عبدالرحمن السقاف
محمد محمود أحمدعبدالرحمن السقاف ، شاعر استنطق الوردة فوجد موضوعاً للحديث معها منذ اول ديوان له صدر عام 1980م وعرف بخبرته وملكته الشعرية لغة البحر ورطانته فخاطب كائناته في " دم الينابيع هذه رطانتي " اخر مجموعاته الشعرية ولازال حديث الوردة ودندنات سيدة الموج وغنائيات الشاعر عبدالرحمن السقاف موضوعات مثيرة للنقاش بعد اكثر من ثلاثة عقود على تجربته الشعرية المتجددة التي تثير الاسئلة وتحتمل الاجابات رغم اغوار "الشعرية " البعيدة الا على متناول القارئ الحصيف وصارت القصيدة الجديدة تحتمل عدة قراءات في آن واحد . في ندوة ثقافة كرست لقراءات في شعر عبدالرحمن السقاف وتكريمه في عيد ميلاده الخامس والخمسين وبمناسبة مرور اكثر من ثلاثة عقود على مسيرته الشعرية المتواصلة شهد منتدى باهيصمي الثقافي ندوة تكريمية للشاعر السقاف شارك فيها الادباء شوقي شفيق وعبدالرحمن السقاف وعبدالرحمن ابراهيم ومبارك سالمين وهاني جرادة والاستاذ علي حسن القاضي رئيس فرع اتحاد الادباء بمحافظة لحج وعدد من المثقفين والفنانين المعروفين . في البدء قدم الشاعر شوقي شفيق مداخلة ضافية بعنوان " العتبة والمتن " .. قراءة في نصوص عبدالرحمن السقاف . اشار في مستهلها الى مكانتة الشاعر المحتفى به مقدماً مساهمته في الاحتفاء به من خلال هذه القراءة الشعرية مشيراً الى اهمية القراءة في الدخول الى فضاءات النص واكتشاف اغواره وقال : لنبدأ بالعتبه .. فماذا نقصد بها .. العتبة هي " العنونة " وكل عنونة هي عتبة النص وبوابة الدخول اليه ولانها كذلك فهي تحيل الى التأويل ، تأويل المفردة وتعالقها مع المفردة / المفردات الاخرى ليصار الى بناء معنى او مجموعة من المعاني تتحول هي الاخرى الى دلالة / دلالات تمنح المتلقي مفتاحاً/ مفاتيح للولوج الى فضاءات النص ويفترض في " العنونة " ان تكون كذلك ويرتبط بالعنونة او العتبة مفهوم " المهيمنة " ويوضح ذلك قائلاً : المهيمنة مفهوم جديد يحيل الى الفكرة التي يتحرك النص حولها والمهيمنة عند بعض الدارسين والنقاد هي " البؤرة " و " النواة " او " الشعرية " او الدلالة الضمنية او " القيمة " او " كلمة السر ويشير الى ان هذه المفاهيمية ستكون دليله الى الدخول الى فضاءات النص . وفي نصوص عبدالرحمن السقاف في مجموعته " دم الينابيع .. هذه رطانتي " على وجه الخصوص قائلاً : لو بدأنا من عنونة المجموعة لتبين لنا " المهيمنة " التي تؤطر مجموع النصوص .. اقصد هنا " الينابيع ودمها " وفي المعجم : نبع الماء .. خرج والينبوع عين الماء ومنه قوله تعالى : حتى تفجر لنا من الارض ينبوعاً والجمع الينابيع على التكسير وان كان للينابيع ( دم ) فهو الماء اذن . في قراءة عبدالرحمن السقاف في مجموعته الشعرية هذه تتجلى لنا الفكرة الرئيسة في النصوص معظمها وهي الاحتفاء بالماء " وقد احصيت منذ العنونه الرئيسة للمجموعة وداخل النصوص ما يزيد على مئة مفردة تحيل الى الماء وتدل عليه وتتعالق معه خذ وامثلاً : " الينابيع - البحر - النهر - الغيمة - انهل - الندى - الدمع - الضفاف - يستحم - ارتشاف - الموج - صيرة - البجعات دفقات .. جدول الى اخره " هذه المفردات وغيرها اسميها كائنات مائية " يشتغل عليها السقاف وتمتلئ بها نصوصه وفي النص الواحد يحضر اكثر من كائن مائي . ويتساءل شوقي : لماذا هذا الاحتفاء بالماء عند السقاف ويضع احتمالات الاجابة : هل الاحتفاء بالماء وكائناته تعبير عن ميل الشاعر الى الصفاء والنقاء والظهر بوصف الماء رمزاً لهما ؟ او لان بيئة الشاعر تبدأ بالماء وتنتهي بالماء . ام لان الماء يحيل الى الرومانسية والى رقة الروح والاحساس التي ينماز بها عبدالرحمن السقاف الشاعر والانسان . ازعم ان هذه الملامح تجتمع في الشاعر وفي نصوصه . وينوه الاديب شوقي شفيق الى اهمية القراءة المتعمقة للنص الشعري معدداً ثلاثة انواع من القراءات عند تزفيتان تودروف " وهي : - 1- اسقاطية وهي تتجه الى المؤلف او المجتمع او شيء اخر يهم الناقد 2- تعليقية وهي التي تكتفي بالتفسير واعادة الصياغة . 3- شعرية وهي التي تبحث في المبادئ العامة المتجلية في النص وفي وظائف العنوان يرى رومان جاكلسون ان للعنوان وظائف انفعالية - مرجعية - انتباهية - جمالية - ميثالغوية . قررت في البدء ان الكائنات المائية هي " المهيمنة " التي يتوسلها عبدالرحمن السقاف في نصوصه الكائنات التي تتوافر عليها عتبات النصوص كلها . بيد انها منبثة في المتون فمن بين ( 28) عنواناً ورد الماء وكائناته في العنونات التالية : -1- البحر2- من ذاكرة الماء 3- صديقي النهر4- دم الينابيع هذه رطانتي ولقد يبد وجلياً انني اشتغل على الاحصائية وهي منهج من مناهج القراءة وان كان هذا المنهج لا يشتغل على البنية العميقة ولا يذهب الى الاغوار والقراءة فيما ازعم ينبغي لها ان تستكنه الاغوار . اخلص الى القول : ان دم الينابيع هذه رطانتي هو النص المركزي في المجموعة وقد سمى الشاعر مجموعته به . مالذي يجعلني اقرر ذلك ؟ ثمة عدة افتراضات اولاً : عنونة المجموعة به ثانياً : توافره على اربع حركات واضاءة ومدخل ومشهد وصورة أي اتساعه وتنوعه لكأني بالشاعر في النص جرى على ما جرى عليه مؤلفو السيمفونيات .. وهو وان لم يسم اجزاء النص كلها فانه من الواضح اعتماده على حركات السيمفونيه ، حيث المدخل التمهيدي يشوبه بعض الهدوء والانسيابية يتبعه تصاعد درامي تتناثر فيه الاسئلة هنا وهناك لكنها لا تتبعثر بل يشدها خيط درامي يرتفع ويعلو حتى اذا مر الى الان سنة ويزيد والسمكة لم تأت على ما يقول الشاعر في نهاية الحركة الرابعة تبدأ الرطانة الهادئة الرقيقة ويؤثث الشاعر مشهده ببكارة النبيذ والفراشة التي نبعت من غيمة الوقت . ويختتم سيمفونيته بالسؤال الذي رددته الاف الالسنة من قبل : اما آن للفارس ان يترجَّل ؟ .. ويقدم الشاعر شوقي شفيق جدولاً احصائياً بالمفردات التي تتعالق مع الماء او تحيل اليه في نصوص السقاف معلقاً بأن الاحتفاء بالماء يظل هو المهيمنة الرئيسة في نصوص المجموعة بما يحيل اليه من دلالات وترميزات ذات مستويات متعددة . ويقول الشاعر الباحث مبارك سالمين في مداخلته بان ذاكرته تختزن ومضات مضيئة لا تنسى تبرز فيها صورة الشاعر عبدالرحمن السقاف في عام 1971م تقريباً يلقى شعراً في المسرح الشعبي بمدينة المنصورة وقال : لا استطيع ان اذكر بالتحديد هل كانت قصيدته ام نصاً في عمل مسرحي غير ان السقاف بدا ممثلاً بارعاً وقال : انني اعترف بصدق ووفاء انني مدين للشاعر عبدالرحمن السقاف منذ ذلك الحين على اتجاه ميولي نحو الشعر . واضاف مبارك سالمين : عند الحديث عن السقاف فنحن امام شاعر كبير يقترب في مسيرته الابداعية من الاربعين عاماً وهي متواصلة فيما اعتقد حتى المائة عام باذن الله . ان ابرز ما علق بذاكرتي من خصائص شعرية لعبد الرحمن السقاف انه يتمتع بألق شعري متواصل ولعل ابرز ما يميزه هو اختيار عناوين دواوينه للوردة رأي ايضاً - دندنات لسيدة الموج - دم الينابيع هذه رطانتي - فهو ببراعة شاعر مهم كما يصفه رولان بارك انه يحيل الى الاضاءة والشفافية لا الى التعتيم ويركز على ما يضيء النص ولا اريد ان اتوسع لان شوقي اغنى الموضوع وفي عناوينه وفي ثنايا قصائده تلتحم تلك المفردات التي تحتاج اليها الشعر ولعل اهم هذه المفردات المتصلة بالصوفية او ذات الدلالة الصوفية في استخدامها الشعري الخاص . وتختلط الصوفية عند عبدالرحمن بسيريالية واضحة . ولعل نمط سريالية عبدالرحمن من ذلك النوع المتشح بالواقعية أي لا يغيب معها المعنى فهو يتجه دوماً الى الغموض الشفاف وليس الغموض الطلسمي او كما قال مايا كوفسكي " انها تحمل ضوءَ اخضر " . ولغة عبدالرحمن فيها من الاشراق مع استقامة الشعر بنفس سريالي صوفي في الآن ذاته . وعبدالرحمن منذ السبعينات كانت انحيازاته للشعر - انه ليس حضرمياً وليس لحجياً وليس عدنيا خالصاً ولم يصطبغ بأية صبغة محلية . انه ينتمي الى قبيلة " الشعراء " ويمكن ان اسميه وفقاً لعلم الاجتماع المعاصر : انه منتم الى الاثنيه " الشعرية " وبالعودة الى الديوان " " دم الينابيع " هذه الجملة الساخنة التي هي من كلمتين تضفي الحياة الى الينابيع ويظهر معنى جديد من هذا التركيب . فالجملة هنا فيها انزياح واضح في اللغة . وهذا هو الطابع الشعري لعبد الرحمن . كما يتسم عبدالرحمن في شعره بغنائية واضحة فالشعر مقوده الغناء - كما يقال . وهو حتى في مقاطعه النثرية تشعر انه يغني . وقدم الشاعر الناقد عبدالرحمن ابراهيم في الندوة التكريمية قراءة شعرية لقصيدة عبدالرحمن السقاف بعنوان " سلاماً.. عدن " ابرز فيها جماليات النص ، عند السقاف واعتماد اوزانه على تلك الجمل الموسيقية المنغمة مهما كانت تراكيبه اللفظية معقدة او سهلة فلغته تضفي قدراً من الاشراق الى النص وركز على البحور الشعرية القريبة الى نفس الشاعر كالمتدارك والمتقارب والكامل والرجز في بعض الاحيان . واختتمت الامسية بكلمات قصيرة من كل من الشاعر هاني جرادة وخالد قائد صالح وكلمة رئيس المنتدى الشاعر محمد سالم باهيصمي الذي قدم بعد الكلمة هدية تذكارية وشهادة من هيئة المنتدى بمناسبة مرور (35) عاماً من المسيرة الشعرية المتألقة لعبدالرحمن السقاف .