نفذت بالشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني
صنعاء/ بشير الحزمي :عقدت مطلع هذا الأسبوع بالعاصمة صنعاء تحت رعاية علي محمد مجور رئيس مجلس الوزراء ورشة العمل الخاصة بعرض نتائج دراسة أصوات الفقراء التي نفذتها شبكة منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع (أوكسفام) وبالتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء.صحيفة (14 أكتوبر) نظراً لأهمية الدراسة وما خلصت إليه من نتائج وتوصيات تستعرض لقرائها الملخص التنفيذي للدراسة وأبرز ما جاء فيها .. فإلى التفاصيل:دراسة أصوات الفقراء هي الدراسة الثالثة التي تنفذ لاستطلاع آراء الفقراء فقد سبقتها دراستان نفذتا بالتزامن مع إعداد الخطة التنموية الأولى في عام 2000م والثانية في عام 2005م، وبالتالي فإنها إحدى المنهجيات الثابتة التي تعكس حرص وزارة التخطيط والتعاون الدولي على تعزيز مبدأ المشاركة الشعبية ونشر ثقافة المساءلة في المجتمعات وتقييم الجهود التنموية من منظور الفقراء.وتم تنفيذ هذه الدراسة في نهاية فترة تنفيذ الخطة الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2006 ـ 2010م)، كإحدى آليات التقييم المتبعة عند إعداد خطط التنمية الوطنية وتهدف إلى تقديم معلومات لمعدي الخطة الرابعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بحيث يمكن استخدامها في تحسين وتوسيع وصول الخدمات للفقراء وتحسين الجهود المبذولة لمكافحة الفقر.وتعنى الدراسة بتقييم الأثر الاجتماعي والتنموي لتطبيق سياسات وبرامج الخطة الثالثة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والتخفيف من الفقر من وجهة نظر الفقراء في عدد من المجتمعات الفقيرة. وفي هذا تعزيز لمبدأ مشاركة جميع الأطراف المهنية من جهات رسمية وغير رسمية وأفراد في وضع وتقييم الخطط التنموية للدولة. وقد اختيرت المجتمعات المستهدفة بحسب مؤشرات الفقر (طبقاً لبيانات مسح ميزانية الأسرة 2006م) والتنوع الجغرافي والاقتصادي كمحاولة لسماع أصوات الفقراء فيما يبذل من جهود تنموية. لذا فإن نتائج هذه الدراسة يجب ألا تفسر على حدة بل ضمن إطار نتائج تقييم الخطة بمختلف الآليات والمنهجيات التي تمت على المستويات المختلفة.تحديات تنمويةوقد استجدت عدد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أثرت على الأوضاع التنموية لمجتمعات الفقراء وعلى جهود تخفيف الفقر بشكل عام، فبالإضافة إلى التحديات التقليدية كالنمو السكاني المتزايد وضعف معدلات النمو الاقتصادي في مجتمعات الفقراء، وزيادة الطلب على خدمات البنية التحتية، ومحدودية الموارد وضعف مؤشرات التنمية البشرية مع تدني كفاءة مرافق الخدمات البنية التحتية، أثر ارتفاع الغذاء والأزمة المالية على الوضع الغذائي للفقراء، كما ان حالة عدم الاستقرار السياسي في بعض مجتمعات الفقراء والخلافات الحزبية أضفت بعداً جديداً مستعصياً على الحل ما يسبب تعثر العديد من المشاريع التنموية ويؤدي إلى سوء توزيع الموارد الخدمات التنموية.