مسجد الهتاري .. دار عبادة وصرح تاريخي مهدد بالإزالة
تحقيق وتصوير / زكريا السعديمسجد الهتاري بمديرية التواهي من المساجد التاريخية والأثرية وهو معلم هام يؤكد أصالة محافظة عدن ودورها منذ القدم في إرساء دعائم الدين الحنيف..اليوم وبعد مضي أكثر من مئة عام على بنائه ظهرت دعوات لهدمة وبناء آخر جديد محله وهذه ليست المشكلة ولكن إنهاء اثر تاريخي بهذه السهولة أمر صعب وكذلك أن لجنة فنيه شكلت أوصت بأن المسجد لايزال صامداً وسيصمد لمدة طويلة في ظل تجاهل السلطة المعنية بذلك.الصحيفة بحثت في الموضوع ووضعت أمام القارئ أراء من استطاعت الوصول إليهم والحديث معهم .. التفاصيل في التالي :[c1]مسجد الهتاري بالتواهي[/c]كان يسمى عند إنشائه نهاية القرن التاسع عشر للميلاد مسجد “المصوعي” نسبة الى الرجل الذي تصدر عملية بنائه، ثم صار يسمى مسجد” الهتاري” لتتابع الأئمة والخطباء عليه من هذه الأسرة.[c1]قصة إنشائه[/c]أنبانا من نثق به ان الشيخ عبدالرحمن احمد الشميري- إمام وخطيب مسجد الرحمة قد اخبره مشافهة في مجلس بحضور الأخ/ عبدالجبار مقبل وبمشاركته - وهو من أعيان التواهي - ان لبناء هذا المسجد قصة كانت السبب في إنشائه حينها وتتلخص القصة في ان ثلاثة من عمال أرصفة الفحم في ذلك الزمن من نهاية القرن التاسع عشر لبوا نداء المنادي للصلاة من يوم الجمعة، وذهبوا الى مسجد “ كهبوب” بالمدينة بعد الاغتسال، إلا ان أمام المسجد وبعض الأعيان ممن حضروا يومها للصلاة في المسجد قد منعوهم من تلبية نداء المنادي للصلاة، بحجة ان ثيابهم ملطخة وغير نظيفة وهي اصلاً سوداء بفعل عملهم في حمل الفحم في الشحن والتفريغ.هذا الموقف من الإمام ومن معه أدى الى حصول مشادة كلامية، مما دفع احد الأعيان الحاضرين ممن وقفوا في صف العمال وهو احد تجار الفحم ويدعى المصوعي إلى جمع التبرعات والأموال لبناء هذا المسجد الجامع وبهذا الحجم إلا انه ظل بطابق واحد إلى وقت قريب وقد صار حالياً مكوناً من ثلاثة طوابق، تولى الإمامة والخطابة فيه الشيخ احمد الهتاري الذي كان صارماً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعامل مع العصاة، لاسيما مع الذين كانوا لا يقومون لصلاة الفجر ممن كانوا ينامون في الشوارع هربا من حر المنازل لعدم وجود الكهرباء حينها أو من الذين لا منازل لهم.
ويروي معاصروه انه كان لا يخطب يوم الجمعة إلا حاملاً سيفه منكباً عليه، ثم تولى أمر الإمامة والخطابة بعده ابن أخيه الشيخ محمد الهتاري، وبعد وفاة الشيخ محمد تولى ابنه الشيخ علي محمد الهتاري وبمعاونة شقيقة” خريج الأزهر” الشيخ احمد محمد الهتاري توليا أمر هذا المسد إمامة وخطابة .وكان منبر الهتاري لايصعدة احد إلا من ذوي العلم وانتقل الشيخ علي للخطابة في احد مساجد المنصورة وبقي احمد في مسجد الهتاري حتى فترة مابعد الاستقلال، حيث توجه الى المحافظات الشمالية ثم الى السعودية مستقراً فيها حتى اليوم باستثناء زياراته بعد الوحدة.وبعد مغادرة الشيخ احمد محمد الهتاري تولى الإمامة في المسجد الشيخ عبدا لكريم فرحان الشميري” خريج زبيد” اما الخطابة فقد تناوب فيها كثيرون وتولاها حينها الشيخ عبدالرحمن احمد الشميري - راوي هذه السطور - لمدة ثلاث سنوات، تم جاء بعده الشيخ عبدالرحمن هائل الشميري مدة من الزمن ثم الأستاذ احمد الهتاري “ مدرس في مدرسة الصديق بالمعلا ومأذون شرعي في المنطقة حتى الآن.أما أمام المسجد الشيخ عبدا لكريم فقد توفي قبل سنتين وخلفه الشيخ سعيد(رحمة الله عليه) أما عن الدور العلمي فالمسجد والله الحمد شعلة علمية في كل مناحي العلم الشرعي، وفيه مدرسة الإيمان لتحفيظ القرآن الكريم وحلقات نموذجية تابعة لجمعية تعليم القرآن الكريم” فرع عدن وحلقات قرآنية للكبار.