صنعاء / سبأ: تنقضي أيام العيد، وتنتهي معها ممارسة طقوس عيدية ذات دلائل وأبعاد مميزة أنفرد بها اليمن عن غيره مع اختلاف بعضها وتطابق بعضها الآخر. وحسب واقع الحال فرغم اختفاء كثير من هذه الطقوس إلا أن هناك عدد لا بأس به لا يزال يمارس إلى يومنا هذا، ولكن ليس بنفس الرغبة التي كانت تمارس بها هذه الطقوس خلال فترات مضت. وتزداد ممارسة هذه الطقوس في الريف أكثر من الحضر، ففي منطقة سنحان محافظة صنعاء على سبيل المثال هناك عدد من الطقوس العيدية المميزة ذات دلائل وأهداف نبيلة بطريقة فكاهية وكوميدية «كالشرعبة» و«الشعال» و«العزاريد» يتم استقبال عيد الأضحى من خلالها بممارسة هذه الطقوس قبل قدوم العيد بعدة أيام. تبدأ هذه الطقوس بالاستعداد لأضحية العيد قبل قدوم العيد بأسبوع أو عشرة أيام، حيث تجتمع كل مجموعة للاشتراك في شراء ثور كأضحية للعيد خاصة غير القادرين على الأضحية بالأغنام التي يجب أن تكون فردية، وهذا نوع من التكافل الاجتماعي، حيث يتم تقسيم الثور إلى سبعة أقسام، للتعاون على ثمنه، وتقوم كل مجموعة بعملية ذباحة الأضحية، وتقسيمه بدلا عن شراء الأضحية من الأسواق، وهذا النوع من التكافل الاجتماعي يوجد في معظم مناطق اليمن خاصة الريفية. أما قبل العيد بثلاثة أيام فيتم ممارسة طقس مميز يسمى (الشرعبة)، وهذا النوع يمارس من قبل الشباب ولا يسمح للأطفال بالمشاركة فيه، كون طقوسه تبدأ في الليل، حيث يبدأ عدد من الشباب بالتجمع من بعد صلاة العشاء ويجولون أمام المنازل والحارات التي يتواجد فيها الشباب وهم ينادون «شرعب الليل يا شرعب يا من تعشى خرج يلعب»، وإذا وجدوا أن هناك بعض الشباب لم يخرجوا من منازلهم للعب معهم ينادون « أخرج أخرج يا مكدد برمة الأكل برمة الأكل كسروها بالحجارة بالحجارة»، أي أخرج يا من ما زلت تنظف الأكل المتبقي على الإناء، وإلا سوف نكسرها بالحجارة, والبرمة وعاء من الفخار يستخدم للحم. ولما يخرج الجميع يجتمعون في مكان محدد ويقومون باللعب واللهو والمرح وتبادل النكات والفكاهات والأحاديث الودية والهموم والمشاكل التي قد تواجه البعض منهم، وكيفية حلها بطريقة إيجابية، وهكذا حتى الساعة الحادية عشرة ليلا ويذهبون إلى منازلهم, وهذا يولد نوع من التقارب والصداقة والود بين أبناء القرية أو المنطقة الواحدة، بالإضافة إلى استفادة الشباب من خبرات بعضهم. [c1]الشعـال: [/c]أما «الشعال» فيتم الاستعداد له من قبل العيد بأسبوع، حيث يقوم الجميع بتجميع إطارات السيارات المنتهية من كل مكان، وذلك من أجل «الشعال» أي إحراقها ليلة العيد، حيث تختار كل مجموعة جبل من الجبال الموجودة في المنطقة، ويحددونه كمنطقة للشعال فيه ويتم التفاخر في الاختيار فكل مجموعة تحب أن يكون أكبر جبل له قمة مرتفعة هو الجبل الخاص بها. وقبل العيد بيوم تبدأ كل مجموعة منذ الصباح الباكر بعملية حمل الإطارات التي سيتم إحراقها إلى الجبل، وذلك لأنها عملية شاقة تتطلب حمل الإطار باليد أو على الأكتاف حتى يتم إيصاله إلى قمة الجبل، والتي يصل عددها من 40 ـ 60 إطاراً لكل مجموعة يبدأون بترتيبها وتوزيعها من خلال رص 3 ـ 5 إطارات فوق بعض ويشكلون أشكال فنية حيث تحاول كل مجموعة عمل أشكال أفضل من الأخرى. وبعد أذان المغرب مباشرة يتم إشعال الإطارات أو المشاعيل فتظهر لوحات غاية في الجمال والإبداع كتعبير عن الفرحة والابتهاج بالعيد ومشاركة في الفرحة مع حجاج بيت الله الحرام الواقفين بعرفات. وبعد إشعالها تنتظر