قد كان محقاً عندما وصف عضو مجلس النواب العراقي عن كتلة « التحالف الكردستاني» محمود عثمان ما يجري في العراق بأن «الدولة أصبحت دولة كتل وليست مؤسسات»، ولعل سبب ذلك يعود إلى أن ما تشهده الساحة السياسية العراقية هو التجاوز الذي طال الدستور في مقابل الخضوع للتوافقات بين الكتل السياسية الذي لم يزد إلا من حالة التفاقم والتأزم بين مكوناتها. والحق بالفعل أن الكتل السياسية وتعنتها لم يقف في حدود اللعبة السياسية إنما امتد لتشويه صورة الديمقراطية المنشودة أيضاً. وهذا ما عبر عنه جلياً السيد عادل عبد المهدي عندما أكد أن المشكلة في تأخير تشكيل الحكومة ليست في العهود والأوراق والعقود، بل في هل ننتقل إلى العمل المؤسساتي أم نبقى في إطار تفسير الفرد؟ وإذا كانت هناك مؤسسات فهي الفخامة لمنع الديكتاتورية. وما يجري اليوم هو تكالب على الدولة للسيطرة على مقوماتها واستغلالها وتكريسها لخدمة الذات وهوما يعاكس المفاهيم الديمقراطية.وهذه الكتل التي ما تنفك تشوه صورة الديمقراطية التوافقية و تظهر على أنها لم تتناسب مع المكونات السياسية العراقية، عجزت عن لمّ شمل العراقيين بانفتاح بعضها على البعض بسهولة وبيسر. ولعل هذا مرتبط بشكل مباشر بالثقافة السياسية والمعرفية لدى نخبة المكونات للفسيفساء العراقي. لذا من البديهي أن تبدو الأمور في كل دورة انتخابية وكأن هذه المكونات في بداية مرحلة جديدة من البناء وكأنهم للتو يستعدون للخوض في غمار الديمقراطية، وكأن السنين التي مرت ذهبت هباءً منثوراً ولم تفعل فعلها في النحت على الخارطة السياسية للساسة العراقيين. وهذا ما نراه ونلمسه لدى الإخوة العراقيين الذين بشروا متابعيهم و مريديهم بأن الحكومة العراقية الجديدة ستتشكل في يوم كذا وكذا، وهذه البشرى طبعاً تأتت حين تتم اللقاءات بين الكتلتين الفائزتين «العراقية» التي يرأسها إياد علاوي، و»دولة القانون» التي يرأسها نوري المالكي، وبالمقابل نجد أن تلكؤ تشكيل الحكومة سببه الأول والأخير المزاج السياسي للكتلتين المتمسكتين بالمصالح الآنية حتى وإن كان الأمر على حساب مصالح الشعب العراقي الذي ما انفك يعاني من حالة القلق والتوتر والتشتت الذهني والمصيري.في كل الأحوال يبدو أن لدى العراقيين صبراً طويلاً وإلا لما انتظروا طويلا على جور نظام صدام حسين حتى أتت الولايات المتحدة من آلاف الأميال لتحررهم من النير الذي هد رقابهم وتستبدله بنير يلائم العصر وربما هذا أضعف الإيمان. و لكن هذه المرة لن يكون الصبر مفتاحا للفرج كما يقول المثل، لربما هذه المرة جلب الصبر ويلات عدة على رؤوس العراقيين وهم يراوحون في مكانهم بانتظار فك أزمة تشكيل حكومتهم بقدرة قادر، و مع أن تشكيل هذه الحكومة مثل عدمها لأن الأطراف التي تخسر في الظفر بكرسي رئاسة الوزراء ستعمل عاجلا أم آجلا على إفشال الحكومة وهي ستتصرف على الأغلب بروح انتقامية وعدائية أكثر من وقوفها إلى جانب الحكومة في تأسيس أو تعزيز بنية الدولة حتى تستطيع هذه الدولة الحفاظ على سيادتها وتحمي حدودها من التجاوزات الإقليمية سواء أكانت مصدر هذه التجاوزات إيرانية أو تركية.ومن الملاحظ أن النخبة السياسية العراقية عندما وضعت قوانين الحكم ودساتيرها لم يكن لهم من الصبر ليمعنوا فيها ويدققوا في حيثياتها، فأتت هذه القوانين بشكل ارتجالي ولازمت سجالاً عقيماً لم يفض بالنهاية إلى حالة جنينية يمكن أن تلد في المستقبل مولوداً صحيحاً غير ذي عاهة، لذا ساد الغمز واللمز بين الكتل وبدت الأزمة أزمة قوانين مازالت نيئة ولم تستو بعد على نار التجربة وبان ذلك جليا من خلال عجز المؤسسات الدستورية عن القول إن الكتلة الفائزة هي كتلة « العراقية»، وبالتالي من حق هذه الكتلة تشكيل الحكومة ومباشرة العمل بها خصوصا وأن هذا البلد أمام استحقاق وطني كبير. وهو ما العمل بعد جلاء القوات الأمريكية؟وماذا ستفعل الحكومة بشأن دمج القوى الشعبية وغيرها من المؤسسات ضمن هيكل الدولة لتأخذ صفة الشرعية والوصول إلى اتفاق مديد العمر بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق حول النفط والبشمركة وتوزيع الصلاحيات؟ لا تبدو الكتل الفائزة بالانتخابات مؤمنة بشكل كبير بالديمقراطية، ولعل هذا جلي و بين من خلال جهة تشبثها بالسلطة. في هذه الحالة يبدو أن لب الديمقراطية يفرغ من محتواها ولا يبدو تداول السلطة سليماً.وبقي القول أنهم (العراقيين) يظهرون بمظهر ديمقراطي ولا يستطيع أي طرف أن يقبل على نفسه أن يوضع في خانة المعارضة، والطرف الفائز وحده يشكل الحكومة، والواضح منذ الآن أن لا ديمقراطية توافقية مناسبة في ظل الأمية الثقافية بمفاهيم الديمقراطية. ويبدو الكل غير مهتم بمستقبل الشعب الذي تحدى الموت وذهب إلى صناديق الانتخابات متمنياً من وراء ذلك جلب الاستقرار والأمن وإعادة روح الدولة لا أن يساهم في إبراز وتضخيم الصورة الهشة الحقيقية للنخبة السياسية كما نراها اليوم.[c1]المقال منشور بالتعاون مع مشروع منبر الحريةwww.minbaralhurriyya.orgكاتب سوري[/c]
العراق .. من دولة المؤسسات إلى دولة الكتل
أخبار متعلقة