لاقت القرارات التاريخية التي اتخذها مجلس الوزراء في اجتماعه الاستثنائي برئاسة الدكتور علي محمد مجور ارتياحاً واسعاً في أوساط المواطنين وقواعد الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لما تضمنته تلك القرارات والإجراءات من مؤشرات لتحول نوعي في مسار الحرب على الفساد ومحاسبة الفاسدين الذين ألحقت ممارساتهم ومخالفاتهم أضراراً كبيرة بالثروة الوطنية وأراضي وعقارات الدولة والأوقاف وممتلكات المواطنين.وبوسعنا القول إنّ الحرب الجادة على الفساد أصبحت اليوم خارج دائرة الاستهلاك الإعلامي والمكايدات السياسية بإحالة ملف المخالفات التي رصدتها تقارير الجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة ومحاضر نيابات الأموال العامة في مختلف محافظات الجمهورية خلال السنوات السابقة حتى عام 2005م إلى النائب العام لمحاسبة كل المتورطين في مخالفات تمليك وبيع وتأجير أراضي وعقارات الدولة والأوقاف والمواطنين، حيث من شأن هذه الإجراءات إكساب الحرب على الفساد قوة محركة على طريق إيقاف مخاطره التي تهدد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتصيب مؤسسات الدولة بالركود والتعثر، ناهيك عن أضرار هذه المخاطر على الثروة الوطنية ومستقبل الأجيال القادمة التي نتطلع للعيش الكريم في وطن سعيد مزدهر، وفي ظل حياة آمنة وخالية من الفقر والبطالة والخوف من المستقبل.ويزيد من أهمية هذه الإجراءات والقرارات التاريخية أنّها تأتي في سياق عزم وإصرار حكومة الأغلبية على تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية الذي شدد - بحزم ووضوح - على ضرورة مكافحة الفساد والفاسدين، ووضعها في صدارة المهام الوطنية الواجب إنجازها كشرط لا يمكن بدونه إنجاز الأهداف الإستراتيجية المتعلقة بالتنمية ومكافحة الفقر ومعالجة البطالة، وتسخير الموارد الوطنية من أجل تطوير البُنية التحتية للاقتصاد الوطني واستكمال تحديث قطاعات الكهرباء والنفط والمياه والصناعة والزراعة والاتصالات والسياحة، وتوسيع الخدمات التعليمية والصحية وتشجيع الاستثمار وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب وتمكينهم من الحصول على أراضٍ وقروض لبناء المساكن والمشاريع الصغيرة التي تساعدهم على الإسهام وضمان الحياة الحرة والكريمة.ولعل أهم ما تضمنته القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء يوم الخميس الماضي، تأكيد عزم الحكومة على ضرورة الاسترشاد بمضامين البرنامج الانتخابي للرئيس علي عبدالله صالح، ومحاسبة الفاسدين مهما كانت مناصبهم القيادية وأوضاعهم الاجتماعية، حيث أكد قرار إحالة أول دفعة من القيادات العليا والمسؤولين وغيرهم من المتورطين في مخالفات تمليك وبيع وتأجير أراضٍ وعقارات تتبع الدولة والأوقاف والمواطنين إلى النائب العام تمهيداً لإحالتهم إلى القضاء، واتخاذ الإجراءات الرادعة بما في ذلك إقرار مبدأ العزل والتشهير بحق المتورطين سواء كانوا من المسؤولين أو شاغلي الوظائف العامة في الحكومة ومؤسسات الدولة وغيرهم ممن يثبت تورطهم بالأدلة والوثائق الدامغة في نهب المال العام والمتاجرة بأراضي وعقارات الدولة والأوقاف، والاعتداء على ممتلكات المواطنين واستغلال السلطة والقوة والنفوذ بهدف تحقيق الثراء السريع وغير المشروع، على حساب الموارد العامة والثروة الوطنية وحقوق المواطنين والأجيال القادمة.وبقدر ما تؤشر القرارات والإجراءات التاريخية التي اتخذتها حكومة الأغلبية إلى دخول الحرب على الفساد مرحلة نوعية تتجاوز نطاق الخطاب السياسي والإعلامي إلى نطاق الممارسة العملية والجادة بواسطة هيئات السلطة القضائية، بقدر ما تضيف طاقة جديدة لمفاعيل الأجهزة الرقابية المعنية برصد وكشف المخالفات التي تندرج في إطار الفساد وسوء ممارسة وظائف السلطة العليا، واستغلال النفوذ السياسي والاجتماعي في الدولة والمجتمع من أجل الثراء غير المشروع.