نبض القلم
جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: (المرجع: لواء الإسلام، العدد (1) رمضان 1386، ص45) «سألت أخي جبريل: أتنزل بعدي إلى الدنيا ؟ قال: نعم، أنزل عشر مرات، وأرفع جواهر الأرض، قلت: وما ترفع منها؟ قال: في المرة الأولى: أرفع البركة من الأرض، وفي الثانية: أرفع الشفقة من قلوب العباد، وفي الثالثة: أرفع الحياء من النساء، وفي الرابعة: أرفع العدل من أولي الأمر، وفي الخامسة: أرفع المحبة من قلوب الخلائق، ليعود بعضهم أعداء بعض، وفي السادسة: أرفع الصبر من الفقراء، وفي السابعة: أرفع السخاوة من الأغنياء، وفي الثامنة: أرفع العلم من العلماء، وفي التاسعة أرفع القرآن من المصاحف ومن قلوب القراء، وفي العاشرة: أرفع الإيمان من قلوب أهل الإيمان ثم يردف قائلاً: نعوذ بالله من ذلك الزمان» أ.هـ.ومن يتأمل في الحديث الشريف، وينظر إلى زماننا المعاصر الذي نعيش فيه، يجد أن جواهر الأرض الثمينة الواردة في الحديث قد صارت ترفع الواحدة تلو الأخرى، فإذا نظرنا إلى عالم اليوم وتأملنا في واقع حياة البشرية عموماً وواقع امتنا الإسلامية خصوصاً، وواقع أمتنا العربية تحديداً، نجد فيها أموراً كثيرة تؤكد مصداقية الحديث الشريف.الأمر الأول: إن خيرات الأرض كثيرة ومتنوعة، ربما تكفي جموع البشر، ولكن الناس لا يكفون عن الشكاء والبكاء والتذمر من واقع حياتهم المعيشية، لان البركة رفعت من الأرض، بحيث لم تعد الخيرات الكثيرة تكفي عموم البشر، نتيجة سوء توزيعها.الأمر الثاني: أنه على الرغم من كثرة الخيرات المستخرجة من باطن الأرض والبحار والمحيطات، إلا أن الصراع محتدم بين الناس بسبب محاولات الأقوياء الاستئثار بها دون الضعفاء، بما يعني أن الشفقة قد رفعت من قلوب العباد، كما أخبرنا بذلك الحديث الشريف.والأمر الثالث: يتعلق بانتشار ظواهر الإباحية الجنسية عبر القنوات الفضائية، ومحاولاتها اجتذاب المراهقين من الجنسين، فما ذلك إلا نتيجة رفع الحياء من النساء، حتى أصبحت مفاتن النساء تعرض على الملأ بأشكال مختلفة.الأمر الرابع: نجده في انتشار ظاهرة الإرهاب في أنحاء مختلفة من العالم، وما ذلك إلا دليل على تفشي الظلم في المجتمعات المعاصرة، وغياب العدل لدى القائمين على شؤونها والمتحكمين بمصائر الشعوب، وظلم ولاة الأمور لرعاياهم في كثير من بلدان العالم المعاصرة، وهو ما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف.الأمر الخامس: ويتجلى بوضوح في كثرة الفتن المنتشرة في كثير من الدول واتساع نطاق ثقافة الكراهية وانتشار ظواهر الحروب الأهلية والصراعات السياسية والمذهبية والطائفية، وبروز دعوات الانفصال والتمرد في هذا البلد أو ذاك، وهو ما يؤكد ما أشار إليه الحديث الشريف برفع المحبة من قلوب الخلائق ليعود بعضهم أعداء بعض.الأمر السادس: يتمثل في انتشار ظاهرة المظاهرات الجماهيرية في كثير من دول العالم وظهور حركات التمرد والانتفاضات، واتساع نطاق المقاومة هنا او هناك، وبروز فرق انتحارية ولجوء بعض الشباب إلى إحراق أنفسهم أو نحو ذلك من أساليب التعبير عن سخطهم وعدم رغبتهم في الحياة نتيجة نفاد صبرهم جراء المعاناة التي يعانونها من الفقر والعوز والحاجة الى كل شيء. وهو ما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف.الأمر السابع: يتمثل في ما يحدث في الدول الفقيرة من فقر، وما ينجم عنه من جوع وجهل ومرض، في حين هناك أغنياء في العالم يمتلكون المليارات ولكنهم يحجمون عن مساعدة الفقراء في بلدانهم وفي العالم، وما تقدمه فرق الإغاثة الدولية لفقراء العالم ما هو الا فتات موائد الأغنياء في هذا الزمن الردي.الأمر الثامن: انه على الرغم من وجود الآلاف بل الملايين من المتعلمين وخريجي الجامعات وعلماء الدين والمثقفين في هذا البلد أو ذاك إلا أن هناك أزمة قيم متفشية في العالم، بحيث لم يستطع هؤلاء المتعلمون جميعهم إصلاح البشر وهدايتهم إلى الطريق المستقيم وهو ما أشار إليه الحديث الشريف برفع العلم عن العلماء.الأمر السابع: يتمثل في كثرة القراء والمقرئين في البلدان الإسلامية، فما أكثر ما نستمع إلى القرآن الكريم، نستمع إليه صباحا ومساء عبر وسائل متعددة، ولكننا قلما نتدبر آياته، وكأن القرآن في هذا الحال قد رفع من الصدور، وأصبح عبارة عن أصوات تصل إلى مسامعنا عبر مكبرات الصوت، دون ان تتأثر به مشاعرنا أو تهتدي به عقولنا، ويكون القرآن في هذا الحال قد رفع من المصاحف ومن قلوب القراء، وهو ما أشار إليه الحديث الشريف.ونأتي الى الأمر العاشر الذي أشار إليه الحديث في نهايته، وهو رفع الإيمان من قلوب المؤمنين، وسيكون ذلك عندما ينزل جبريل إلى الأرض للمرة العاشرة والأخيرة، ويجدر بنا هنا أن نتساءل كيف سيكون حال البشرية حين يتم ذلك؟ وكيف سيعيش الناس في غياب الإيمان؟ وكيف يعامل الناس بعضهم بعضا ما لم يكونوا مؤمنين؟. من غير شك سيتحول المجتمع البشري إلى غابة يأكل القوي فيهم ضعيفهم، وسيفني الناس أنفسهم بأنفسهم، وهو ما استعاذ منه النبي (صلى الله عليه وسلم) في نهاية الحديث حين قال: نعوذ بالله من ذلك الزمان، ونسأل الله تعالى ألا يرينا هذا الزمان.[c1]* خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]