الوحدة اليمنية في التراث الفكري للحركة الوطنية
منذ أيام تقدم حسن علي بيومي رئيس الجمعية العدنية و”فارسها” في المعارك الانتخابية و”صوتها الهدار” في المجلس التشريعي بمذكرة إلى الحكومة.وتطالب المذكرة بتعديل دستور المجلس التشريعي و”تعدين” الوظائف لاحظوا أنها قالت “تعدين” ولم تقل “تعريب” ـ وإعداد عدن للحكم ضمن الكومنولث .. إلى آخر الأسطوانة الانفصالية.والمذكرة تنبني اساساً على توصيات كانت قد تضمنتها افتتاحية جريدة “تايمس” اللندنية الصادرة بتاريخ 7 إبريل.فمن جريدة التايمس “استمد البيومي رئيس الجمعية العدنية الوحي بالمطالب السياسية.بوحي “التايمس” شرع البيومي والذين يختفون وراء البيومي يخططون لهذا البلد العربي.وجريدة “التايمس” هي لسان الإمبراطورية البريطانية منذ أن كانت إمبراطورية لاتغرب عنها الشمس ومنذ أن كان للانجليز مستعمرات، وكم حاولت هذه الجريدة العجوز أن تضفي على نفسها صفة الاستقلال، صفة خادعة فالحقيقة أنها لسان كل حزب حاكم.والأحزاب الانجليزية قد تختلف خارج الحكم ولكنها يوم تجلس على الحكم تصبح كلها محافظة حريصة على التقاليد الإمبراطورية.إذن فالمذكرة لندنية لحماً ودماً وروحاً، بل هي لاتعدو أن تكون صدى لما كتبته صحيفة “التايمس” أو هي، على أحسن الفروض، تفسيرية لافتتاحية “التايمس».وهكذا “تصدر” المطالب والسياسات من لندن إلى الجمعية العدنية كما تصدر البضائع من تجار لندن إلى وكلائهم في عدن.والواقع أن المذكرة لم تأت بشيء جديد على الشعب العربي في عدن غير الأساليب الانفصالية وكشف ألاعيبها.وأجرؤ على القول بأنها ليست جديدة حتى على الحكومة نفسها، فالمذكرة تطالب مثلاً بالحكم لعدن ضمن الكومنولث ونحن نعرف أنها نفسها تعد مستعمراتها بهذا اللون الجديد من الحكم .. بل وتصر على لسان الناطقين باسمها بأنها تسير بها نحو هذا الهدف والمسألة بعد ذلك مسألة زمن.فالحكم الذاتي إذن “خطة بريطانية” وليس هدفاً وطنياً أو أمنية قومية.وتطالب المذكرة بمنع الهجرة براً وبحراً وجواً، بل يمتد بها الأمر إلى حد المطالبة “بإجراء إحصاء تام ومستعجل لجميع المهاجرين المقيمين والسماح بالإقامة لمن يستطيع إبداء أسباب حقيقية منهم، أما الباقون فعليهم مغادرة المستعمرة براً!!...وليس سراً أن الهجرة براً التي تعنيها المذكرة هي هجرة اليمنيين.ونحن نفهم أن تمنع الهجرة البحرية والجوية، أما منع اليمنيين من الإقامة في عدن فلا يعني إلا شيئاً واحداً وهو تجريد عدن من عروبتها وتغليب العناصر الأجنبية على أهلها الاصلاء، كما يعني تفكيك أوصال الحركة العمالية وحرمانها من كتلها الجماهيرية الأساسية، إذ أن إخواننا اليمنيين هنا يؤلفون مركز الثقل في كياننا العربي القومي ويشكلون القاعدة الجماهيرية للطبقة العاملة الكادحة في عدن، وفي هذا المطلب أيضا تتجاوب المذكرة مع السياسة العليا تجاوباً تاماً،ولاشك أنه يسر الجهات الرسمية أن تجد بين أبناء البلاد من يعتنق سياستها ويحرص على تحقيقها بالنيابة عنها.والمذكرة كلها نسيج متكامل من الأفكار الانفصالية: ولن يحتاج القارئ إلى كثير عناء في تفنيد محتوياتها.بقي سؤال مهم:لماذا صدرت المذكرة في هذا الوقت بالذات الذي أخذت فيه الحركة العمالية الشعبية تنمو وتتصاعد وتسجل أول انتصاراتها والتي جاء بيان رابطة أبناء الجنوب تتويجاً لها!هذا هو السر .. ولاسر .. إزاء البيان الرابطي العتيد .. وإزاء الحركة العمالية التي اتجهت اتجاهاً وطنياً اتحادياً تتبلور حوله أهداف أبناء الجنوب .. إزاء هذا الوعي الشعبي المتعاظم شعرت الفئات الانفصالية والقوى التي تحركها بالخطر وخشيت أن يبتلعها طوفان الشعب ويقضي على كل أمل لها في الوصول إلى كراسي الحكم.وكان لابد لها من أن تقوم بحركة ما لتحويل مجرى الأحداث هنا.فكانت افتتاحية التايمس وكانت هذه المذكرة “اللندنية” كأنهما كانتا على موعد ثم كانت هذه الحركة الانتهازية المحمومة من اجل الحكم الذاتي.والانفصالية ترمي من وراء ذلك إلى أغراض كثيرة أهمها:- عزل الحركة العمالية عن الحركة الوطنية النامية.- استغلال مكاسب الحركة العمالية بعد تزوير أهدافها وطمس معالمها والانحراف بها من اتجاهها الشعبي التقدمي الديموقراطي.- وقف التيار الاتحادي الرابطي.- استغلال الموقف الحاضر للمساومة والضغط على المسؤولين للحصول على وعد بمنح الحكم الذاتي، فإن مثل هذا الوعد من شأنه أن يعزز موقفها ويبعث فيها النشاط ويمكنها من مواصلة جهودها بشكل أوسع وأقوى.- الاستفادة من أي إجراء يراد به إضعاف فعالية الوعي الوطني الاستقلالي الذي يسير في اتجاه مضاد للحكم الذاتي.هذه هي أغراض الانفصاليين .. ولكن الشعب يعي .. ويتحفز ..ويرفض السير في هذا الطريق، طريق الحكم الذاتي .* الفجر - العدد 82 - 8 مايو 1956م