استطلاع : مراد القدسي - عارف المقطري :كثير من الشباب والشابات يضيعون في زحمة الحياة لسبب أو لآخر، وقليلون مثل إيناس ومحمد ونادية هم من ينفضون عن أنفسهم حالة الركود والإذعان للإحباط أو الركون في زوايا البطالة أو في طابور الانتظار للوظائف الحكومية التي صارت الملجأ الوحيد لتشغيل المخرجات الجامعية بمختلف التخصصات وهو ما زاد من حجم الأعباء على الدولة وبرامجها التنموية..حقاً هناك شباب يمتلكون الإرادة والعزيمة لتغيير حياتهم بالبحث عن فرص التأهيل ليستطيعوا الحصول على وظيفة يأكلون منها لقمة عيش . (14أكتوبر) اقتربت من بعض النماذج الناجحة من هؤلاء الشباب وتلك المؤسسات التي تعمل على تأهيلهم وتدريبهم و سد الفجوة بين مخرجات التعليم العام ومتطلبات سوق العمل ليتمكنوا من الانخراط بقدراتهم في تنمية مجتمعهم وقبل ذلك تنمية أنفسهم.. فإلى هذه النماذج المشرقة: إيناس أحمد الريمي هي أحد أفراد أسرة مكونة من 13 من الإخوة والأخوات، وتعيش حاليا مع والدتها، بعد وفاة والدها، في منزل صغير بالقرب من مدينة صنعاء القديمة. وتلقي إيناس باللائمة فيما يتعلق بعدم استكمالها لتعليمها على العادات الاجتماعية والبيئة القبلية التي نشأت فيها. في النهاية، قررت إيناس أن تعمل كبائعة للمصوغات الفضية لحساب إحدى الحرفيات التي تقوم بصنعها لتتمكن من استكمال الدراسة الثانوية. ورغم قلة ما كانت تكسبه، فقد كانت مملوءة بالأمل بأنه سيأتي اليوم الذي تتمكن فيه من استكمال دراستها الجامعية.وفي أحد الأيام قرأت إيناس لوحة إعلانية تقول: ”لأول مرة في اليمن، أحصل على التدريب و التأهيل وفرصة عمل مجانا.. انتهز الفرصة وابن مستقبلك“. وتمكنت إيناس من الحصول على استمارة طلب الالتحاق ببرامج المؤسسة، وقامت بملئها وفي الأسبوع التالي تلقت اتصالا هاتفيا من مؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف، وتمت دعوتها لحضور المقابلة الشخصية، التي اجتازتها بنجاح، وبدأت البرنامج التدريبي ”النجاح في مقر العمل“.. التحقت إيناس بهذه المؤسسة وفيها تلقت تدريباً مكثفاً في برامج عديدة تميزت فيها فكان نصيبها أن تم إبتعاثها إلى مقر”الجامعة العربية للعلوم والتقنية“ لتنفيذ برنامج التدريب العملي، وبعد إكمالها لبرنامج التدريب، تلقت البشارة: لم تعرض عليها الجامعة فرصة العمل التي تنتظرها فحسب، بل كان العرض يتضمن تحقيق حلمها الأزلي: منحة مجانية لمدة أربع سنوات، تستكمل فيها تعليمها الجامعي في نفس الجامعة.
