مع الاحداث
لا أدرى حقيقة إن كان علي أن أتفاءل حين أقرأ مقالة عن المرأة بقلم ذكوري أو رجالي أم أن أتشاءم؟ خصوصاً إذا كانت المقالة دفاعاً عن المرأة، أقول مقالة رجل للدفاع عن حقوق المرأة، لأن أكثر ما يخيفني هو الرجل المدافع عن حقوق المرأةسواء في الندوات وأمام الكاميرات ومن على المنابر، أو بالمقالات، وخصوصاً الرجل الشرقي الذي يمتاز بازدواجية واضحة في هذا المجال، لأنك لو تدخل بيت هذا الرجل ستجد أنه هو الآمر الناهي وسى السيد كما يقول المصريون ولن تجد أي أثر لتطبيقات عملية لكلامه الرنان عن المرأة، في مقالاته أو ندواته بين جدران بيته، فبيت هذا النوع من الرجال هو أنظف ما يكون من أي بيت آخر من كل أنواع الصداع والأمراض التي يصابون بها الرجال بسبب امرأة قريبة منهم، قوية الشخصية تمكنت من انتزاع البعض من حقوقها وتدافع عنها.. فالمقالة التي تهاجم المرأة أو تنتقص من قيمتها الإنسانية لا تخيفني كثيراً لأن رسالة الكاتب تكون واضحة وبدون رتوش، ولا تحمل اى تفسير أو تأويل وتأتى طبيعية جداً، لكن الخوف كل الخوف من المقالة المحملة بشعارات وبآراء ذكورية ضبابية، لا يعلم الهدف من وراءها سوى الله. فكما قلت في مقالة أخرى قبل فترة أن الرجال في الشرق يفضلون في النهاية المرأة الساذجة شريكة لحياتهم..ربما علي أن أتفاءل أو أن أهلهل، لكون أن هناك رجل يكتب عن المرأة، لكنني في النهاية عندما أعود إلى نفس النقطة التي نختلف عليها، أو أختلف عليها أنا غالباً مع المثقفين الرجال، وهى نظرية الرجل الذي يدافع عن حقوق المرأة، حيث أنني لا أثق كثيراً بالرجل الذي يتكلم كثيراً عن المرأة، ويطلق شعارات وكلاماً منمقاً عنها، لأنه ليس هناك رجل في الشرق يعنى بكل كلامه عن حقوق المرأة زوجته وشريكة حياته، يعنى بها كل نساء الكون سوى زوجته وأخته وأمه، فهو يطرح تلك النساء من كل نساء العالم ويسقطهن من نظرياته في الدفاع عن المرأة، تماماً كما أنني لا أثق بالمرأة الصامتة التي تدعى أنها تمتلك حقوقها كاملة، إذ لا وجود لامرأة في الشرق تمتلك حقوقها كاملة وتتمكن من أن تلقن غيرها من النساء درساً حقيقياً في كيفية انتزاع حقوقها، وإذ أنني أقيس الاثنين بمقياس واحد !! الرجل الذي يتكلم ولا يطبق، والمرأة الصامتة التي تكون غالباً سلبية وتبرر أو تؤكد بذلك سطوة رجل في حياتها وكأنها تتناول دواء النسيان، هذا ليس تشاؤماً ، ربما هو استنتاج خاطئ في نظر البعض.. فنظرية الرجل هي أنه هو مركز القوة والسلطات والقرار وهو نقطة الانطلاق والمرجع الأسري والإجتماعى، والمرأة تدور حوله وتتبعه، وتستلهم منه، وتتزود بقوته، وتستعين به، وتستقوي به، وتتنور بنوره، وتتبرك ببركته، تستسمحه إذا لزم الأمر وتنتظر كرمه ورحمته، وعليها أن تختلق التبريرات المقيتة لوجوده غير المرغوب فيه في حياتها، وتستمد منه مقومات شخصيتها وتكون حين يكون هو، وتدفن نفسها حين يغيب من حياتها، أي باختصار أنها التابع والملحق والثاني والفرع وكل شيء يأتي بالمرتبة الثانية من بعد الرجل، فكيف لي أن أصدق أن هذا الكائن قد يدافع عن المرأة بنفس القوة التي قد يدافع بها عن قضية تخصهً كرجل؟من الأعمدة اليومية الثابتة التي أواضب على متابعتها وقراءتها تقريباً بشكل يومي هو عمود الكاتب الكوردى سردار عبد الله (أبعاد)، الذي أقرأه مع أعمدة أخرى لكبار الكتاب كورد وعرب أمثال الأساتذة فرياد رواندزى وجهاد الخازن، د. فاتح عبدالسلام وغيرهم، حيث يتناول في موضوع عموده ليوم 14 نوفمبر قضية المشاركة السياسية للمرأة، والتي يقول فيها أن مشاركة المرأة في الشأن السياسي ليست مقياس تطور المجتمع ويذكر في سياق الموضوع النموذج العراقي والكويتي ويشير إلى التجربة البنجلاديشية التي يؤكد من خلالها على أن الكثير من دول الغرب المتميزة بتطورها ورقى مكانة المرأة فيها، إلا أن المرأة لا تلعب دورها الحقيقي في المجال السياسي، وينهى مقالته بأنه لايمكن لأحد أن يدعى إن الشرق الآسيوي أكثر تقدما وتطورا من أوربا الغربية ومن أمريكا، ذلك لأن غالبية هذه الدول تفتقر إلى الحضور النسوى الفعال في المجال السياسي..