غزو الفضاء (5 - 6)
بعد ما حقق الإنسان الهبوط على القمر في عام 1969 ، حيث كان ولا يزال هذا الحدث كما وصفه نيل أرمسترونج عندما وطئت قدمه لأول مرة أرض القمر “ هذه خطوة صغيرة للإنسان ولكن قفزة جبارة بالنسبة للبشرية “ ، اتجه العلماء بعد ذلك إلى التفكير في إنشاء محطات في الفضاء يمكن الانطلاق منها إلى مسافات أعمق في الفراغ الكوني . فخلال الفترة ما بين 1971 - 1982 أطلق السوفييت سبع محطات مدارية من طراز “ ساليوت “ وكلمة ساليوت تعني “ التحية “ ، وكان يلتحم بكل محطة سفينة مكوكبة من طراز “ سيوز “ التي تعني “ الاتحاد “ بغرض نقل الركاب من وإلى المحطة المدارية . ولقد استقبلت المحطة الأخيرة سبعة رواد فضاء بعضهم مكث في الفضاء مدة وصلت إلى 227 يوماً . وفى مايو عام 1973 أطلق الأمريكان المحطة المدارية “ سكاي لاب “ وتعني “ معمل السماء “ التي اعتبرت أكبر محطة مدارية في ذلك الوقت ، حيث وصل طولها 24.6 متر وعرضها 6.6 متر وبلغ حجمها أربعة أضعاف حجم المحطة المدارية الروسية من طراز ساليوت بينما وصل وزنها إلى 88 طناً ، وكانت تحتوي على غرفة للنوم وغرفة للطعام ومزودة بمطبخ وحمام وساحات للمعامل وإجراء التجارب الطبية والبيولوجية والعلمية التي وصل عددها إلى 270 تجربة علمية وتكنولوجية قام بتحضيرها ما يقرب من 600 عالم من كل أنحاء العالم. وأهم هذه التجارب ، دراسة تأثير حالة انعدام الوزن على جسم الإنسان وتصوير الظواهر الشمسية بالمنظار الفلكي خارج الغلاف الجوى لكوكب الأرض ، حيث تم الحصول على صور مبهرة غير مسبوقة لألسنة اللهب الشمسية والانفجارات الشمسية والروافد التي تنطلق من الشمس في الأشعة السينية التي لا يسمح جو الأرض بنفاذها إلينا . هذا بالإضافة إلى مئات الصور للكواكب والنجوم ومذنب “ كوهيتيك “ واكتشاف ماء في ذيله . ولقد توافد على سكاي لاب ثلاثة أفواج من رواد الفضاء وكان كل فوج يتكون من ثلاثة رواد ومكث كل فوج مدة زمنية تراوحت ما بين 28 يوماً و84 يوماً حيث عاد آخر فوج من الرواد إلى الأرض في فبراير 1974 . و اشتركت عشر دول أوروبية في تصنيع المحطة المدارية “ سبيس لاب “ وتعني “ معمل الفضاء “ التي تم إطلاقها في نوفمبر عام 1983 . واستوعبت هذه المحطة أربعة رواد فضاء وكانت تحمل منظارا فلكيا وأجهزة ومعدات أخرى لتنفيذ البرامج المقررة . وأطلق الروس في 20 فبراير لعام 1986 المحطة الفضائية “ مير “ وتعنى “ السلام “ وهي من أشهر المحطات الفضائية المدارية التي توافد عليها أكبر عدد من رواد الفضاء ، حيث بلغ عددهم 104 رواد فضاء ، كما حطم رواد الفضاء بها الأرقام القياسية للبقاء في الفضاء ، لقد وصل عدد أيام بقاء أحد الرواد بها إلى 437 يوما أي أكثر من عام . واستمرت هذه المحطة في الدوران حول الأرض على ارتفاع 300كم لمدة 15 عاماً وتم إسقاطها بعد ذلك في مارس لعام 2001 بعد أن تعرضت لعدة حوادث وأعطال كهربية . لقد اشتعلت فيها النيران في عام 1997 وانقطع عنها الاتصال خلال عام 2000م . وتم إسقاط آخر جزء من هذه المحطة الذي بلغ وزنه 700كم في المحيط الهادي على بعد يتراوح ما بين (1500 - 2000كم) شمال غرب نيوزيلاند بعد أن تم رفعها من مدارها تدريجياً باستخدام السفن التي كانت مخصصة لإمدادها بمستلزمات التشغيل والرواد حتى وصل ارتفاعها إلى 80كجم من سطح الأرض حيث احترقت وذابت معظم أجزائها وتساقط منها حطام قدر وزنه بثلاثين طناً من وزنها الإجمالي الذي وصل إلى 137 طنا . وقد نفذ الرواد بمحطة مير العديد من البرامج العلمية المهمة وتم الاستفادة منها كمزار سياحي في الفضاء واكتساب الخبرات لبناء المحطات الفضائية الأكثر تطوراً تمهيداً لإنشاء مدن فضائية حول الأرض وفى الكون العميق.ويجرى الآن إنشاء المحطة الفضائية الدولية باشتراك 16 دولة مع الولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك روسيا وعشر دول أوروبية . و بدأ العمل في هذه المحطة منذ عام 1998 وكان من المقرر الانتهاء منها عام 2008 لولا تحطم المكوك كولومبيا الذي كان يمد المحطة بالأدوات والمواد اللازمة لاستكمال إنشاء المحطة . ومن المتوقع أن يصل حجم المحطة الدولية إلى ما يعادل 4 مرات حجم مير كما أنها ستستهلك طاقة كهربية تزيد ستين مرة عن مير ، الأمر الذي يشير إلى ضخامة هذه المحطة علاوة على ما سوف تزود به من تكنولوجيات متطورة ترفع من أدائها وتزيد من بقائها لأطول مدة ممكنة في الفضاء .