[c1]فوكوياما: النفوذ الأميركي في العالم يتضاءل[/c]اعترف أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين الأميركيين المعاصرين أن بعض مفاهيم الرأسمالية سقط مع انهيار كبرى الشركات في وول ستريت والذي تسبب في أكبر أزمة مالية يشهدها العالم منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.ففي مقال بعنوان «انهيار أميركا كمؤسسة» تنشره مجلة (نيوزويك) في عددها هذا الأسبوع, كتب فرانسيس فوكوياما يقول إن الولايات المتحدة لن تنعم بوضعها الذي ظلت تتمتع به حتى الآن كقوة مهيمنة على العالم, وهو ما أكده الغزو الروسي لجمهورية جورجيا في 7 أغسطس الماضي، وأضاف أن قدرة أميركا على صياغة الاقتصاد الدولي عبر الاتفاقيات التجارية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ستضعف وستتضاءل معها موارد البلاد المالية, كما أن المفاهيم والنصائح وحتى المعونات التي تقدمها للعالم لن تحظى بذلك الترحيب الذي تتلقاه الآن.غير أنه ما لبث أن استدرك قائلا إن الولايات المتحدة قادرة على استعادة نفوذها في نهاية المطاف, ذلك أن العالم سيعاني على الأرجح من انكماش اقتصادي وليس من الواضح أن النموذج الصيني أو الروسي سيصيب نجاحا ملموسا أفضل من الصيغة الأميركية.ويستلهم فوكوياما لدعم فكرته دروسا من ما وصفها بالنكسات الخطيرة التي لحقت بالاقتصاد في ثلاثينيات وسبعينيات القرن الماضي حيث تمكنت الولايات المتحدة من التعافي منها بفضل قابلية نظامها للتكيف ومرونة شعبها، على أن تعافي أميركا من الأزمة هذه المرة يتوقف على مدى براعتها في إحداث تغييرات جوهرية, يتمثل أولها في ضرورة الخروج من عباءة عصر الرئيس الأسبق رونالد ريغان فيما يتعلق بالضرائب ووضع الضوابط، ومع إقراره بأن خفض الضرائب أمر جيد إلا أن فوكوياما -الذي يعد أحد منظري المحافظين الجدد- لا يراه بالضرورة محفزا للنمو.وخلص إلى القول في هذا الصدد إن التعامل «غير المستنير» مع أزمة وول ستريت المالية يكشف أن التغيير الأكبر الذي يتعين على الولايات المتحدة إجراؤه يكمن في صعيد السياسة، وأن الاختبار الأخير للنموذج الأميركي يتمثل في قدرته على إعادة اكتشاف نفسه، ذلك أن النموذج الجيد هو ذلك الذي يملك «المنتج المناسب» لترويجه قبل كل شيء وإليه تنسب الديمقراطية، ومضى إلى القول إن الديمقراطية هي أحد العناصر الأساسية في النموذج الأميركي, ومن ثم فإن الترويج لها عبر الدبلوماسية ودعم منظمات المجتمع المدني والإعلام الحر وغيرها لم يكن أبدا مثار جدل، لكن المفكر والفيلسوف الأميركي يقر مع ذلك أن الديمقراطية عند الكثيرين ما هي إلا كلمة السر للتدخل العسكري وتغيير أنظمة الحكم، وهي مشكلة نجمت عن استغلال إدارة الرئيس جورج بوش لهذه الكلمة لتبرير حربه على العراق. ووصف فوكوياما الشرق الأوسط على وجه الخصوص بأنه حقل ألغام لأي إدارة أميركية, حيث تدعم أميركا حلفاء غير ديمقراطيين مثل السعوديين، وترفض التعامل مع جماعات مثل حركة حماس وحزب الله التي تولت زمام السلطة عبر انتخابات.ويرى أن ذلك يفرغ الولايات المتحدة من مصداقيتها حينما تدافع عن الحريات. [c1]لا أمل في الانتصار على طالبان[/c] افتتح مراسل (ذي إندبندنت) تحليلا له عن أفغانستان بالقول إن السياسة الأميركية في أفغانستان قامت على تصور سيئ إلى درجة الكارثة.وذكر باترك كوبيرن بأن أول مفاوضات حقيقية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بدأت في مكة قبل عشرة أيام برعاية الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، ليوضح أن الجانبين اتفقا في تلك المفاوضات على أن نهاية الحرب الأفغانية لن تتأتى بالحسم العسكري وإنما بالمفاوضات.ومع أن قائد طالبان الملا عمر لم يكن حاضرا فإن ممثليه أكدوا حسب كوبيرن أنه لن يبقى حليفا للقاعدة فترة طويلة.ونبه المراسل إلى أن اجتماعات مكة هذه قد تجاوزت اعتراف القائد العسكري البريطاني السابق مارك كارلتون سميث بأن النصر العسكري الحاسم على طالبان أمر مستحيل، وأنها صدقت قوله إن استعداد طالبان للجلوس على طاولة المفاوضات للبحث عن حل سياسي هو ما سينهي هذا التمرد.وهذا يدل على أن المغامرة العسكرية البريطانية في أفغانستان ستنتهي بالانسحاب من ذلك البلد دون أن تنجز أيا من أهدافها الخاطئة كما قال كوبيرن، أما على الجانب الأميركي فرأى أن عدم الفهم هو السائد، خاصة أن المرشحين الرئيسيين ما زالا يتحدثان عن الموضوع وكأن إرسال عدة فرق إضافية من الجيش الأميركي لمطاردة طالبان في جبال الجنوب الأفغاني سيحسم المعركة وينهي الحرب.وإذا كانت السياسة الأميركية في العراق سيئة فإنها في أفغانستان كانت كارثية، وكأن أجندة الإدارة الأميركية في كلا البلدين كانت مصممة من أجل نصر عسكري يتم استغلاله لإعطاء الجمهوريين نصرا انتخابيا.ومن الغريب عند كوبيرن أن الرئيس الأميركي جورج بوش ظل يمدح الرئيس الباكستاني برويز مشرف ويعتبره شريكا أساسيا في حربه على الإرهاب، مع أن طالبان كانت دائما بصورة علنية تحت رعاية المخابرات الباكستانية التي جاءت بها للحكم ثم منحتها مأوى آمنا بعد إسقاطها، وليس خافيا كما يقول المراسل أن سقوط طالبان عام 2001 لم يكن سقوطا كاملا لأن جنودها عادوا إلى قراهم وذويهم كمواطنين عاديين أو بدلوا ولاءهم مؤقتا، موضحا أنه شخصيا استطاع الاجتماع بعدد منهم قرب كابول دون كبير عناء.وذكر المراسل بأن ما هو موجود من القوات الأجنبية في أفغانستان يكفي لنزع الشرعية عن حكومتها، ولكنه لا يغني شيئا عن تلك الحكومة أمام أعدائها، وكان الخطأ الأميركي حسب كوبيرن أيام احتلال العراق، هو ترك المجال لمشرف لمساعدة طالبان، مؤكدا أن مطاردة فلول طالبان في الجبال سنة بعد سنة لن تؤدي إلا إلى توسيع التمرد.وإذا كانت مفاوضات مكة علامة على أن هذه الورطة بدأت تجد حلا ما، فإن أفضل ما يقوم به البريطانيون والأميركيون حسب كوبيرن في ذلك البلد هو أن يكتفوا بأهداف بسيطة وقابلة للإنجاز، وأن يعترفوا بأن الحكومة الأفغانية من أجل بقائها لا بد أن تخوض معركتها الخاصة وأن تنتصر فيها.
أخبار متعلقة