جهود غير ملموسةوعلى الرغم من انخفاض مؤشر الفقر بحسب مسح ميزانية الأسرة 2005م، لم يلمس الفقراء تحسناً في الأحوال المعيشية، وعلى الرغم من جهود تطوير القطاعات الإنتاجية والإصلاحات الوطنية التي تمت إلا أن ثمار هذه الجهود لم يلمسها الفقراء بعد وقد يعود السبب جزئياً إلى ضعف تبني وتنفيذ برامج مناصرة للفقراء وعدم تكاملية وتزامن هذه الجهود مع الإصلاحات الاقتصادية. وأيضاً انعكاس ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً على أسعار السلع الغذائية محلياً، الأمر الذي إربك ميزانية الأسر الفقيرة، وتبع ذلك الأزمة المالية العالمية وانخفاض عائدات النفط ما أثر على وضع الأمن الغذائي محلياً.كما توافقت أولويات الإنفاق للفقراء مع ما أظهرته نتائج مسح ميزانية الأسرة 2005م ـ 2006م، فقد شكلت قضية توزيع الموارد القليلة على أوجه الإنفاق المعيشي معضلة للفقراء الذين يحتارون في كيفية مواجهة الاحتياجات الأساسية مع تدني الدخل، ويزداد الأمر سوءاً عند حدوث صدمات مفاجئة كالمرض والعجز وغيره.وبشكل عام فقد تركزت الأولويات على شراء المواد الغذائية خاصة مع ارتفاع أسعار الغذاء يليها الإنفاق على الصحة ومن ثم على بقية الخدمات كمياه الشرب والتعليم وتختلف أولويات الإنفاق على الخدمات الأساسية بحسب المناطق الجغرافية لمجتمعات الفقراء ومدى قربها من الخدمات وتوافر هذه الخدمات وهذا يؤكد ضرورة تبني عدد من الإجراءات لمساعدة الفقراء للحصول على المواد الأساسية الغذائية بأسعار منخفضة وقد يشكل توفير كوبونات الغذاء لمستحقي خدمات صندوق الرعاية الاجتماعية أحد هذه السياسات المناصرة والفقراء أو إنشاء تعاونيات تبيع المواد الغذائية بأسعار مخفضة ومدعومة لمحدودي الدخل والفقراء.وشكلت قضايا تدني مهارات الموارد البشرية وانخفاض الأجور، جملة من التحديات التي تحد من النمو الاقتصادي المناصر للفقراء، وتمحورت هموم الفقراء في الحصول على فرص العمل وفي تأمين الغذاء لأسرهم.ولا يدرك الفقراء قضية تأثر الاقتصاد المحلي بجملة الأسباب المحلية والعالمية مثل الإصلاحات الهيكلية وتحرير أسعار مشتقات النفط التي يرون أنها تؤثر عليهم سلباً أكثر من غيرهم من الفئات وذلك لضعف انعكاس هذه الإصلاحات في شكل برامج مناصرة للفقراء.إن تحقيق التنمية المستدامة لايقوم إلا على أساس تحقيق العدل الاجتماعي وإيجاد الآليات والظروف التي تحقق الفرص المتكافئة لجميع فئات المجتمع وتمكنها من المشاركة والرقابة الشعبية للحد من الاختلالات.تضاؤل فرص العملمن جهة ثانية تتناقص وتتضاءل فرص العمل في مجتمعات الفقراء نتيجة عدم تنوع الأنشطة الاقتصادية فيها ولتدني قدرات سكانها، وتتسم أنشطة الفقراء بأجورها المنخفضة وعدم ديمومتها، كما لا تخضع لقوانين حماية العمل وتبقى عرضة للتقلبات الاقتصادية والمناخية.وتعتمد استمرارية الدخل على توفر فرص العمل وعلى الصحة البدنية التي تعتبر رأس مال الفقير.وبسبب ضعف استثمارات القطاع الخاص المحلي وندرة مشاريع وأنشطة الصناعات الصغيرة والأنشطة التجارية والتسويقية لم تتوفر أية بدائل اقتصادية أو فرص عمل أخرى للفقراء، وذلك نتيجة ضعف خدمات البنية التحتية كالخدمات والطرق والأسواق وعدم استجابتها لمتطلبات النمو الاقتصادي. كما ان القرصنة والصيد الجائر يشكلان تهديداً مباشراً للفقراء في المناطق الساحلية بحيث لم يعد البحر مصدراً آمناً للرزق بالنسبة لهم كما تقوم سفن الصيد الكبيرة بجرف مزارع وحاضنات الأسماك باستخدام وسائل صيد غير قانونية ما يشكل تهديداً لمواسم الصيد وإنتاجيتها في السواحل اليمنية.