نبض القلم
لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - صفحات مشرقات في تاريخ الإسلام تضيء الطريق لأصحاب الفضائل ، والباحثين عن المثل العليا، لقد اعتنق الإسلام مبكراً وهو في سن سبع عشرة سنة ، وكان خال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإذا قدم على رسول الله وهو بين أصحابه يستقبله قائلاً: ( هذا خالي فليرني أمرؤ خاله) .وكانت له خصلتان يمتدح بهما ، فيقول عن نفسه: والله إني لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله ، وعنه قال علي بن أبي طالب : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفدي أحداً بأبويه إلا سعداً ، فإني سمعته يوم أحد يقول:( ارم سعد، فداك أبي وأمي) .لقد كان سعد مستجاب الدعوة ، إذا سأل الله شيئاً أعطاه ، وأنه عف اللسان ، وقد تنبأ له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة قيل عنه إنه الفارس يوم بدر ، والفارس يوم أحد ، والفارس في كل مشهد شهده مع رسول الله ، كان قد ولاه عمر بن الخطاب ولاية الكوفة ، ثم أرسل رجالاً يسألون أهلها عن رأيهم فيه ، فلم يدع الرسل مسجداً إلا وسألوا عنه ، وكان رأي الأهالي فيه إنه متواضع في حياته ، أسد في عرينه ، يعدل في القضية ، ويقسم بالسوية، ويسير بعيداً بالسرية ، ويعطف عليهم عطف الأم ببنيها ، وينقل إليهم حقهم كاملاً دون نقص ، وقد اجتمع رأيهم على صلاحه في الحكم ، باستثناء رجل واحد يقال له أسامة بن قتادة ويكنى أبا سعدة ، كان له رأي مخالف لما أجمع الناس عليه ، فقد وقف في مسجد لبني سعد أمام لجنة تقصي الحقائق في شكاوية بعث بها بعض أهل الكوفة في سعد بن أبي وقاص ، وقال في سعد كلاماً مخالفاً لما أجمع الناس عليه ، وفيه إجحاف ، وإنكار لكل ما فعله سعد من أعمال حسنة، وهو ما أدى إلى حدوث هرج و مرج في المسجد ، وكان سعد موجوداً في المسجد وقتها ، فما كان منه إلا أن يرفع يديه إلى السماء ويدعو على ابن قتادة بثلاث دعوات ، قائلاً ) اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياء وسمعة ، فأطل عمره ، وأطل فقره ، وعرضه للفتن ).وقد استجاب الله لدعاء سعد ، فكان بعد ذلك ابن قتادة يقول عن نفسه : شيخ كبير مفتون أصابته دعوة سعد وقال عبدالملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة : فأنا رأيته في شيخوخته وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وأنه يتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن ورغم الشكاية الكيدية التي رفعها بعض أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب بسعد بن أبي وقاص، فإن عمر عزله من الولاية، ولم تأخذه به هوادة، ولم ينظر لسابقته في الإسلام، ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن الغاية هي إنفاذ العمل النافع للناس، على يد أي كان من عماله، ولا يفتح للمسلمين باباً للشكوى، وذلك تحقيقاً لمبدأ( خير ضروب الإدارة أن يكون عمل العاملين فيها أكثر من قول القائلين) فمعيار الجودة في الإدارة هو التطبيق العملي لا اللفظي ، فإذا ما أدعى إنسان لنفسه مجموعة من الفضائل ينظر إلى مقدار تمرسه بها وممارسته لها، وحينئذ نطلق عليه صاحب الفضيلة. ونفهم من هذه الشكاية التي وجهت إلى سعد ببهتان وزور وباطل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يهملها وإنما حقق فيها وتحقق منها، وتبين له بعد ذلك أن معظم الناس أثنوا على سعد ومدحوه بما هو خير، لكن رجلاً واحداً منهم يكذب ويتحدث بالباطل قال عنه قولاً مخالفاً لما أجمع الناس عليه، وخلافاً لما عرف به سعد من جليل الصفات وعظائم الأعمال، وهو ما دفع سعد إلى أن يدعو على الكاذب المرائي أن يطيل الله في عمره وفقره ويعرضه للفتن، فاستجيبت دعواته، فأطال الله عمره مع فقر شديد وكان وهو كبير السن يتعرض للفتيات ويغمزهن، وفي ذلك ما يسقط مروءة الرجل، ويحط من قدره أمام الناس. ونتعلم من هذه الحكاية أنه لا ينبغي أن يفتري أحد على أحد، أو يسيء أحد من الناس إلى الآخرين ، فالذين يسيئون للناس بالباطل لن يتركهم الله ابدا والذين يتعرضون للضعفاء والمساكين بالأذى، فإن أفعالهم الشنعاء سترد عليهم إن عاجلاً أم آجلاً، وما أحقر الإنسان الذي يحاول بالدس والوشاية أن يرتفع، لا بقيمة فيه، وإنما بالضعف والذلة والمهانة. وما أحوجنا إلى أن ننظر إلى دعاء سعد بن أبي وقاص على ذلك الذي تحدث بالكذب في حقه نظرة تأمل واعتبار، ولما كان سعد مظلوماً ومفترى عليه فقد استجيبت دعوته، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( اتقوا دعوة المظلوم ). [c1]*خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]