علينا أن نعي حقيقة واحدة هي أن أولئك الشباب «المقيمين» في ساحات التغيير والحرية وفي كل مناطق تواجدهم يرون أن مطالبهم واندفاعهم لتحقيقها ليست من أجلهم وحدهم بل من أجل كل شباب اليمن سواءً كانوا مناوئين للسلطة أو مؤيدين لها ، وهو ما يجعلنا نلتقي- وإن اختلفت الوسائل والرؤى عند الهموم نفسها .. هموم نعاني منها جميعاً، فمن منا لم يعان من ثقافة وسلوكيات الفساد ومصادرة الحقوق ومضاعفة الواجبات، والتهميش والإقصاء وغياب العدل وغيرها من السلبيات التي أعاقت التنمية وأهلكت المقدرات والإمكانات التي يزخر بها يمننا الحبيب ولكل ذلك فإن الجميع يريد التغيير، ولكن ما هي الكيفية التي يمكن عبرها المرور بمطالبنا تلك إلى بر الأمان وتجنب مخاطر التوقف عند محطات قد نكون نحن وقودها وأحلامنا ومطالبنا بل وحاضر ومستقبل وطننا الحبيب.وتيرة الاختلاف التي تشهدها الساحة الوطنية لم تكن في يوم ما المطلب الذي نريده ، خاصة في ظل بروز تلك الآراء التي لا تتسع للرأي الآخر وليس فيها أي هامش ولو بسيط لتعديلها أو تعديل جزء منها، وهنا تكمن المشكلة وتتسع بؤر التوتر والتصدع.لم نكن في يوم من الأيام متحاملين على آبائنا وإخواننا وأقربائنا وبني عمومتنا في أحزاب « المشترك» أو نكن لهم أي ضغينة فهم يمنيون أيضاَ لا نشك في وطنيتهم ورغبة الكثير منهم - من غير المتمصلحين - في بناء يمن خال من والفوضى وينعم بالأمن والاستقرار.الأمر الذي نختلف فيه مع أحزاب (اللقاء المشترك) والشباب المقيمين في الساحات يكمن في الكيفية التي يمكن بها حل الأزمة اليمنية دون إحداث الفوضى وسفك الدماء والعبث بما تبقى من مقدرات الوطن، خاصة في ظل غياب الرؤية لمرحلة ما بعد تسليم السلطة، فلا هم - أي أحزاب (اللقاء المشترك) والشباب المعتصمين - قدموا رؤية واضحة لعملية تسليم السلطة من قبل رئيس الجمهورية، ولا لعملية تسيير الأمور بعد تلك المرحلة .. هم فقط أرادوا تنحي الرئيس ومحاكمته وهي مطالب ليست عقلانية ولا واقعية،خاصة إذا ما أستقرأنا الواقع اليمني وخصائصه «الجيوقبلية» التي هي بعيدة كل البعد عن المجتمع المدني، هذا إلى جانب توفر بؤر الصراع المناطقي وقبل ذلك المذهبي ومن ثم المشاكل التي تستعر نارها في المحافظات الجنوبية الناتجة عن عدم الاعتراف بالقضية الجنوبية وحلها، ولذا فإن كل هذه المشكلات قد تنشط أدواتها حال توفر الأرضية المناسبة لها والإصرار على المطالب التي يندفع بها (اللقاء المشترك) ومن يدور في فلكهم، لأن التسليم الفوري للسلطة لا شك في أنه سيحدث فراغاً دستورياً وسيقود البلاد إلى أتون الفتنة والاحتراب، هذا بالإضافة إلى ما علمناه من استمرار نظرية المؤامرة بين ائتلاف المشترك فكل حزب يريد الاستئثار بالسلطة،خاصة بعد أن يضعف الحزب الذي كان سبباَ لائتلافهم وهي الحقيقة التي أنطق الله بها أحد مصادر التجمع اليمني للإصلاح.إذن أليس من الأولى بنا أن نهيئ الأرضية المناسبة لعملية التغيير بدلاً من الاندفاع إلى متاهات فوضوية تتعاظم بها مشاكلنا ويتفتت بها وطننا ؟!.أليس من الحكمة والإيمان الذي خصنا به رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) أن نكون عند ذلك الوصف والاختصاص وأن نسير بعيداً عن مطامح وأحلام المتمصلحين الذين يجدون في السلطة أنفسهم ومصالحهم الضيقة المؤطرة بأهداف جميعنا نعلمها.وبعض الأطراف كل ما يهمهم هو رحيل الرئيس علي عبدالله صالح من السلطة وحال هؤلاء كمثل ذلك الشخص الذي يريد نزع ملابسه عن جسده دون أن يكون له ملابس أخرى ليبقى في النهاية عارياً.. وهذه هي الحالة التي يريدون أن تنتهي إليها اليمن، أليس سبب ذلك غياب الحكمة ؟!.
أخبار متعلقة