من يراجع أزهى عصور التاريخ الإسلامي يذهل من ورع واستقلالية رجال الدين من الأئمة الأعلام عن الدنيا ومتاعها وانصرافهم عن السلطان ومطاردة الكراسي والمناصب الزائلة ، وتجد هؤلاء الأعلام مرجعية الأمة يلتف حولها الحاكم والمحكوم، ولا سيما عند الفتن لأنهم ابتعدوا عن متاع الدنيا وزيف الكراسي وشهوة المناصب فاستحقوا احترام الأمة وانصاع لهم الحكام وأصحاب المناصب مكرهين لأنهم مرجعية الأمة وأمانها.ومن يشاهد رجال الدين اليوم وفي هذا الزمان يذهله تكالبهم على الدنيا وشهواتها وسعيهم نحو السياسة ومطاردة المناصب وإقحام الدين وتعاليمه السمحة في كل معركة دنيوية أو دينية ، لقد أفقدت الثورات العربية المتلاحقة والمتلاطمة الكثيرين من العلماء عقولهم وألبابهم وجعلتهم يتمرغون في تراب السياسة وميادينها وتلونت خطاباتهم وتباينت وتضاربت آراؤهم وفتاواهم وصاروا منقسمين متفرقين متشتتين لتتشتت الأمة معهم وتحار من فتاواهم وأقوالهم ، فأخرجت هذه الثورات في الوطن العربي ذات الوصاية والتخطيط والإشراف الغربي بعض كبار العلماء من سباتهم الفقهي التقليدي “ طاعة ولي الأمر “ وتلبسوا قمصان جيفارا الثائر العربي ذي العمامة واللحية ليتحفنا هذا العالم الذي طالما احترمناه وقدرنا فتاواه الرزينة والمتعقلة وذات النظرات البعيدة وأشدنا بمواقفه المتسامحة لنجده يرحب بالاحتلال الدولي لدولة عربية مسلمة ويرفض ان يوصم هذا التدخل العسكري بالاحتلال الصليبي ويصر بأنه احتلال خمسة نجوم وموافق لتعاليم الشريعة الإسلامية وان طائرات حلف النيتو لن تقتل أحدا إلا بعد ان يرفض نطق الشهادة ودفع الجزية ، ويسارع آخر وهو من مالكي إحدى المحطات الإسلامية ليحرض بعض الشعوب على حكامهم ومضايقتهم ويبشرهم بالشهادة والحور العين لمن يموت من اجل طرد هذا الحاكم البعيد عن بلاده بينما هو يطالب المتظاهرين في بعض الدول حقن دماء المسلمين وتجنب الفتنة والاستجابة للحوار ويحذرهم من مغبة الخروج على الحاكم وإغضاب ربهم وتجاوز أحكامه .ويكاد يحار عقّال الأمة قبل بسطائها حينما يرون علماء يصطفون في ساحات التحرير يطالبون برحيل الحكام والخروج عليهم ويلعنونهم ويطالبون بطردهم ويشجعون الشباب على تقديم الدماء والاستبسال في إخراج الحكام ويجيز بعضهم الاستعانة بالكافر لتحقيق هذه الغاية بينما في ميادين أخرى تسمع أصوات العلماء تستنكر الخروج على الحاكم والتحريض عليه وتطالب بطاعة ولي الأمر وتحرم التظاهر وتطالب بالحفاظ على الشرعية الدستورية بالدم وكل نفيس .. والسؤال الذي يطرح بقوة هل كل فريق من هؤلاء العلماء له كتاب وسنة ونبي مختلف عن الآخر ؟! وكيف تتفاوت وتتباين آراؤهم بهذا الشكل المتناقض والمتصادم ؟! ، ومن يتبع بسطاء الناس من الفريقين ؟!، وما الذي جعلهم يقعون في الفتنة التي كانوا يحذرون الأمة منها؟!، وهل يصلح هؤلاء ليقودوا الأمة ويكونوا مرجعيتها الراسخة عند وقوع الفتن ؟! الأمر ببساطة أن بعض الجماعات وبعض العلماء ركبوا الموجة للوصول إلى السلطة تحت أي لباس و الاستقواء بأي شعار طالما انه سيمكنه من التحكم برقاب الناس وأرزاقهم فهو ساعة عالم تقليدي وأحيانا ثائر يساري وأخرى سياسي وبعض الأحيان غربي ارتضى ان يصل إلى الحكم بوصاية غربية استعمارية .[c1]*كاتب وباحث من حضرموت [email protected][/c]
|
تقارير
رجال الدين وامتهان السياسة
أخبار متعلقة