سموم تغتال المواليد
عادات مافتئت تنغص العيش وتدمي الأفئدة لهول أضرارها، وسط تجاهل مزر من قبل الكثيرين والكثيرات في المجتمع .. دخان التبغ والبخور، هما ما أعنيه لارتباطه بطقوس اجتماعية نسائية تبدأ من اليوم الأول على وضع المرأة لوليدها، في مشهد ضبابي يصل فيه الحال إلى حجب الرؤية جزئياً على العينين بسبب كثافة الأدخنة الخانقة، وهكذا يوميا يستمر الوضع الحالك، وما من زوال له إلا مع انتهاء آخر أيام الزيارات التي تصادف اليوم الأربعين بعد الولادة.والواقع الملموس أن طقوسا كهذه لها حضور واسع في كثير من المحافظات اليمنية، تأنس خلالها النساء، مؤازرات ومباركات للأم الوالدة وليكسرن عنها طوق الملل بتبادل أطراف الحديث والقيل والقال الذي يروق للبعض خلاله تعاطي وريقات (القات).[c1]سلاح ذو حدين [/c]ولست أرى مشكلة في اجتماعهن خلال فترة النفاس لما له من دلالات توثق وتقوي الروابط الاجتماعية، وإنما في ما عبرت عنه بلفظ (الطقوس الاجتماعية) المرافقة لكونها تثير مشاكل جسيمة ، فأدخنة البخور والعود ـ استحضاراً للبركة ومنعاً للعين والحسد ، على محمل الظن الذي يهيمن على البعض ـ تتجانس وتمتزج بدخان التبغ لدى تدخين (المداعة) التي تعد الأكثر شيوعا في هكذا مناسبات ، ناهيك عن حضور (الشيشة) وأدخنتها الكثيفة، التي يروق للبعض تدخينها في كل مناسبة ومحفل.ومع الأسف يقابل كل هذا بالتغاضي حتى من بعض العارفين أو بالقليل من النكران على استحياء ؛ ما يبعث على خيبة الأمل !!ومع وقفة محاسبة للمتسببات بالمشكلة يبرز سؤال مفاده كيف بهن يتجاهلن وليدا لا حول له ولا قوة ليكره على استنشاق ألوان الأدخنة الخانقة ولا حيلة له على الاعتراض أو قدرة تمكنه من الابتعاد لتنسم الهواء النقي في مكان آخر.ألا يتساءلن عن سبب الموت المفاجئ لبعض المواليد؟ أو على الأقل سبب الانتشار الواسع للالتهابات التنفسية التي يفقد بسببها الكثير من المواليد حياتهم، إذا ما قوبلت بالإهمال ولم تعالج سريعاً؟وكيف بالأم النفساء إذا كانت أصلا من المدخنات ولم تمتنع عن التدخين أمام وليدها؟ أو كان ـ كذلك ـ الأب أو أي منهما؟[c1]البحوث الطبية تجيب عن التساؤلات [/c]للعلم إن في البحوث الطبية إجابة عن هذه التساؤلات فلربما لا يجد البعض لها إجابة! إذا أشارت ـ بما لايدع مجالاً للشك إلى أن الرضع أكثر حساسية وتضرراً من جراء التدخين القسري (اللاإرادي) الذي يجبر عليه، ما يبقيه عرضة للالتهابات التنفسية الخطيرة والاختناق المؤدي إلى الوفاة أو لنزلات الشعب الهوائية وحساسية الصدر، ومن الممكن ـ إذا لم يطله الموت بسبب الإهمال السافرـ أن يتسبب استمراره في التدخين القسري بتشمع الأذنين المفضي إلى فقدان السمع أو يصل به الحال إلى أن يكون مريضاً بالربو.وأسوأ ما في الأمر إذا كانت الأم مدمنة على التدخين أو مدمنة على الشرين معا (التدخين والقات) حيث أن الدراسات تؤكد أنهما مسؤولان عن فقدان الشهية، ما يعني عدم حصول الأم على العناصر والمكونات الغذائية الكافية لزيادة إنتاج حليب الثديين وبالتالي يشح كثيراً، فتضطر إلى تغذية طفلها بالحليب الصناعي وما يترتب عليه وعلى الإرضاع بالرضاعة من أضرار صحية كثيرة، أبرزها بل وأسوؤها ـ على المدى القريب ـ الإسهال والنزلات المعوية الحادة والتسمم الغذائي، وذلك بسبب التلف السريع لحليب زجاجة الإرضاع وسهولة تعرضهما للتلوث وما إلى ذلك من أضرار لا أرى متسعاً لذكرها.[c1] مفارقات عجيبة [/c]لذلك ليس من المنطق أو العقل استمرار عادة التدخين أمام الأطفال من قبل الوالدين أو احدهما، أو تعريض الوليد طواعية لمخاطر صحية جسيمة من قبيل الانصياع لتقاليد رجعية ينكرها الإسلام والطب كممارسة التدخين بأشكاله وأنواعه وتعزيزه بأدخنة البخور والعود في حضرة الأم ووليدها حتى لا يشكلا مزيجاً متنوعا السموم والأضرار تنسحب بشكل أوسع على الوليد وسائر الأطفال أكثر من غيرهم.فيالها من مفارقات عجيبة، نبتهج بقدوم المولود الجديد ليحيا ويملأ علينا الدنيا بهجة وسروراً، ثم نتركه يجابه تلك المشاق الجسيمة، والحق أقول: إن على الجميع في الأسرة وعلى الأبوين ـ تحديداً ـ مسؤولية عدم السماح ـ أبدا ـ باستمرار تلك الطقوس الخانقة للوليد التي تضر بصحته على نحو خطير، بل وتفتك بحياته.