من الأشرف له أن يستقيل
لم يعد أحد سالماً من خطباء الجمعة بعد أن ازداد عدد المتطرفين بينهم ، ولم يعد هناك هم لخطباء الجمعة سوى التكفير والتحريض والتفسيق والتبديع والتضليل ، حتى تحولت المساجد إلى منابر حزبية وسياسية للرأي يتم فيها التحريض ضد الحكومة والوزراء والصحفيين والمثقفين والمفكرين ، وتطلق فيها الأحكام الجاهزة بتكفيرهم ، وقد يستمع إلى هؤلاء الخطباء بعض الجهلة فيذهبون لتصفية حياة نفس بريئة وهم يعتقدون أنهم أداوا فريضة دينية غائبة .مضت خمسة أعوام منذ أن تولى القاضي حمود الهتار منصب وزير الأوقاف والإرشاد، ومن يومها شهدت وزارة الأوقاف ومكاتبها ومساجد الجمهورية إبعاد عدد كبير من الدعاة والخطباء المعتدلين والوسطيين وتم استبدالهم بدعاة وخطباء سلفيين متشددين ومتطرفين من حزب التجمع اليمني للإصلاح وجماعات متطرفة أخرى ، كما جرى تمكين التيارات المتشددة من منابر الجوامع والمساجد التي شهدت انفلاتاً دعوياً حتى ارتفعت يد السلطة عنها بشكل كامل . كان الدكتور عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية محقاً عندما أرجع سبب التمرد الحوثي في صعدة إلى محاربة السلفيين وطلبة معهد دار الحديث بدماج لأبناء المذهب الزيدي ووصف أذانهم بأذان الكفار وقد تساءل الإرياني باستغراب : (( كيف يؤذن الكافر ؟ )) ، وفي مارس من العام الماضي قام فضيلة القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف والإرشاد باستجلاب محاضرين متشددين للجامع الكبير بصنعاء بغرض طمس الهوية الفكرية للمذهب الزيدي المعتدل والعقلاني ، في حين قام موظفو وزارته في محافظة ذمار بمنع الاحتفاء بالمولد النبوي بحجة أنه بدعة ، وقبل ذلك بعامين أحضر القاضي الهتار داعية نجدياً يحمل شهادة ( دكتوراة) إلى جامع العيدروس بمدينة عدن يحرض ضد الصوفية، أثناء غياب الشيخ الداعية الصوفي ابوبكر العدني المشهور ، الذي كان غير موجود في مدينة عدن حينها ، الأمر الذي كاد أن ينذر بفتنة مذهبية في هذه المدينة الآمنة التي يسودها التسامح .وقبل هذا كان الوزير الهتار قد أمضى وختم على قرار وزاري يقضي بإيقاف توظيف عدد من خريجات المعهد العالي للإرشاد كمرشدات في الوزارة حتى يأخذن دورة تدريبية لمدة ( 12 يوما ) في مركز تابع لجامعة الإيمان تعلمن فيها ما يمحو دروس الوسطية والاعتدال التي تعلمونها لأكثر من أربع سنوات في معهد الإرشاد ومن ضمن ما تم تدريسه لهن في تلك الدورة تحريم وتكفير تحديد سن آمن لزواج البنات وتحريم اشتغال المرأة في مناصب وزارية وقيادية في الدولة ، فيما كانت وسائل إعلامية قد تحدثت عن توزيع وزارة الأوقاف والإرشاد خلال عام ونصف من تولي القاضي الهتار ما يقارب ستمائة وعشرين مليون ريال على جمعيات ومؤسسات ومراكز دينية يمنية أغلبها ذات مناهج متطرفة . منذ فترة قريبة درج القاضي حمود الهتار في اجتماعات ولقاءات رسمية وغير رسمية على الاستماع لشكاوى عدد من وزراء الحكومة الذين يتعرضون منذ فترة لهجوم ظالم من عدد من خطباء المساجد ومنهم وزراء الإعلام والثقافة والعدل وغيرهم بسبب إجراءات يعتبرها المتطرفون خارجة عن تعاليم الدين ، لكن المدهش أن وزير الأوقاف اعتاد على تقديم رد بسيط على شكاوى الوزراء والصحفيين والمثقفين وهو: (( لم يعد لدي أي سلطة على المساجد )) !! . لا يمكن أن يقبل أحد من الوزير الهتار مثل هذا القول وهو الذي تم في عهده إبعاد وإزاحة عدد كبير من الدعاة والخطباء المعتدلين ، فيما تم على يده وبتوقيعه ابعاد عدد كبير من مدراء عموم المساجد في المحافظات .وعليه فمن حق القاضي الهتار أن يعلن أنه لم يعد لديه سلطة على ضبط المساجد بعد أن أجرى تغييرات واسعة بدءاً من ديوان الوزارة التي تم تغيير جميع وكلائها بالكامل بعد أيام من تعيينه مروراً بمدراء عدد من مكاتب الأوقاف ومدراء عموم المساجد وانتهاء بأئمة وخطباء المساجد في عموم المحافظات .. ولكن من حقنا أن نقول له : إذا كنت غير قادر على ممارسة مهامك، فمن واجبك أن تستقيل وتدع الفرصة لغيرك كي يقوم بإصلاح ما أفسده الهتار .