وكذلك لم تفسح سياسات تشجيع الاستثمار مجالاً للفقراء للاستفادة منها، فعلى الرغم من حتمية التوجه نحو الأنشطة الاستثمارية لدعم النمو الاقتصادي، إلا أن الأصول الإنتاجية والموارد الطبيعية القليلة كالمياه والأراضي الزراعية التي يمتلكها (أو كان ينتفع بها) الفقراء غالباً ما يتم استغلالها من قبل كبار المستثمرين تاركين الفقراء يعانون من قلة الحيلة كما حدث في الأراضي الزراعية التي أعيدت لمالكيها في مجتمعات بحضرموت، وخصخصة شركة الملح والمناجم في الصليف وفي المزارع الاستثمارية في الحديدة. ويعكس هذا ضعفاً واضحاً في تبني سياسات مناصرة للفقراء مصاحبة للإصلاحات وترجمتها فعلياً في اتجاه إحداث تنمية مستدامة في هذه المجتمعات.تدني الخدمات الصحيةساهم تدني الخدمات الصحية وارتفاع كلفتها في تردي الأوضاع الصحية للفقراء. وعلى الرغم من تحسن وصول خدمات تطعيم الأطفال تحت الخامسة إلى مجتمعات الفقراء إلا أن غالبية الوحدات الصحية والمرافق في الريف تخلو من الكادر المؤهل ومن الدواء. ولم تعد الوحدات الصحية تقوم بدورها الوقائي أو تقدم الرعاية الصحية الأولية بحسب ما أفاد الفقراء (عينة الدراسة) ما يضطر الفقراء إلى تكبد مشقة الذهاب إلى أقرب المراكز الحضرية (سواء خاصة أو عامة) ودفع تكاليف مضاعفة للحصول على هذه الخدمات.شباب معرض للخطر وبينت نتائج الدراسة وجود شريحة كبيرة من الشباب يمكن ان تصنف ضمن الشباب المعرض للخطر، حيث يعانون من الإحباط والفراغ الكبير في الوقت وعدم وقدرتهم على استثماره في شيء مثمر بسبب صعوبة حصولهم على فرص لتنمية مهاراتهم، الأمر الذي قد يقود إلى انخراطهم في سلوكيات ضارة وتسهل استقطابهم وانضمامهم إلى تنظيمات مشبوهة أو جماعات متشددة تمثل احياناً لبعضهم المخرج الوحيد لمشاكلهم. إن حقيقة كون المجتمع اليمني مجتمعاً فتياً يعول عليه بناء المستقبل لا تتوافق مع الأوضاع الراهنة للشباب، وبخاصة في المجتمعات الريفية، حيث أن غالبية الشباب (إما في المرحلة الثانوية أو تسربوا سابقاً) عاطلون يبحثون عن عمل ويجدون في القات المتنفس الوحيد لقضاء أوقاتهم، ويعيشون في مجتمعات فقيرة وقليلة الإمكانيات وتندر فيها الفرص التدريبية والوظيفة وقد أضعفت النزاعات السياسية في صعدة من قدرة الشباب في محافظات الحديدة وحجة وعمران على السفر للحصول على فرص عمل في الجوار، في حين أعاقت قضايا الثأر في أبين وشبوة قدرة الشباب على الانتقال والبحث عن فرص أفضل.وضع المرأة والأطفالوقد أبرزت الدراسة الميدانية ضعف إشراك المرأة في المجتمعات المحلية في قضايا الشأن العام سواء من ناحية فرص العمل أو التمكين السياسي أو توفير فرص التدريب والإقراض، كما أوضحت عدم وصول هذه الخدمات للنساء الريفيات. وما تزال النساء وخاصة في الريف يواجهن تحديات تحد من إسهامهن في المجالات الاقتصادية والدخول للسوق والحصول على قروض وتسهيلات تدعم دورهن الإنتاجي.وكذلك لم تعكس المشاركة الواسعة للنساء في الانتخابات على الإطلاق توسع وحرية المشاركة السياسية للمرأة لعدم وجود ممثلات في المجالس المحلية وخاصة في المناطق الريفية والقبلية. بل على العكس، إذ يتم احتساب أصوات النساء في الأسرة لصالح رب الأسرة الذي يصبح لديه عدد أصوات بعدد النساء اللواتي يحق لهن التصويت من أسرته، حيث أفادت جميع النساء في مجتمعات الدراسة بأنهن ينتخبن ما يملى عليهن من أقربائهن الذكور.