د. محمد عبدالقوي مقبلفي التاسع عشر من سبتمبر 1962م توفي الإمام أحمد حميد الدين في تعز متأثراً بجراحه على أثر عملية الاغتيال التي قام بها الضابطان (العلفي واللقية) في مستشفى الحديدة عام 1960م، وقام الزعماء الدينيون والعلماء بإعلان البدر إماماً على اليمن، حيث أعلن البدر انه سيستمر في حكمه على نهج سياسة والده، الأمر الذي دفع بالضباط الاحرار إلى التهيئة النشطة للثورة في الأسبوع الذي أعلن فيه الحداد على موت الإمام احمد قبل ان يتمكن الإمام البدر من السيطرة على مقاليد الحكم.وفي الوقت الذي تحدد فيه اغتيال البدر تحركت مجموعة من طلائع الجيش لتصب نيران مدافعها على قصر البشائر، الذي كان يقيم فيه البدر.. كما تحركت- في الوقت ذاته- مجموعات أخرى للسيطرة على المواقع الرئيسية كالإذاعة وقصر السلاح.وبعد فشل اغتيال البدر توجهت مجموعة أخرى نحو قصر البشائر لإلقاء القبض على البدر.. وبالرغم من ذلك كله تلقى البدر المساعدة من أعوانه وتمكن من الفرار في جنح الظلام مما تسبب في خلق متاعب للشعب اليمني بعد قيام الثورة التي أنطلقت صبيحة يوم 26 سبتمبر 1962م معلنة القضاء على الحكم الملكي وقيام النظام الجمهوري، وأعلنت الثورة في أول بيان لها أذيع على الشعب مبادئها الستة التي تتمثل في التالي:1/التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.2/ بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.3/ رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.4/ إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل، مستمداً أنظمته من روح الإسلام الحنيف.5/ العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.6/ احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.ومنذ الأيام الأولى لانتصار الثورة تكالبت عليها القوى الامبريالية والرجعية المحلية والعربية والعالمية، حيث رأت تلك القوى في قيام الثورة وأهدافها خطراً على مصالحها، فشنتا بذلك حرباً غير مقدسة وفي وجه تلك القوى وقفت إلى جانب الثورة القوى الوطنية والثورية العربية وقوى التقدم في العالم.. حيث دفعت مصر عبدالناصر بقواتها للوقوف مع الثورة والشعب اليمني للتصدي للعدوان فيما قدمت قوى التقدم في العالم الدعم والمساندة العسكرية والمساعدات الاقتصادية والمعنوية للثورة، وهذا ما قوى أبناء الشعب اليمني، الذين هبوا للدفاع عن الثورة والجمهورية وشكلوا الحرس الوطني الذي كان له دور كبير في مساندة القوات المسلحة اليمنية والمصرية في سبيل دحر فلول المرتزقة والمعتدين، ومن أجل انتصار الثورة وبقاء الجمهورية.. وقد استمرت تلك الحرب زهاء سبع سنوات قدم خلالها شعبنا والقوات المصرية الآلاف من الشهداء.وكان من أخطر المؤامرات هي تلك الهجمة الشرسة أثناء حصار السبعين يوماً على صنعاء، والتي جاءت بعد انسحاب القوات المصرية من الشطر الشمالي من الوطن آنذاك عقب نكسة 5 يونيو1967م، وقد استغل الأعداء ذلك وجمعوا قواتهم مع مساعدة من عناصرهم داخل صنعاء وبدؤوا حصار صنعاء من كل الاتجاهات، وذلك في أوائل ديسمبر 1967م .. ودارت حرب ضروس على مشارف صنعاء إلا أن شعبنا استطاع دحر الأعداء وفك الحصار عن صنعاء بصمود القوات المسلحة والمقاومة الشعبية والقوى الوطنية.. ومثلت تلك المعارك مأثرة عظيمة وملحمة بطولية خالدة في تاريخ الشعب اليمني، وأثبتت للأعداء أن الشعب اليمني قد صمم على الدفاع عن ثورته وجمهوريته، وحقاً كان الشعار الخالد الذي أطلق أثناء الحصار “الجمهورية أو الموت” خير دليل على ذلك التصميم وبذل كل شيء في سبيل بقاء وانتصار الجمهورية.