كل مجموعة في الجبل بعض الوقت حتى يتم التأكد من أن جميع المشاعيل احترقت، وكذا لمراقبة المجموعات الأخرى كي يعرفوا مشاعيل أي مجموعة هي الأفضل بعدها يتم النزول من الجبال وكل مجموعة تردد الأهازيج والزوامل الشعبية المعبرة عن التفاخر، ونبذ الفرقة والفرحة بالعيد، بالإضافة إلى تقديم التهاني لحجاج بيت الله الحرام حتى يتم اجتماع جميع المجموعات إلى مكان واحد. أما الأطفال فلهم حكاية خاصة بهم في الشعال حيث يقومون قبل العيد بعدة أيام بتجميع العلب المعدنية الفارغة لمشاعيلهم وليلة العيد يرتبونها من النهار على أسطح المنازل ويعملون داخل العلب مادة الرماد وفي المغرب يشعلونها في على شكل لوحات فنية أيضا، ويبقون إلى جانبها يشاهدونها ويشاهدون مشاعيل الكبار على الجبال، وهم يرددون بكل فرحة وسرور « ياعيدوه يا عيدوه حرق المشعل بقناديله وأحنا جهال ما درينا به» وجهال بمعنى أطفال، ويطلقون بعض الألعاب النارية في الهواء. [c1] العزاريـد: [/c]أما ثاني أيام العيد فتبدأ أجمل الطقوس العيدية وهي « العزاريد» يشارك فيها جميع الذكور كبار وشباب وأطفال وتستمر لمدة ثلاثة أيام. حيث يبدأ هذا الطقس منذ الساعة الواحدة ظهرا بالرقصات الشعبية المعروفة بالبرعة حتى يتجمع الناس، ويذهبون إلى الوادي حيث تتواجد أشجار الأثل وتكون قد سبقتهم مجموعة بدون أن يعرف أحد بها يحددون 3 ـ 5 أشخاص يكونون هم العزاريد، والبقية يقومون بعملية تلبيس العزاريد التي تم تحديدهم بلبس العزرود المكون من جلود الأغنام التي تم ذباحتها للأضحية للصدر واليدين والرجلين أما الوجه فيتم تغطيته بقناع من جلد وجه الثور الأضحية أيضا حتى أن الجميع يصعب عليهم معرفة من يكون العزرود. ويمسك على يديه حزمة من العصي لمعاقبة من يحاول أذيته أو لم يطيع أوامره أو لم ينفذها حيث يقوم العزرود بعمل خط في الأرض بعصاه، وينهض الجميع يشكلون صفا واحدا مستقيم على الخط وكل خمس دقائق يعمل خط وهكذا حتى الوصول إلى المكان الذي تجمعوا فيه. وخلال المشي على الخط يعمل العزرود استراحة كل ربع ساعة لجلوس الصف على الأرض، ويقوم بعمل محاكمة خلال هذه الاستراحة، ويختار عدداً من الأشخاص لمحاكمتهم, حيث يختار أصحاب محال البقالة ومضخات المياه والطواحين، وغيرهم من أصحاب المهن، ويحاكمهم لماذا ترفعون أسعار السلع أو الماء أو طحن الحبوب وغيرها، ويقوم بضربهم دون زعل من أحد، حيث يتقبلونها بروح المرح أو يعاقبهم بأن يتقلبون على التراب بملابسهم ومن يراه العزرود يحمل السلاح يخرجه من الصف، ويجعله يعطي سلاحه لشخص آخر، ويأمره بإطلاق جميع الأعيرة النارية في الهواء كي يكون درس لصاحب السلاح أن لا يأتي مره أخرى به. كما يتخلل اليوم بعض المطاردات من قبل العزرود للأطفال الذين ينادون عليه بألقاب فكاهية أو يحاولون أذيته، حيث يقوم الأطفال بعمل أسلاك الإطارات على الطريق كي يعيقوا العزرود من مطاردتهم، وكذا محاولة إسقاطه على الأرض كي يضحكون عليه ويعيرونه بأنه عزرود ضعيف. وللعزرود الحق في إخراج جميع المخزنين في المنازل، حيث يدخل عليهم ويضربهم بالعصي للخروج للعب فالبعض يخرج والبعض يختبئ في الأسطح والغرف الأخرى إلا إذا كان هناك ضيف متواجد فيتم السماح لهم بالتخزين مع الضيف. وهناك الكثير والكثير من الطقوس في مختلف مناطق اليمن التي للأسف بدأت بالاختفاء، ولكن يجب على الجميع تحمل مسؤولية الحفاظ عليها وتفعيلها، وإعادة ممارستها لما لها من أهداف اجتماعية واقتصادية إيجابية.