التهنئة في الأفراح، والتعزية في الأحزان، من سنن الإيمان.. ومن الأخلاق الكريمة التي أقرها الإسلام! وفيها تعبير بالغ عن وحدة المشاعر الإنسانية التي تشتبك في مناسباتها المختلفة.. وفي الإسلام أصبح من حق المسلم على المسلم أن يهنئه في أفراحه، ويعزيه في أحزانه! وفائدة التهنئة في الافراح إحساس المستحق بانه كثير بإخوانه، وان يد الله مع الجماعة.. وان تآلف قلوب المحبين من مرضاة الله! كما ان فائدة التعزية في المصيبة هي التخفيف عن المصاب، وشعوره باهتمام الآخرين به من حوله في ظرفه المنكوب، فيجد العون على الصبر، ويظفر بالأجر الذي وعدبه الله الصابرين.والمتخلف عن العزاء - بدون عذر- احمق او مغرور بطول الأمل! وواهم بالأمن من البلاء ونوائب الدهر ! وانما يتسارع الناس الى واجب العزاء نفياً عن انفسهم هذه الحماقة والغرور!!واحسن عزاء وقفت عليه، ما قرأته ان اعرابياً دخل على ابن عباس - رضي الله عنه- يعزيه بوفاة أبيه العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- فقال:اصبر، نكن بك صابرين، فإنما[c1] *** [/c]صبر الرعية عند صبر الراسِخير من العباس صبرك بعده[c1] *** [/c]والله خير منك للعباس!فقال ابن عباس: ما عزاني احد خيراً من تعزيته، فكان أجمل عزاء.والاسترحام على المسلم اذا مات، والدعاء له بالعفو والغفران لما سلف منه من أعمال، هو السنة التي عليها أهل الاسلام.واذا كان مصير كل امرئ في الآخرة هو من الغيب المستحيل ادراكه في الدنيا، فانه من الحماقة بمكان ان يعلق احد الدعاء بالرحمة والعفو على مشيئة الله تعالى، وفي الحديث الصحيح يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت وارحمني إن شئت، ولكن ليقل: اللهم اغفر لي وارحمني.. وليعزم المسألة”.واعتقد انه لذلك اطلق الناس على الميت صفة (المرحوم) أو (المغفور له) وهما جملتان لا تفيدان - بالضرورة- الرحمة او المغفرة المقطوع بها جزماً وحتماً، لان ذلك من الغيب، ولكن فيهما حذف بلاغي، يفهم من الكلام العربي بالضرورة وتقديره: المدعو له بالرحمة او المسؤول له الرحمة وذلك في قولنا: المرحوم.والآن استطيع القول انني لم اجد سبباً مقنعاً لما طرأ على تعاطي التعازي في وسائل الاعلام منذ مطلع التسعينيات، منذ تمدد النفوذ الوهابي السلفي في المنطقة أثناء التصدير لرسائل التعازي بقولهم: المغفور له (بإذن الله)(!!) او المرحوم (بإذن الله) وهو تعبير لم يزل يتردد في النفس منه شيء لما فيه من ريح البدعة والضلال، إلا اذا جاز ان نقول: اللهم اغفر له إن شئت وأذنت، او اللهم ارحمه ان شئت وأذنت(!) وهو دعاء غير مسموع على امتداد الإسلام، فضلاً عن ورود النهي عنه كما في الحديث الصحيح الذي صدرت به هذا المقال.واحسب -والله اعلم- ان اشكالية استدراك جملة ( إن شئت ) او (بإذنه) نشأت من التفكير القاصر والتأمل السطحي الناقص في جملة المغفور له فتم التعامل معها بتصور من رآها جزماً وحتماً وهذا ليس سليماً كما نبهت اليه آنفاً، اذ ان التعامل مع هذا التعبير هو عين التعامل مع تعبيرنا عن الدعاء له او عليه فنقول للظالمين: قصمه الله، وقطع الله يده، وزلزله وأكبه في نار جهنم، وانما نريد من ذلك الدعاء عليه ليس غير.ونقول للمريض والمظلوم: شفاه الله وعافاه ونصره وأيده وكان معه حيثما كان. وانما نريد بذلك الدعاء له لا غير، واذا جاز تحوير ذلك بقولنا عن الظالم المدعو له بالخذلان: المخذول او المقطوع او المقصوم ظهره وجاز ان نقول عن المحبوب: المنصور والمؤيد والمعافى والآمن على سبيل الدعاء جاز كذلك ان نقول: المغفور له او المرحوم في الميت ولا يجوز تعليق ذلك على المشيئة كما ورد النهي عن ذلك فنقول المغفور له ان شاء الله او بإذن الله او نقول المرحوم ان شاء الله او بإذن الله! لان علينا الدعاء ومن الله الاجابة ويجب علينا ان نحسن الظن بالله عز وجل فان استجاب دعانا فمن فضله عز وجل وان لم يستجب فمن انفسنا والله المستعان.ان الموت هو طريق الناس اجمعين الى مستقرهم الاخير، ولذلك قال الحكماء: ان الانسان او الحي اول ما يخرج الى الوجود يبدأ رحلته الى الموت، فمنهم من يطول به الطريق ! ومنهم من ينتصف به ! ومنهم من يبلغه فوراً او باكراً وبهذا عبر القائل:مارى كل مولود، فللموت يولد[c1] *** [/c] ولست ارى حياً للحياة يخلدأو كما قال آخر:إلى الموت تلقي الوالدات سخالها[c1] *** [/c]كما لخراب الدهر تبنى العمائروالتعزية في الموت واجب انساني يعكس حضور صاحبه ظلاً في دائرة الاخلاق والمحامد، والاعتداء على هذا الواجب هو اعتداء على الاخلاق الانسانية باسرها ! لذا يتسابق الناس الى هذه المحمدة كلما رحلت عنهم قامة عزيزة عليهم او معروفة لديهم.. فحبذا لو ترك (التعساء) سوء اخلاقهم وتناسوها عند الموت لنستطيع الاحساس بهم كبشر!.رحل شرفاء وأعزاء وفضلاء ، فتكتمت الاخبار عنهم ، واصبح نعيهم او الترحم عليهم كثيراً عليهم والسبب انهم خصوم سياسة او خصوم مبادئ او خصوم عقائد، وكأن موتهم هو العقاب الذي يستحقونه وطال إنتظاره من عدوهم، وكأن عدوهم هذا لن يموت ولن يكون يوماً من اصحاب القبور، والله المستعان !
المغفور له ( بإذن الله ) !!
أخبار متعلقة