مع الاحداث
إن المجتمع مكون من أفراد ،فصلاح الأفراد هو صلاح المجتمع،وكل توجيه للفرد إنما هو توجيه صحيح للحياة العامة.فإذا استطعنا ان نجعل من التاريخ مهدبا لا تجاهات الفرد،ووازعاً وصاقلاً لطباعه،فإننا بذلك سنكون قد أخذنا من التاريخ ما يفيد في الحياة العامة وفي المجتمع.*وقد قال جوزيف ويستلي((إن التاريخ هو الذي يكون رجل الدولة القادر،والمواطن الصالح)).كما يتحدث ابن خلدون عن التاريخ،فيقول:((إنه شريف الغاية،إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم،والأنبياء في سيرهم،والملوك في دولهم وسياستهم،حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك من يروقه في أحوال الدين والدنيا)).*ولذلك عندما يريد علماء الاجتماع أن يحددوا معنى الأمة،وأن يدلوا على العناصر التي يمكن معها أن يطلق على فريق من الناس اسم الأمة،نراهم لا يجدون أفضل من القول إن الأمة هي التي اتحد أفرادها في الآلام والآمال.ولن يوجد آمال الأمة،ويوضح أهدافها،ويجلو أمانيها،كالتاريخ ومن هنا نرى ما للتاريخ من أثر في حياتنا الوطنية وتعاملنا القومي.*وإذا كان هذا هو عمل التاريخ وطنياً وقومياً فإنه يشمل الإنسانية كلها.إن التاريخ ليس دعوة إلى التعصب الضيق،ولكنه انطلاق الفكر في الأجواء الرحبة.إن العقل كلما تمعن في التاريخ بعد عن التقلص والإنكماش،وقرب من الشعور الإنساني المترفع.*خلاصة القول،إن التاريخ تربية وعلم ورسالة،وهو سيف ذو حدين،قد يغدو شراً على الأمة إذا لم يحسن استعماله ولا نقصد بذلك أننا نريد فرض توجيه تاريخي معين،فذلك ما لا ندعو إليه،وإنما ندعو إلى أن لا ننحرف بالتاريخ عن الطريق السوي،فينقلب التاريخ من هاد إلى مضلل،ومن مقرَّب إلى مبعد.