بطبيعة الحال فإن ما ذكرته في مقدمة المقال لا أعنى به الكاتب سردار عبدالله شخصياً، لأنني لا أعرفه بشكل شخصي، بالعكس فاني أشد على يديه أيضا على هذه الآراء الجميلة، لكنني بحيلة أنثوية اتخذت من مقالته ذريعة للدخول والخوض في قضية تشغلني أو تبرير لمقالتي هذه، التي ربما لا أحتاج في كل الأحوال إلى أن أتطرق إليه من خلال مقالة ما، لكنني تعمدت أن أفتح هذا الملف من مقالة رجل كتب عن المرأة وخصوصاً عن حقوقها السياسية التي هي من أهم ما تطالب به النساء في العالم الثالث، رغم أنه ليس آخر ما يطالبن به من حقوق، لأنه في النهاية ما ورد في هذه المقالة تعبر عن رأيي الشخصي وحتى أنني لا أعممه على كل رجال الكون، فهناك استثناءات، لكنهم قليلون، ربما يكون صاحب المقالة المذكورة هو أحد هذه الاستثناءات..أتفق مع الكاتب أن المشاركة السياسية للمرأة ليست المقياس الأوحد الذي نقيس به تطور المجتمع، ولكن أتساءل هل أن المشاركة السياسية للمرأة هي نهاية حقوق المرأة؟ أو هي قمة حقوقها؟ وهل أن المرأة التي تمكنت من دخول المعترك السياسي تكون قد نالت حقوقها واحترامها من الرجل كاملاً؟ ألا تتعرض المرأة الناشطة سياسياً والمرأة التي تتقلد مناصب حكومية إلى الإهانة من قبل رجل ما في حياتها؟ فقبل قراءتى لمقالة سردار بيوم واحد قرأت فى وسائل الإعلام خبراً مفاده أن الوزيرة الموريتانية أميانه صو محمد كاتبة الدولة المكلفة بوزارة التقنايات الجديدة قد تعرضت إلى ضرب مبرح من قبل زوجها، والغريب في الموضوع أنه يأتي في سياق الخبر أن المجتمع الموريتاني هو من المجتمعات الذي تنعدم فيه تقريباً ظاهرة ضرب النساء، لكن مع ذلك لم تشفع وزارة التقنيات التي تتولاها أميانه صو محمد لها ولم تخلصها من أنياب رجل يهوى تشويه المرأة جسدياً وثقافياً وإنسانياً...الخإذا لا المشاركة السياسية هي نهاية مطاف حقوق المرأة ولا هي المقياس الأوحد لقياس مدى تطور المجتمع، ولا حتى أن خلو مجتمع مثل المجتمع الموريتاني من ظاهرة ضرب النساء يعنى أن الرجال في موريتانيا يحترمون نساءهم، فهناك مجتمعات لا تخلوا من ظاهرة العنف الأسري والضرب المبرح للنساء، ولا حتى أن المشاركة السياسية للمرأة كفيلة بعلاج المجتمع من داء التخلف الحضاري والمد الديني المتخلف..المشكلة تكمن في عقلية الرجل، والفكر الذكورى الذي يحمله المجتمع برجاله ونسائه ، وتجذره وانتقاله عبر الأجيال، والأدهى من ذلك في عقلية البعض من النساء المقتنعات بحتمية سيطرة الرجل على زمام المجتمع أو ربما استسلامها لهذا الواقع، كتبرير لعدم قدرتها على القيادة في المجتمع..و ما قبول النساء بنسبة 25% من عضوية البرلمان في الحكومة العراقية إلا استسلام لواقع رسمه لهن الرجل بريشته الذكورية..المهم اننى لا أقف ضد ما يقوله الكاتب في مقالته جملة وتفصيلاً إلا أنني أصاب بالذعر فقط من رجل - أي رجل كان- يتكلم خارج منزله ويردد شعارات وما أن يصل إلى عتبة الدار حتى يخفيها وراء الباب، حتى يعود ليحملها في طريق خروجه في اليوم الثاني.المهم أن مقالتي هذه لم تكن انتقادا لمقالة سردار عبدالله، وإنما هي تأكيد على الأقل على أننا نحن معشر النساء لسنا سطحيات في مطالبتنا بحقوقنا وتناولنا لقضية هي من صميم واجبنا الإنساني والأخلاقي قبل أن يكون واجب رجل لا يؤمن بحرية المرأة حتى في مطالبتها بحقوقها داخل منزلها، وإنما الرجال هم الذين يطلقون الشعارات السطحية ويقترحون الحلول السطحية لقضية المرأة وفق نظرية التآمر ضد كائن لا يقل عنهم بشيء، فمقالتي هذه هي تعقيب أو إضافة وتعبير عن مخاوف امرأة من نظرية رجل شرقي - اى رجل كان - يدافع عن حقوق المرأة..[c1]* عن/ (الاهالي ) المصرية[/c]