وبعد هذه المقدمة التاريخية للمسجد، التقيت الأخ/ محمد عبدالكريم جباري- مدير عام مديرية التواهي ورئيس المجلس المحلي فيها، لنعرف وجهة نظر قيادة المديرية حول موضوع هدم المسجد فتحدث لنا قائلاً: “لقد تلقينا قبل عدة شهور مذكرة من مواطني مديرية التواهي، مفادها ان هناك مساعٍ لهدم المسجد وبناء آخر على انقاضة بتمويل من ورثة هائل سعيد انعم وأصحاب شركة (كانون) الأخ/ خالد عبدالواحد.. وحسب ماعلمنا ان قرارهم الهدم وبناء المسجد الآخر هو بناء على وصية أبوي المذكورين أعلاه، كونهما - الأبوان - كانت لهما ذكريات وحياة طيبة في هذا المسجد إبان عهد الشباب في عدن.وهذا المسجد هو من أقدم المساجد في المديرية، وقد أعيد ترميمه في الثمانينات وهو الآن بحالة جيدة وإذا كانت هناك مساعٍ جادة لفعل الخير فعليهم زيادة ترميمه أو بناء مسجد آخر على أرضية آخرى جديدة يملكونها هم”.[c1]مكتب الأوقاف يتجاهل ماجاء في التقرير[/c]وأضاف:” ونحن هنا في المديرية قمنا بالتواصل مع مكتب الأوقاف بالمحافظة لإيقاف أي عمل للهدم حتى يتم تشكيل لجنة فنية متخصصة، وقد أصدرنا امراً بتشكيل لجنة مكونة من الأخ/م/ محمد سعيد طه- مدير الإشغال العامة وعدد من المهندسين المتخصصين، وبعد 15 يوماً رفع التقرير( سنورد نصه تباعاً) ورفعنا صورة منه الى مكتب الأوقاف ولم يردوا علينا، وقد مضت عدة شهور على ذلك.وبصفتي المسؤول الأول في المديرية سامنع الهدم كون مكتب الأوقاف لم يردوا على التقرير الذي جاء بنتيجة ايجابية، مالم تأتي لجنة عليا مكلفة من الأخ/ وزير الأوقاف والأخ/ محافظ عدن ، وغير ذلك لا”.[c1]تقرير اللجنة الهندسية[/c]بناءً على تكليفكم لنا بالنزول إلى مسجد الهتاري بالتواهي لرفع تقرير حول حالته الفنية نفيدكم بمايلي:يعتبر مسجد الهتاري من أقدم مساجد منطقة التواهي- وتم بناؤه في نهاية القرن التاسع عشر من دور واحد فقط، ويشكل المسجد مزاراً دينياً وروحياً وتعليمياً لأهالي المنطقة- ونظراً لهذه الأهمية التاريخية تم تشكيل لجنة فنية هندسية من اختصاصيين حسب توجيهاتكم الكريمة بتاريخ 18/7/2007م بالنزول والمعاينة وقد تم بالفعل النزول الى موقع المسجد بتاريخ28 / 7 / 2007م ومعاينة المسجد من الناحية الانشائية والمعمارية والبيئية المحيطة به بهذا نرفع لكم ملاحظاتنا كالتالي:[c1]وصف المبنى[/c]1- المسجد يتكون من ثلاثة ادوار، الدور الارضي قديم ذو جدران حجرية سماكة (80 سم)، ودوران اضافيان ذات جدران من البلوك سماكة(20 سم) تم بناؤها حديثاً.2- المسجد الدور الارضي والاول يتضمن سقوفاً مكونة من مرابيع والواح وخرسانة عادية، اما الدور الثاني سقوف بالاسبستو.3- المساحة الفعلية للمسجد بابعاد(23.4م×23.7 متراً مربعاً).4- المسجد سليم من الناحية الإنشائية ولاتوجد به أية مظاهر لتشققات.كما التقينا الأخ/ فاروق عبدالعزيز، وهو احد رواد مسجد(الهتاري) القدامى العارفون بالمسجد والمنطقة المحيطة به.. فقال :” المسجد له اكثر من مئة عام، وتقرير اللجنة الفنية قال ان المسجد سليم من الناحية المعمارية ولاتوجد به أية تشققات أو تصرعات وانه صالح لإقامة الصلاة فيه.وهذا المسجد هو معلم في مدينة التواهي وليس ذلك فقط، بل انه الوحيد في المنطقة هذه، والحمد لله هناك الآن صحوة إسلامية والناس ترتاد المسجد باستمرار وإذا هدم بالله أين سيذهب كل هؤلاء الناس الذين لايوجد مسجد قريب آخر، ثم ان مساحته ضيفة وإذا أعيد بناؤه ستضيع مساحته بالزخرفة وغيرها.وأقول كلمة للأخوة الداعمين لإعادة بنائه ، أقول لهم: جزاكم الله خيراً وإذا كان لديكم أموال ابنوا فيها مساجد آخر في أماكن أخرى لاتوجد بها مساجد، والله يرحم والد الأخ/ خالد عبدالواحد الحاج عبدالواحد كان رجلاً طيباً رحمه الله”.نضيف ان الأخت/ رجاء باطويل - مديرة هيئة الآثار قالت لنا في حديث معها:” ان الهيئة بعثت رسائلها إلى الجهات المختصة لتوضيح أهمية هذا المسجد من الناحية التاريخية خاصة وان محافظة عدن أعلنت مدينة تاريخية وأثرية كما حذرت الهيئة من المساس بالآثار التاريخية للمحافظة كون مثل هذه الأعمال تذهب الصفة التاريخية لمحافظة عدن”.[c1]كلمة أخيرة [/c]علمت الصحيفة بان مشروع الهدم سينفذ بعد عطلة عيد الفطر المبارك، وقد حاولنا الاتصال بالأخ/ خالد عبدالواحد إلا إننا علمنا انه قد ذهب لأداء العمرة، كما لم نستطع التواصل مع الجهات الأخرى التي تؤيد عملية الهدم والاستحداث.