(جوا)
بعيداً عن «سريالية الواقع» ، بثقافة نثر الزهور ونقش قانٍ على الجبهة، تستقبلك (( غوا )) الإمارة الهندية الصغيرة التي رزحت تحت الاستعمار البرتغالي. تقع” غوا” على الساحل الغربي للهند في منطقة “ كونكان “ ، وتحدها ولايتا “ ماهاراشترا “ و” كارنتاكا “ فيما يشكل بحر العرب واجهتها الغربية.البراري في رحم البيوت وليس العكس، هذا ما تدهش له العين حيث اللغة لونية بحرارة التوابل وأريج المانجا. هذه المنطقة غير مخصصة لعشاق سياحة رفيعة الترف. فجوا منطقة حارة بمناخها وحادة ببساطتها. ولعل تشارك وقع زيارتها بمثابة تشاطر قراءة كتاب غير متكلّف الزخرف، إنما يحتبس أزمنة من الثراء الروحي والثقافي. حشد من الاستقبالات يطالعك لحظة الوصول إلى مطار دابوليم في ولاية جوا.. وهناك يعتبر منتجع «زوري» الرمال البيضاء الخيار الأمثل والأقرب بعد رحلة طويلة، حيث الخيال والرمل مسحوق أبيض. فموقعه على ضفاف شاطئ فاركا يجسد روح جوا الحقيقية ونكهتها التي تعتبر ملاذا آسراً لكل الحواس. هنا على تلك الصخور الترابية اللون يمرح الغربان. دعكَ من الرمزية وتذكر ما تعنيه البومة للأديبة الرائعة غادة السمان (( هجرت الغربان سماء المساء، غرّدت في غابتها النهارية، نثرت نعيقها الجذاب في لوحة هندية مبللة بالماء)). تفترش الفناءات المزركشة والتعريشات الشاهقة منتجع «زوري» . ممرات نباتية ومائية، بساط الشاطئ (عشر كيلومترات) الأبيض يرسي ثنائية متطرفة مع الصخور البركانية السوداء والمراكب الخشبية”.وفي المدينة الرائعة تأسرك مزرعة التوابل المدارية في بوندا، ولا عجب أن تكون البرتغال قد غزت جوا من أجل التوابل، فهنا عالم من الخضرة المحتبسة لروائع وروائح لونية بالألوان الأصفر والأحمر والأبيض. هنا الهندي مانيني يأخذك إلى عالم يرتقي بدهشة مع أعمار تلك الأشجار المحتسبة بعدد الحلقات التي ترقّطها.وتفوح رائحة الهال والفانيلا من الأرض والبنات، نعيق الغربان نهيم الفيل وطنين النحلة وزفاح قرد وحفيف فياض يحتسي الحواس عطاء الطبيعة. كنوز لا تراها العين بل تشعر بها بعدالة دامغة، فالجمال الكامن هو الأعمق في الذاكرة. نزهة منعشة في المزرعة، تحسس روحانية «أرتي» الهندوسية وإنقشي صباغ «الكمكم »، تقليد هندي للقدوم الميمون ورمز تقدير واحترام للزائر.