بعض المتدربات
عندما نقلت إيناس الخبر لأسرتها، غمرت السعادة الجميع، لأنهم يعرفون ما تعنيه الفرصة لاستكمال تعليمها بالنسبة لها.تقول: “إنني أسعد إنسانة على وجه الأرض، وأدين بهذه السعادة لمؤسسات المجتمع المدني التي توفر التدريب و التأهيل للشباب العاطلين عن العمل مثل مؤسسة اليمن التي حققت لي حلم حياتي”. وهنا تكمن أهمية التدريب والتأهيل العملي بعد التعليم الأكاديمي في صنع المستقبل لملايين الشباب الذين يتخرجون من المدارس الثانوية والجامعات سنويا ويكون مصيرهم أرصفة الشوارع أو دهاليز الضياع أو التشدد والانحراف أو النوم المؤبد في أحسن الأحوال. من اجل ذلك لابد من التركيز على أهمية التدريب والتأهيل لصنع المستقبل بدلا من انتظار الخدمة المدنية لتجد له مكاناً في طوابير البطالة المقنعة في أجهزة القطاع العام المختلفة.[c1]المبادرة الوطنية لتأهيل الشباب[/c]أطلقت إحدى منظمات المجتمع المدني وهي مؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف المبادرة الوطنية لتأهيل الشباب بهدف التوظيف والتي تهدف إلى سد الفجوة المعرفية القائمة بين مخرجات المؤسسات التعليمية ومتطلبات سوق العمل، والمتمثلة في عدم تلبية المخرجات التعليمية لحاجات أصحاب العمل من المهارات.يقول معين الارياني المدير التنفيذي للمؤسسة انه في إطار مساهمة منظمات المجتمع المدني في تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية وبرنامج الأولويات العشر أخذت المؤسسة على عاتقها إطلاق المبادرة الوطنية لتأهيل الشباب بهدف التوظيف في محاولة لسد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل ، وإكساب الشباب المهارات العملية التي لم يتعلموها في الجامعات والهدف النهائي هو توفير وظائف لهؤلاء الشباب وتخفيف معدلات البطالة بينهم ، وتأهيلهم للقيام بهذه الوظائف باقتدار حسب متطلبات أرباب العمل.وفيما يتعلق بآلية تحديد البرامج التدريبية للمؤسسة وكذا معرفة حجم اهتمام المؤسسات التعليمية بتأهيل المخرجات قال الارياني: نقوم بعمل مسوح ميدانية لدى أرباب العمل لمعرفة احتياجاتهم من الوظائف والشروط المطلوبة لشغل تلك الوظائف خلال عام كامل مع التزام بتوظيف مخرجات التدريب المؤهلين بحسب شروطهم المحددة سلفاً وفي ضوء تلك النتائج يتم إعداد برامج التدريب ثم نستقبل طالبي التدريب من الشباب والشابات الذين يتلقون تدريباً مجانياً مكثفاً للتوفيق بين تخصصاتهم وطبيعة الوظائف المطلوبة في السوق ومن ثم يتم إرسال هؤلاء الشباب إلى المؤسسات والهيئات والشركات العامة أو الخاصة الطالبة للموظفين وغالباً ما يتم توظيفهم.وبخصوص التعاون مع مؤسسات التعليم الرسمي قال الارياني إن الجامعات الحكومية والخاصة لا تعير أي اهتمام لمثل هذه البرامج إلا أن جامعة تعز سوف تبدأ بإدخال برنامج (بزنس ايدج) كمادة إختبارية لطلاب السنة النهائية في كلية العلوم الإدارية بالجامعة. فيما تسعى جامعتا صنعاء وإب للعمل في الاتجاه نفسه. [c1]قصة نجاح [/c]محمد سند - خريج البرنامج التدريبي (النجاح في مقر العمل) حصل على ليسانس في الأدب الإنجليزي من جامعة ذمار.“لا توجد الكثير من الشركات أو فرص العمل في ذمار...” يقول محمد، ويضيف: “وهذا هو سبب بقائي بدون عمل لسنوات بعد تخرجي. لقد كنت أعتقد قبل التخرج أن أرباب العمل سوف يتسابقون للحصول على خدماتي، ولكني اكتشفت بأني كمن يقف على مساحة من الرمال المتحركة، أغوص فيها ببطء..” أضطر محمد للعمل أثناء فترة دراسته ليتمكن من إعالة أسرته، ولم يهتم عادة بنوع العمل، طالما كان يوفر له الدخل الكافي للمساعدة في توفير احتياجات الأسرة، وبعد تخرجه، عمل مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة خاصة.