قبل فترة نشرت رسالة موجهة من والد لوزير التربية والتعليم ، يتحدث فيها عن مأزقه أمام سؤال طفله "بابا يعني أنا لازم أكره كل الناس اللي مو مسلمين" ؟اليوم أكمن في نفس المأزق ، أعني مأزق أطفالنا وتعلمهم "كراهية الآخر" المختلف معنا عقديا ، بعد أن عسف التأويل ، أو ألغي سبب نزول الآية ، وما الذي أدت إليه ثقافة الكراهية المطلقة ؟ فمن جهة العقل الذي تم تأسيسه على "كراهية الآخر" بشكل مطلق ، أصبح مأزوما ، فكيف يتعامل هذا العقل مع النائب في مجلس العموم البريطاني "جورج غالاوي" الذي أبهر جل المسلمين وهو يتحدث تحت قبة الكونغرس ويعلن بصريح العبارة رأيه في الحرب العراقية وأن سكان البيت الأبيض ما هم إلا صهاينة ومحافظون جدد ، ومضللون ومحتالون ومزيفيو حقائق ، وتلاميذ فاشلون ، وأن حكم بوش وبلير حكم الغوغاء المحبين للحرب والقتل .هذا العقل الذي تم ملؤه ـ وقبل الوعي ـ بمقدس "كراهية الآخر" كيف يمكن له حل مأزقه مع أولئك الذين بدؤوا يمشون بمظاهرات تطالب البيت الأبيض بسحب الجيش الأمريكي من العراق ، وتلك المظاهرات المؤيدة للحق الفلسطيني؟وقبل هذا ما الذي سيفعله "غالاوي" والرافضون لاحتلال العراق ومن يؤيدون قضيتنا ، إن قيل لهم إن المسلم حسم أمره معكم دون النظر لأفعالكم ، فهو منذ البداية يعلن عن كراهية مطلقة لا تفرق بين من يقف معه ومن يقف ضده ، مع أنها تفرق بين القتلة من الجيش الأمريكي والقتلة من القاعدة ؟هذا على مستوى الخارج ، أعني علاقة هذا العقل بالآخر المختلف عنه عقديا وإن لم يختلف معه في رؤية العدل ، ولكن ماذا عن الداخل ، أو ما الذي تؤسسه ثقافة تعليم الكراهية في المجتمع ؟إن تأسيس العقل على "كراهية الآخر" ، يعني تأسيس العقل على كراهية من يخالفك بغض النظر هل هو يخالفك في العقيدة أو يخالفك في فهم الإسلام أو يخالفك في التفسير والتأويل ، أو حتى في رؤيته لأحداث تاريخية "كما حدث في مسلسل الملك فاروق" .وأظن الكثير شاهد وتابع ما الذي يحدث حين يبدأ الحوار بين طرفين في السعودية أو في العالم العربي ، فهو يبدأ باختلاف على فكرة ما ، ثم يمضي وكعادته إلى رغبة في تدمير الآخر ، لأن العقل تم تأسيسه على ثقافة الكراهية ، كراهية كل من يختلف معه "أي يختلف مع هذا العقل المؤسس على كراهية الآخر" .خلاصة القول : إن الكراهية لا تحتاج لمعلم ، ففي النهاية سيكبر هذا الطفل/الطفلة وستتصادم مصالحهم مع الآخر بالداخل وفي الخارج ، وسيتعلم الإنسان الكراهية وبسهولة ودون معلم .لهذا ما يحتاجه الطفل أن يحب معتقده "الإسلام" دون كراهية لمعتقد الآخر ، وأن يؤسس عقله على أن يمنطق الأمور ، وأن يرفض ويعارض الظلم والظالم ، يرفض ويعارض من يضطهد الناس ويسرق ويزور ويقتل ، دون أن يسأل عن ماهية عقيدة هذا الظالم .إن مشكلة بعض الذين يقومون بكتابة مناهج الأطفال لا ينتبهون أن تأسيس المقدسات يحدث قبل الوعي ، لهذا هو يذهب في اللاوعي ويسيطر على الانفعالات النفسية للفرد ، بمعنى أننا حين نعلم الطفل قبل وعيه رمز "كراهية الآخر" ، نحن لا نزود الطفل بالمضمون فقط ، وإنما أيضا بالاتجاهات نحو السلوك ، وبهذا يتحدد اتجاهه السلوكي نحو الأشخاص دون أن يختبر مبادئهم وقيمهم ، وهل هم يؤيدون قضيته أم ضدها ؟وبهذه الآلية ، أعني آلية تعليم "الكراهية" كان من الطبيعي أن نقرأ في الصحف ونسمع في نشرات الأخبار ، مع كل تفجير ل(لقاعدة) في أي مكان أن هناك شابا سعوديا مشاركا مع (القاعدة )، لأن المنهج لم يؤسس له عقلا منطقيا ، يفرق بين الخير والشر ، يفرق بين الظلم والعدل ، بل أسس له عقل يقيم الأمور من خلال الحب والكراهية ، ومن يحمل معتقده يحبه وإن كان يقتل الأبرياء ، ومن يخالف معتقده ، يكرهه وإن كان يدافع عن قضيته .كان من الطبيعي أن يموت الحوار في المجتمع ، لأن الرأي الآخر إن لم يكن صدى لهذا العقل الكاره لمن يختلف معه ، فهو فاسق ومتزندق أو ظلامي إسلاماوي لا بد من الحجر عليه أو نفيه خارج المجتمع أو خارج الحياة .[c1]* صحفي سعودي[/c]
هل يحتاج أطفالنا ثقافة الكراهية ؟
أخبار متعلقة