وتواصلاً لأهداف ثورة 26 سبتمبر 1962م هبت جماهير شعبنا في الشطر الجنوبي من الوطن آنذاك يوم 14 أكتوبر 1963م معلنة قيام الثورة بانطلاقة أول شرارة من جبال ردفان، حيث هدفت الثورة القضاء على النظام الانجلوسلاطيني وإحراز الاستقلال الوطني في جنوب الوطن.. فبقيام الثورة في الشمال توافرت الشروط الملائمة للنضال وغدا الشطر الشمالي من الوطن والنظام الوطني الجمهوري الخلفية والسند الأساسي للقوى المحركة للثورة في النضال ضد النظام الاستعماري والاقطاعي في الشطر الجنوبي من الوطن.. وما قيام الجبهة القومية كتنظيم قائد للنضال التحرري الا تعبير جلي عما قدمته الثورة من دعم لانضاج وابراز العامل الذاتي إلى جانب العوامل الموضوعية التي قادت إلى انطلاق الشرارة الأولى للثورة، حيث فتحت الجبهة القومية في الشمال معسكرات للتدريب العسكري وحصلت على الأسلحة المختلفة وتوفرت الظروف الملائمة للعمل السياسي والتحريضي من خلال إذاعتي صنعاء وتعز بهدف توعية الجماهير بالثورة الشعبية المسلحة.وفي التاسع عشر من مايو 1965م أصدرت الجبهة القومية إعلاناً ضمنته مطالب الشعب التي تسعى الثورة المسلحة لتحقيقها وهي:أولاً: التحرر التام من الاستعمار سياسياً واقتصادياً لكل مناطق الجنوب الغربية والشرقية والجزر التابعة لها.ثانياً: تصفية القاعدة الحربية البريطانية الاستعمارية من عدن وكافة فروعها في مناطق الجنوب “الغربية والشرقية” والجزر التابعة لها دون قيد أو شرط.ثالثاً: إسقاط الحكم السلاطيني الرجعي العميل.رابعاً: استرجاع الأراضي والثروات المسلوبة وإعادتها للشعب.خامساً: تحقيق وحدة الشعب العربي في إقليم اليمن سيراً نحو وحدة عربية شاملة.وبعد ثورة مسلحة دامت أربعة أعوام بقيادة الجبهة القومية تمكنت الثورة من انتزاع الاستقلال الوطني، الذي تم إحرازه في 30 نوفمبر 1967م ودحر الاستعمار البريطاني من الشطر الجنوبي من الوطن، والمضي بتوحيد أراضي الشطر الجنوبي والتي كانت تنقسم إلى 22 سلطنة ومشيخة في دولة جديدة موحدة هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على طريق تحقيق الهدف الأعظم الذي هدفت إليه كل من ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر وهو تحقيق الوحدة اليمنية التي مرت بخطوات ومراحل عدة أهمها اتفاقية القاهرة التي وقعت في 28/10/1972م على اثر الحرب التي جرت بين شطري اليمن ثم تلاها بيان طرابلس في 28/11/1972م، كما وقعت على أثر الحرب التي جرت بين الشطرين في 1979م اتفاقية الكويت في 28/3/1979م.وكانت ابرز الاتفاقيات التي وقعت بين شطري الوطن اليمني تلك التي وقعت في عدن في 30/11/1989م والتي تمت في ظل ظروف سلمية. حيث هدفت تلك الاتفاقيات إلى الإعداد والتحضير الواسعين لتوحيد الأنظمة والتشريعات التي كانت قائمة في الشطرين من خلال اللجان الفنية المشتركة من ممثلي دولتي الشطرين على طريق قيام وحدة بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد وقيام دولة يمنية واحدة يكون لها علم واحد وشعار واحد وعاصمة واحدة وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، ويكون نظام الحكم في الدولة الجديدة نظاماً جمهورياً وطنياً ديمقراطياً.