا معصية من قال فيهما الله “ ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما”.رجال الدين الذين بحت أصواتهم بالفتاوى المحرمة تحريماً قاطعاً اختلاط طلاب وطالبات في الجامعة ولو ساعة أو مصلين ومصليات في المسجد ولو عشر دقائق، يفتون الآن إن الإسلام يبيح ليس فقط اختلاط المعتصمين والمعتصمات في النهار، بل أيضاً أباحوا - وباسم الإسلام ـ أن يبتن الليل في ميادين الاعتصام، قياساً على ما يحدث في موسم الحج حيث يجوز للمرأة الحاجة المبيت بمزدلفة مثلاً.. إنها السياسة.* كانوا يحرمون الكذب والشائعات ويقرؤون للناس: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..” اليوم هم في مقدمة الكذابين ومروجي الشائعات ويفتون صحفييهم بفعل ذلك ما دام الكذب والشائعات تخدم معركتهم السياسية في مواجهة النظام.الإسلام كل يوم في شأن تبعاً لشؤونهم السياسية ومصالحهم الدنيوية.. جعلوا الإسلام “حمال أوجه” متناقضاً ومضطرباً، يقول الشيء وضده، يسير وراءهم يحرم ما يحرمون متى أرادوا ويبيح ما يحلو لهم متى شاؤوا، يوماً مع المعصية ويوماً مع الطاعة، يوماً يقطع ويصلب قطاع الطرق ويوماً يوجب على الناس أن يعضدوهم وينصروهم ويؤكلوهم ويشربوهم.. الفرقة الأولى مدرع في المساء مارقة لأنها قتلت الجنوبيين والحوثيين وفي الصباح صيروها الفرقة “الناجية” وبشهادة أبي هريرة وابن عباس وعثمان بن عفان والإمام علي.. وهذا هو الإسلام عندما صار لعبة بيد السياسيين.