وفي الأخير فقد لوحظ تدني الأوضاع المعيشية والصحية للأطفال الفقراء، حيث أفاد العديد من الأطفال في مجتمعات المراغة والشهالي في محافظة إب وحرض بحصولهم على وجبتين فقط في اليوم ما يشير إلى إحتمالية انتشار أمراض سوء التغذية والهزال خاصة مع تزايد أسعار الغذاء وعجز أسرهم عن تأمين الغذاء الكافي.فجوة قائمةوأشارت الدراسة إلى أن وجود فروع للجهات الحكومية وأجهزة القضاء على مستوى المديرية أو المحافظة لم يساعد على اقتراب أفراد المجتمع منها بل خلق هوة بين الفقراء وهذه الأجهزة. كما أظهرت الدراسة السابقة والحالية أن الفقراء لا يزالون ينظرون بريبة وعدم ثقة لهذه الأجهزة ولا يتعاطون معها إلا إذا كانت هي الملجأ الأخير أمامهم، حيث مازال العرف وقادة المجتمع المحليون كالشيخ وغيره أسهل للوصول من الجهات الرسمية.كما لم تخرج مساهمة المجتمع المدني في التخفيف من الفقر من دائرة تقديم المساعدات الخيرية والغذائية، ويعتقد الفقراء وجود تنظيمات رسمية أو غير رسمية تمثلهم أو تدافع عن حقوقهم، إذ لا يوجد أي نوع من التنظيمات المؤسسية لمساعدة المزارعين، كما يغيب تماماً أثر للتعاونيات الزراعية وبالتالي غياب أي نوع من الدعم الإنتاجي أو التسويقي أو الإرشادي للمزارعين الفقراء.ليس من المأمول في القريب خروج أولئك الواقعين في دائرة الفقر الشديد نتيجة لتدخلات الخطط التنموية العامة للمديرية أو المحافظة أو حتى الخطط العامة للدولة كون هؤلاء الفقراء يقعون ضمن فئات العاجزين، الأميين، من لا يجدون عملاً أو لا يقدرون على العمل، المرضى، من المهمشين أو المحرومين اجتماعياً، والنساء ممن يعلن أسرهن (نتيجة وفاة العائل أو مرضه) .. الخ.وتفتقد خطط المجالس المحلية وجود برامج موجهة لمساعدة هذه الفئات إلى جانب خدمات صندوق الرعاية الاجتماعية.سياسات وبرامج مناصرة الفقراءوعليه تخلص الدراسة إلى ضرورة التوسع في تبني وتنفيذ سياسات وبرامج مناصرة للفقراء لتحسين مستوى معيشتهم ومساعدتهم على مواجهة آثار الإصلاحات، وهذا يتطلب أن تكون سياسات النمو مناصرة للفقراء ومنحازة لتطوير التنمية الريفية المحلية لتحقيق التوازن بين النمو الحضري والريفي، خصوصاً أن غالبية الفقراء لا يزالون يقطنون الريف. وايضاً التركيز على إعطاء أولوية في البرامج والسياسات لتعزيز طاقات النمو في القطاعات الإنتاجية ولتنمية القطاعات التي تمس حياة الشريحة العريضة من الفقراء وهي الزراعة والصيد مع تحسين مدخلات الإنتاج وتشجيع خلق بدائل اقتصادية متنوعة في المجتمعات الفقيرة تمكن الشباب والنساء من الإسهام بفاعلية في النمو الاقتصادي لمجتمعاتهم معها. كما أن الاهتمام في الخطة القادمة ينبغي أن يستمر ويتوسع في مجال بناء القدرات والتمكين كأسس لمحور التنمية البشرية عن طريق إعطاء أولوية لتنويع فرص التدريب المهني والتقني والبشري مع التوسع في تطوير برامج التدريب المرتبطة باحتياجات السوق والتنمية المحلية والإقليمية وخلق فرص العمل المطلوبة عبر إنشاء المشروعات الصغيرة والصغرى، وتمكين الفقراء من إدارتها بكفاءة.