الشيء الذي يؤسف له ذلك الإصرار الغريب للقاء المشترك في تحويل الوطن إلى بقعة صراع يصعب احتواؤه.. صراع لن يصب في مصلحة الوطن أو المواطن ،ولا حتى تلك الأحزاب بمكوناتها وشخوصها. إنهم لا يدركون حين يؤججون الشارع اليمني ويدفعونه إلى التخريب والفوضى أن النتائج لا محالة ستؤدي إلى تغييب كل مقومات السلام وركائز الاستقرار الذي ننعم به.. هم يريدونها «فوضى خلاقة» فيما الحقيقة أنهم يسعون إلى الانفجار العظيم الذي لا يبقي ولا يذر لأن الفوضى لا يمكن تأويلها إلى خلاقة وغير خلاقة فمصطلح الفوضى دوماً مجرد من أي معان أخرى ذات علاقة بالسلم والأمن الاجتماعي. فهي فوضى منظمة تعتمد على العنف والتخريب بكونها تمثل أحد المفاتيح التي أنتجها العقل الاستعماري الحديث في التعامل مع العالم العربي ،وتذهب إلى اعتبار الاستقرار في العالم العربي عائقاً أساسياً أمام مصالحها ،حيث تنادي هذه النظرية إلى استخدام القوة والتخريب لإحداث التمزق في أوساط المجتمعات وتبني سياسة التهديد بالقوة التي لا شك في أنها تنتهي إلى تحقيق الهدف الأسمى بالنسبة لها وهو تفجير الأمن الداخلي للمجتمعات العربية ،كما تسعى إلى تأجيج مشاعر المناطقية والطائفية وتوظيفها في خلق الفوضى العارمة التي تنتهي كما قلنا إلى الاقتتال والتفتت لكل مكونات المجتمع وخير مثال على ذلك كل ما يجري اليوم من حولنا في عدة أقطار عربية شقيقة من أعمال عنف وشغب وقتل (مع احترامنا طبعاً لثورة الأحرار في تونس)،وتمزيق لدول إلى كيانات صغيرة يسهل ابتلاعها الواحدة تلو الأخرى.المشكلة في هذه الأحزاب أنها لم تستطع الارتقاء ببرامجها إلى الواقع الديمقراطي الذي يعيشه مجتمعنا اليمني، بل ظلت معارضة تنام بشكل عرضي على الشارع السياسي دون صحوة ..وارتضت لنفسها أن تظل منتجة للفوضى بل وأداة هدامة تنتشي كلما حققت نجاحاً في إشعال الفتن وإضرام الحرائق.حقيقة يؤسفنا أن يكون حديثنا عن تلك الأحزاب بهكذا عبارات ولكن ما السبيل في الارتقاء بهذه الأحزاب إلى مستوى الطموحات الوطنية.. المواطن لم يشعر بعد بأن لديه أحزاباً سعت ولو بنصف خطوة إلى المطالبة بحقوقه واستقراره بل بالعكس وجدها دوماً تدافع عن ذاتها المجردة من مصلحة المواطن،هي دوماً كالببغاء لا تجيد غير التقليد السلبي لما يحدث خارج الحدود دون أن تعي ماهية المتغيرات وأسباب ونتائج ما يحدث لمجتمع من المجتمعات ، وهذا في حقيقة الأمر يعكس الفراغ القيمي والمنهجي الذي تستند إليه في صياغة أدوارها الوطنية.لذلك فهي تتجاوز مصطلح حالة الفوضى الخلاقة غير أنها لا خلاقة ولا يحزنون- إلى الفوضى «الخراطة» المعتمدة على « الخرط» والتدليس واستفزاز كل القيم الاجتماعية المحققة للأمن والاستقرار.لذا فلن يكون لهم ما يريدون إلاَّ في حالة العودة الى رشدهم والعمل على إرساء القواعد الديمقراطية في منهجياتهم السلوكية والبرامجية والأدائية ،فيها فقط يمكنهم كسب الجماهير وتغيير ما يرون فيه ضرورة لتغييره ، وهذا لا يتأتى إلاَّ عبر صناديق الاقتراع والتي لم يتبق لها سوى شهرين ، تلك الصناديق التي ما زالت تفقدهم وعيهم المثخن بهواجس الفشل.نحن هنا نقول لهم: ليس من العيب أن تعترفوا بفشلكم، بل العيب استمراركم في العبث بمنجزات الوطن وأمنه واستقراره، وإن كنتم تريدونها فوضى فأنتم الجانون لنتائجها.
أخبار متعلقة