يقول محمد: “لم أكن راضيا عن اتخاذ التدريس مهنة لي، لم تكن هذه المهنة تلبي طموحاتي، ولذلك لم أتوقف عن البحث عن فرصة عمل أخرى، وخلال بحثي المستمر شاهدت الإعلان الذي نشرته مؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف في إحدى الصحف، فشعرت بأن هذا النوع من التدريب هو الذي سيؤهلني للحصول على فرصة العمل التي أحلم بها، وسارعت للتسجيل ضمن البرنامج”. لقد تأقلم محمد بشكل رائع مع برنامج التدريب، وكان دائما من المتميزين والمشاركين الفاعلين، وساهم بشكل رائع في تقديم العون لزملائه، ما مكنه من الحصول على تقييم جيد من مدربيه، ودفع إدارة التدريب لإدراجه ضمن قائمة المرشحين لحضور دورة تدريب المدربين الخاصة ببرنامج النجاح في مقر العمل، ليصبح أحد مدربي البرنامج. يقول محمد: “تلقيت مكالمة من مؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف، ودعيت من خلالها للمشاركة في دورة تدريب المدربين، وبعد إكمال الدورة بنجاح، أعطيت الفرصة لأصبح مدربا لبرنامج النجاح في مقر العمل. لقد شعرت بالفخر، ولم أصدق أن جهودي قد أفلحت أخيرا...”.[c1]البنات والتدريب[/c]الزائر للمؤسسات التي تقدم التدريب والتأهيل في هذه البرامج يلاحظ وجوداً مكثفاً للفتيات وبأعداد كبيرة تفوق أعداد الذكور في بعض المؤسسات والمنظمات التي تقدم مثل هذا التدريب.في حين أن إدارات هذه المؤسسات تشجع وتعطي أولوية للفتيات للالتحاق بالبرامج التدريبية، وغالبا ما تكون الفتيات الأكثر التزاما بالتدريب والأكثر تميزا في المشاركة والتفاعل والقيام بالأعمال الطوعية في مختلف المجالات. - نادية عبدالعزيز النودة مثال آخر لفتيات غير التدريب العملي مجرى حياتهن ونقلهن من اليأس والقنوط إلى الطموح اللامحدود، فبعد أن تخرجت نادية من كلية التجارة وظفت في إحدى الجهات الحكومية كمحاسبة ولكن هذه الوظيفة كما تقول نادية لم تناسبها “لان معظم الوقت كان فراغاً وكنت اقضيه في قراءة الصحف والدردشة مع الزميلات وهو ما سرب الملل إلى حياتي ويوماً بعد آخر بدأت اشعر أنني ادفن نفسي في ذلك المكان وبدأت أفكر جديا في ترك العمل والاكتفاء بالحياة الروتينية لأي امرأة في بيتها وبين أطفالها”.وأضافت: “ في يوم ما قرأت في إحدى الصحف عن برامج تدريب تقدمه إحدى المؤسسات فقررت أن أغير حياتي وان اخرج من حالتي المحبطة وتقدمت للتدريب وكانت كلمة التغيير هي أول كلمة سمعتها من مدربي وكان لها وقع كبير ومؤثر في نفسي ما زال إلى اليوم”.حضرت نادية برنامج (النجاح في مقر العمل) وبرامج أخرى وقالت أنها أكسبتها الثقة في النفس وكسرت حاجز الخوف الذي كان مسيطرا عليها وغيرت طريقة تفكيرها في الحياة وأسلوب حياتها.وقالت: “ عدت للعمل في المجال السابق ولكن في مؤسسة أخرى وعندها أحسست بالفرق الكبير قبل وبعد التدريب وأبدعت في عملي وحققت نجاحات كبيرة في مدة قياسية ، ولأني اعلم إن مشكلتي السابقة هي نفس مشكلة مئات من بنات جنسي فقد قررت أن اعمل لمساعدتهن فالتحقت بدورات تدريبية عديدة ومكثفة داخل البلد وخارجه وانا اليوم مدربة تنمية بشرية”.حكاية نادية شجعت ابتسام خريجة كلية الهندسة على عدم انتظار الخدمة المدنية لتوظيفها وبمجرد تخرجها من الجامعة التحقت بالتدريب في نفس المؤسسة التي تعمل فيها نادية وقالت أنها ستسير على خطاها.[c1]برامج التدريب والجامعات الحكومية[/c]ويلاحظ أن اغلب البرامج التي تطبق في منظمات المجتمع المدني تتركز في مجالات اللغة الانجليزية والحاسوب ومهارات التعامل في الوظائف مثل برنامج (النجاح في مقر العمل) وبرامج أخرى تهدف إلى إكساب المتدربين مهارات الثقة في النفس وكسب ثقة الآخرين وفن التعامل مع العملاء. تقول ابتسام (خريجة هندسة) وملتحقة بالتدريب : الجامعات لا تقدم برامج مؤهلة لسوق العمل بشكل كاف ، مقررات نظرية وأعداد كبيرة من الطلاب لا تسمح بالمشاركة والنقاش واغلب خريجي الجامعات يحصلون على الشهادة وينتظرون الدولة لتوظفهم عبر الخدمة المدنية وهنا تموت أحلام وتنتهي آمال عدد كبير من الشباب، والخطأ الفادح هنا أنهم لا يفكرون في الالتحاق ببرامج تدريبية وتأهيلية مناسبة لسوق العمل وبعضهم تمنعه الظروف المادية وتكاليف التدريب من مواصلة تأهيل أنفسهم ولكن هناك مؤسسات تقدم خدمات مجانية او برسوم رمزية. ولكن نادية النودة - مدربة تقول إن بعض المؤسسات تقدم برامج تدريبية غير ملائمة وهو ما يستدعي الوقوف عند أهمية (جودة التدريب) .