* نحن اليمنيين جزء من أمة أنشأها الإسلام.. وهذا الدين وكذلك تراثنا يحثان على فعل الخير والمبادرة إليه من قبل الفرد رجلاً أو امرأة.. دين يقول لأتباعه أن يتعاونوا على البر.. وأن يرحموا أنفسهم ويحسنوا إلى الغير.. وأن المسلم إذا غدا مع أخيه يقضي له حاجة خير له من أن يصلي في السجد النبوي مئة ركعة.. وأن يبادر إلى غرس فسيلة حتى لو أوشكت القيامة.. وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء.. ومثل هذه القسمة في القرآن وأحاديث الرسول والتراث الفقهي والأدبي كثير.. ويعجب المرء من عزوف معظم الرجال والنساء عن المبادرة إلى تحويل هذا الإرث إلى سلوك.. هل لأننا لم نتعلم في المدارس دروساً عن واجباتنا تجاه مجتمعنا وجيراننا وبيئتنا التي يتعين أن نقوم بها من تلقاء أنفسنا.. على سبيل المثال يعيش سكان حي من الأحياء في بيئة تتراكم فيها القمامة ويتأذون جميعاً منها ومع ذلك يتعايشون معها، وكل واحد يقول: “وأنا مالي” لأن كل واحد منهم ليس لديه باعث يحركه، وينتظر الآخرين أن يفعلوا أو ينتظر الحكومة.* التراث الذي أشرنا إليه يتعين أن يتحول إلى مادة في المنهج المدرسي تدرس للتلاميذ من أول سنة ابتدائية إلى آخر سنة ثانوية وتعزز بنشاط عملي داخل المدرسة وفي محيطها لخلق جيل يدرك معنى العمل التطوعي ودوره في نهضة الأمة.. وهذا العمل التطوعي قد يكون تنظيم مجموعة في الحي لتقوم بتنظيفه وقد يكون إسعاف سائق انقلبت به سيارته أو إغاثة منكوبين.. وغير ذلك من أشكال المبادرة الطوعية التي يقوم بها رجل أوامرأة من تلقاء نفسهما وبدون انتظار أي أجر إلا من خالقه.* في عام 1977م انتشرت في لندن “قملة” الرأس، وعشعشت في رؤوس أكثر من مليون شخص من الكبار ونصف مليون تلميذ في المدارس.. لم ينتظروا حكومة حزب العمال لكي تأتي “تلقط الكنم” من رؤوسهم وأعطاف ملابسهم وفرشهم.. فمن أين لها ميزانية ومئات آلاف الموظفين المتخصصين “بالكنم”؟.. وهناـ وهذا مثل بسيط للعمل الطوعي ـ قام أشخاص من تلقاء أنفسهم بمبادرة طوعية وانضم إليهم طوعاً آلاف التلاميذ والآباء والأمهات والأطباء والممرضين والمهتمين بالبيئة واشتركوا في حملة ناجحة قضت على حشرة “الكنم” أو قملة الرأس.* عندنا تقول لهذا أو ذاك لماذا لم تحاول تنظيف المكان حول منزلك أو تأخذ كيس القمامة بسيارتك وترميه في البرميل في الساحة المجاورة، فيقول لك؟ أنا شغلي كاتب أو ضابط أو مدير وليس “مكنس”.. وهذا الكلام يدل على سوء فهم وعدم إدراك لمفهوم العمل التطوعي.. فالعمل التطوعي ليس “مهنة”.. فهل كونك مدير شركة أو إدارة طبية أو ضابطاً مثلاً يعني عدم قيامك في وقت الفراغ بخدمة اجتماعية سهلة مثل تنظيف الحي.. إن تنظيف مدينتك لا يعني أنك قد انحدرت إلى “مهنة” لا تليق بك بل أنت تسهم في فعل الخير.. وفعل الخير سلوك تلقائي لا ينتظر منه فاعله أجراً مادياً.. إنه ليس “مهنة” للكسب بالنسبة لغير أصحاب تلك المهنة.. بل هو عمل تطوعي.
الحاجة إلى دروس في (التطوع)
أخبار متعلقة