سلوى صنعاني أتذكر .. أجل ومازالت الذاكرة متقدة بأدق تفاصيل الحياة التي زخر بها العمر .. وأنا في العاشرة ... عندما أخرج بعد الظهيرة كاقراني من الأطفال .. وألاحظ جمعا من الرجال في زاوية من حينا وقد ركنوا إليها لمضغ القات وبصحبتهم مذياع كبير تغذية البطارية ... أسمع معهم بعض الأغاني التي تطربني وربما لا أفقة كلماتها ... كذلك مذياع أبي الذي يتصدر مجلسه الذي يؤمه العديد من الأحبة ... ومن هذه الأغاني التي صنفوها “بأغاني المقايل” أو أغاني القات “لله ما يحويه هذا المقام” “صادت فؤادي” “أنا من ناظري” ذلك على سبيل المثل لا الحصر. ولم أكن أدري من هو المطرب الذي يغني ولمن النسب في أصل هذه الأغاني؟؟!!وعندما أشتد عودي ودخلت ما يسمى بسن المراهقة وهو الوقت الذي تبدأ فيه الفتاة بالبحث عن أنوثتها وعواطفها ... بدأت أعي معنى الكلمات .. وأول أغنيه ظللت أرددها هي “مسكين يا ناس من قالوا حبيبة عروس” في ذلك العمر الغض ... وفي حوطة لحج لم يخطر ببالي بأنني سألتقي بصاحب هذه الأغنية التي مازالت إلى يومنا هذا لا تطربني وحدي بل الناس عامة وخصوصاً قوله “ياريح .. ياريح يا اللي تدخلين البيوت قولي لمحبوب قلبي صاحبك با يموت لا يشرب الماء ولا يأكل مع الناس قوت وما قوته إلا زبيبة تعتقه لا يموت هذه الرائعة ضمن روائع كثيرة شغلت أذان الناس وأثرت وجدانهم وأحاسيسهم وظلت تتغنى بها الأجيال ... كلمات لها دلالات وأثر لا وصف له قد جادت بها قريحة الأستاذ الشاعر الفذ علي بن علي صبره الذي رحل عن دنيانا هذا الأسبوع تاركاً أعماله وآثاره لتتحدث عنه. ومن خلال هذه الكلمات وهذه الروائع دخل صبرة بيوت الناس وقلوبهم بأشهر أغانيه وهي[c1]“أهلاً بمن داس العذول وأقبل وطلعته مثل الهلال وأجمل[/c]حتى أضحت هذه الأغنية بمطلعها تردد على السنة أي محب حين يقبل عليه محبوه وتلتها سلسلة من الأغاني ثمينة كالجواهر والتي أنتشرت انتشاراً واسعاً من أقصى الوطن إلى أدناه ومنها “قد علموه وأنا في حبة أعمى” وحبيبي شاتسير ودعك الله” و”يا من بحبه قد بلاني” و “آنست يا حالي” التي شدا بها العديد من المطربين الكبار وعلى رأسهم الفنان المرحوم علي بن علي الآنسي والفنان محمد مرشد ناجي وغيرهما ممن زخرت بهم الساحة الفنية.شاءت الأيام التي تمضي بنا أن أصادفه في إحدى القاعات في مناسبة أربعينية الأستاذ المناضل الراحل محمد عبده نعمان الحكيمي وبصنعاء .. وكان اللقاء اليتيم وحقيقة لا أعرف الرجل كثيراً .. بيد أنني تعرفت عليه على صدر الموسوعة الخاصة بالغناء اليمني.فمن هو الأستاذ والمناضل والمبدع علي بن علي صبره؟!!هو الاديب والشاعر على بن علي صبرة من مواليد العام 1938مفي قرية مأوية (تعز) في أحضانها نشأ وتلقى تعليمه الأول في كتأتيبها على يد والده ثم انتقل إلى المدرسة العلمية في جبلة وتخرج فيها ليعني مساعداً لكاتب ليعين ثم وكيلاً لقاضي المحكمة.وعقب فشل انقلاب عام 1955م استدعاه أستاذه أحمد حسين المروني إلى وزارة الخارجية وبعد الثورة عني صيرة عضواً في مكتب أمانة السر لرئيس الجمهورية ثم مديراً عاماً لوزارة الإعلام.عاني من مرارة السجون مرتين عندما دخله بعد فصله من عمله ثم بعد حركة الخامس من نوفمبر 1967م ثم عين رئيساً لمصلحة الإذاعة ثم وكيلاً لوزارة الإعلام.ثم استقر في عمله مشاراً إعلاميا في سفارتنا في الأردن ومشرفاً على المركز الإعلامي اليمني في عمان حتى وافته المنية. للأستاذ الراحل علي بن علي صبره العديد من الأعمال التي تدل على مدى سعة الرجل وثقافته ومنها إصداره لمجلة المصباح وكتيبات بعنوان :- (ثورة اليمن وجذورها التاريخية) و (نحو أيدلوجية عربية موحدة) و (الدم وأغصان الزيتون) و (القضية العربية والصهيونية العالمية) و (اليمن الوطن الأم) مثلما له العديد من الدراسات والبحوث الثقافية والاجتماعية والسياسية وشارك في العديد من المؤتمرات العربية. كما أصدر مجموعتين شعرتين بعنوان : “قصائد حب وحرب وهنالك ما هو جاهز ومعد للطبع.وتقديراً لكل ما قدمه الرجل من عطاءات زاخرة تعب في مصلحة الوطن والأمة حاز على وسام الجمهورية العربية المتحدة من الدرجة الرابعة من الرئيس جمال عبدالناصر. مثلما حاز على وسام “المؤرخ العربي” من الجمعية العامة للمؤرخين العرب “بغداد” وحصل لذلك على وسام العلوم من الدرجة الأولى من الأخ رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح. وقامت وزارة الثقافة بتكريمه بتقليده درع الثقافة ودرع صحيفة 26 سبتمبر لجهوده في مجال الأعلام والثقافة والتاريخ.كل تلك الأوسمه والدروع التي تقلدها صبره لا تكفي لوزن الرجل .. فهو لوحدة بشخصة وسام يزين صدر اليمن ويعلي هامتها ... فلا عزة لوطن إلا برجاله وصبره ومن رجاله الذين يحدون من الجهات الأربع وأن وزنوا فأن كفة الميزان تظل بهم عالياً ولا تخفض لأنهم أغلى الجواهر وأنفس وأغلى من المعادن الثمينة التي يوزنون بها.إلى جانب كل تلك المآثر سواء في التاريخ أو الثقافة أو الأعلام .. بمشوراه الحياتي الطويل، يبقى صبرة الشاعر الجميل والعظيم الذي صاغ مفردات شعره الغنائي سواء العاطفي منه أو الوطني ... في وجدان شعبة ومحبيه خالداً ومن تلك الروائع كان نكبة يملأ الحزن الصدور ولا تجف المآقي لرحيل مثل هؤلاء الرجال تعزي أنفسنا بفقدانه رغم أنه كالوشم في الذاكرة لا يمحي.
|
ثقافة
الشاعر صبرة.. وشم في الذاكرة
أخبار متعلقة