والثابت أنّ تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وصدور القرار الجمهوري بالقانون الذي ينظم ويحدد آليات وصلاحيات هذه الهيئة، من شأنه أن يعزز دور الجهاز المركزي للمراجعة والمحاسبة من خلال أعمال الفحص والمراجعة التي يقوم بها سنوياً ودورياً لحسابات الدولة ومؤسساتها، وما تنطوي عليه هذه الأعمال من رصد وكشف للمخالفات التي تضر بسلامة الوظيفة العامة وتُلحق الضرر بالمال العام، وإبراز الإيجابيات التي تحققها بعض المؤسسات في مجال زيادة الإيرادات وتحسين كفاءة تشغيل الاستخدامات وترشيد كلفة الأداء، والالتزام بالصرف وفق قواعد الموازنات الجارية والاستثمارية، الأمر الذي سيسهم في شن حرب حقيقية وجادة على الفساد بالاستناد إلى أدوات رقابية وقانونية فاعلة، من شأنها أن تلعب دوراً فاعلاً في كشف وتعرية الفاسدين الحقيقيين، وقطع الطريق أمام المزايدات السياسية والإعلامية التي تستخدم قضية مكافحة الفساد للإثارة الإعلامية أو الاستهلاك السياسي أو الدعاية الانتخابية في مواسم الانتخابات أو التضليل والتغطية على الفاسدين الحقيقيين الذين لا يمكن كشفهم وتعريتهم بدون دور فاعلٍ للأجهزة التي يخول لها القانون كشف الفساد ورصد المخالفات ومحاسبة المتورطين بنهب المال العام، ومنع استخدام السلطة والنفوذ في الدولة والمجتمع لغرض الاستيلاء على أراضي وعقارات الدولة والمواطنين بطرق ملتوية، والمتاجرة والمضاربة بها طمعاً في الإثراء السريع وغير المشروع، وما يترتب على ذلك من معوِّقات خطيرة تعرقل خطط التنمية، وتحول دون جذب الاستثمارات الخاصة، وتؤدي إلى تعثر المشاريع الاقتصادية وضعف وركود بعض مؤسسات الدولة.ولئن كانت الإجراءات التاريخية التي اتخذها مجلس الوزراء يوم أمس الأول بشأن إحالة ملف المتاجرة والمضاربة بأراضي وعقارات الدولة والأوقاف والمواطنين إلى النائب العام، تأتي في سياق الحراك السياسي الذي تشهده البلاد على طريق تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية الذي فاز بالأغلبية الساحقة من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر 2006م الماضي، فإنّ صدور القرار الجمهوري الذي قضى بتشكيل لجنة وطنية تتبع رئيس الجمهورية برئاسة الأستاذ سالم صالح محمد المستشار السياسي لفخامته، وعضوية عدد من الشخصيات السياسية والحزبية والاجتماعية وأمناء عموم المجالس المحلية المنتخبة في المحافظات، جاء هو الآخر ليعطي هذا الحراك السياسي مزيداً من الحيوية وقوة الدفع على طريق تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية، باتجاه رصد وتقييم الاختلالات والظواهر السلبية التي تضر بالسلم الاجتماعي، وتتمثل أساساً في الثأر والمظاهر المسلحة والتقطع والاختطاف والتطرف، ونزعات التعصب المناطقي والمذهبي والقبلي، وغيرها من الممارسات والسلوكيات السلبية التي تهدد السلم الأهلي وتلحق الضرر بأمن وسلامة المجتمع، بالإضافة إلى دراسة وتقييم وإنهاء ما تبقى من الآثار السلبية لفتنة حرب 1994م، والوقوف أمام الاختلالات الاقتصادية والإدارية، ودراسة أسباب تعثر المشاريع التنموية في عموم المحافظات واقتراح ووضع الحلول والمعالجات المناسبة لها.كما يأتي هذا القرار الجمهوري الذي صدر يوم الأربعاء الماضي، إلى جانب قرار مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية مساء أمس الأول الخميس بشأن إحالة ملف الفساد والمخالفات في مجال الأراضي إلى النائب العام، ليقدما دليلاً إضافياً على أنّ القيادة السياسية وحكومة الأغلبية تضع في صدارة مهامها العاجلة تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية كتعبير صادق وعملي عن الوفاء للثقة الممنوحة له من ملايين الناخبين الذين أعطوه أصواتهم في الانتخابات الرئاسية بعد أن وجدوا في هذا البرنامج خيارهم الأفضل الذي يخدم مصالحهم، ويضمن تحقيق أمانيهم وتطلعاتهم للعيش في ظل وطن سعيد ومزدهر وحياة آمنة وكريمة.