ووفقاً للاتفاقيات المذكورة سابقاً والتي توجت باتفاقية عدن فقد تم في 21 مايو1990م مصادقة مجلس الشورى في صنعاء ومجلس الشعب في عدن على دستور دولة الوحدة.. وبذلك توفرت الشرعية اللازمة لقيام دولة الوحدة التي تم الإعلان عنها في عدن في 22 مايو 1990م وتشكلت في اليوم نفسه هيئات دولة الوحدة بتشكيل مجلس الرئاسة ومجلسي النواب والوزراء، وقد استمرت هذه الهيئات في إدارة شؤون البلاد أثناء الفترة الانتقالية التي انتهت بانتخاب أعضاء مجلس النواب في 27 إبريل 1993م.وبناءً على نتائج الانتخابات هذه تم تشكيل حكومة ائتلاف ثلاثي من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح وخرج من هذا الائتلاف الحزب الاشتراكي اليمني بعد حرب صيف 1994م, كما خرج من السلطة التجمع اليمني للإصلاح بعد انتخابات 1997م وأنفرد المؤتمر الشعبي العام بالسلطة بمفرده منذ تلك الفترة وحتى الآن لحصوله في انتخابات 1997م - 2003م على الأغلبية المريحة.وقد ارتبط قيام الوحدة بالديمقراطية والتعددية السياسية لذلك فهي تمثل مكسباً من مكاسب شعبنا تحققت له بفعل تحقيق الوحدة, فالديمقراطية نظام يعني حكم الشعب لنفسه حيث جاء في دستور الجمهورية اليمنية أن “الشعب هو مالك السلطة ومصدرها, ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة, كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعن طريق المجالس المحلية المنتخبة”.فالديمقراطية هي أحد أشكال السلطة السياسية وسلطة الدولة, وتتسم بمساهمة المواطنين في الإدارة وبتساويهم أمام القانون وبتوفر حقوق وحريات معينة للفرد كحق العمل والضمان المادي في حالة المرض وفقدان القدرة على العمل, وحرية الرأي والصحافة والاجتماعات والمسيرات, وبحق الانتخاب العام.فالشعب يختار من يمثله في مجلس النواب, ويعطيه من الصلاحيات ما يستطيع به أن ينوب عنه في تقديم المقترحات ومناقشتها وإصدار القوانين. ويمثل النائب المصلحة المشتركة للناخبين سواء كانوا أهل الدائرة الانتخابية أم الشعب كله.والتعددية السياسية تعني مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش, والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعنا.والتعددية السياسية بهذا المعنى هي إقرار واعتراف بوجود التنوع, وبأن هذا التنوع لابد أن يترتب عليه اختلاف في المصالح والاهتمامات والأولويات.وعلى أساس ما تقدم يمكن القول أن هناك أربعة مبادىء أساسية للتعددية السياسية هي:أولاً : الإقرار بحق التنظيم السياسي, بمعنى الاعتراف بحق القوى السياسية والاجتماعية في تنظيم نفسها في شكل أحزاب ومنظمات وجمعيات.ثانياً : إتاحة الفرص المتكافئة لجميع الأحزاب في الاتصال بالقاعدة الجماهيرية.ثالثاً : الحماية الدستورية وتعني البعد المؤسسي الذي يوفر الحماية لمختلف القوى.رابعاً : حرية تداول السلطة عبر الانتخابات الدورية والتعاقب المنتظم للحكام, فذروة العمل الديمقراطي والتجسيد الأعلى للعملية الديمقراطية هي الانتخابات الرئاسية لأنها تصل إلى سدة الحكم, وهو ما يعبر عنه بالتداول السلمي للسلطة ولا يجوز لأي شخص تولي منصب الرئيس كما جاء في دستور الجمهورية اليمنية لأكثر من دورتين مدة كل دورة سبع سنوات.
الثورة اليمنية.. والوحدة
أخبار متعلقة