[c1]د.علوي عبدالله طاهر[/c]صدر الكتاب عن مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء في عام 1993م، ويحتوي على تسعة أبواب وأربعة وعشرين فصلاً، يتناول المؤلف في الفصل الأول والثاني من الباب الأول موضوع التراث الشعبي من حيث مفهومه، وعلاقته بالعامية، واتصافه بالشعبية.وقد حاول في الفصل الأول أن يقدم تعريفاً للتراث الشعبي، فقد عرفه بأنه : ((الموروثات الشفوية التي تداولتها الأجيال ممن سبقوهم)). وأعاد للشعر الفضل الكبير في نقل هذه الموروثات الشفوية، لسهولة حفظه وتداوله في الألسن، وبسهولة ترديده بألحان وأهازيج مختلفة، بخلاف النثر الذي يتمثل في رواية بعض الأساطير والحكايات الشعبية والخوارق فقط.فهو قد فصل بين التراث الشعبي بمفهومه الثقافي ومفهومه المادي، وقال :(( إن المادي لا يعنينا كثيراً، لأنه يتعلق بالآثار والقطع الأثرية ونحوها)). وحاول أن يعدد بعضاً من المواضيع التراثية التي رأى أنها تندرج ضمن ما سماه (التراث الشعبي الثقافي) مثل : الشعر الشعبي، الحكايات الشعبية، الأساطير، الخوارق، الخرافات، الرقص الشعبي، المعتقدات، العادات والتقاليد، والطب الشعبي، والألعاب الشعبية. بالإضافة إلى الأغاني الشعبية، التي عدد بعضاً منها مثل : أغاني المهد والطفولة، وأغاني الأعراس والزواج، وأغاني المناسبات الدينية، وأغاني البطولة والفرح والعمل، وأغاني زفة الوعل أو قنصه، وأغاني الشبواني، وأغاني البالة، وأغاني الدان، وأغاني الزامل، ثم أخيراً أغاني المهاجل، وأغاني الصيادين.وأتى بنماذج متعددة لكل نوع من أنواع الأغاني، وملاحظتي عليه أنه أتى بنصوص معروف قائلها، قيلت بالعامية، مما ينتفي عنها صفة الشعبية، مما يجعلها تندرج ضمن الشعر العامي، وليس الشعبي، وقد وقع في هذا الالتباس كثير من الكتاب الذين كتبوا على الأدب الشعبي، فهل يصح أن يندرج شعر أشخاص معروفين بأسمائهم وربما شخوصهم، ضمن الشعر الشعبي، وإن قالوها بالعامية، أو كانوا أميين، فمادمنا قد نسبنا النص إلى صاحبه فإن صفة الشعبية تنتفي منه. فلا يصح مثلاً أن نقول عن شعر أحمد سيف ثابت، ومسرور مبروك وحمود نعمان، والشنواح، والمحضار،والصريمي، والذهباني وسحلول غيرهم، ، إنه شعر شعبي، لأن تلك النصوص وإن كانت قد قيلت بالعامية، إلا أنها منسوبة إلى أصحابها. لأن التراث الشعبي بمفهومه الشائع (الفولكلور) هو ما يصدر عن الشعب من قدرات إبداعية تظهر آثارها في فنونه وطقوسه أو عاداته وتقاليده، وما ينجم عنها من عبارات وألفاظ تتمثل في اللهجات المختلفة والأمثال السائرة والحكم السائرة، والنوادر والطرائف والنكت والفكاهات المتداولة، ونحو ذلك من الأمور التي يتداولها أفراد دون أن تكون منسوبة إلى أشخاص بعينهم. أي أن المأثورات الشعبية هي الحصيلة الكاملة لثقافة الشعب على اختلاف أجياله وبناته، ومن هنا يكتسب أهميته لأنه يصوغ الإطار العام للحياة، ويحدد العلاقات بين الناس ويضبط سلوك أفراد المجتمع.فالتراث الشعبي يرتبط بإنسانية الفرد، وقوامه ثقافة الكائن الإنساني في حيويتها وتطورها، فهو على عضويته يرتكز على تقاليد المجتمع، ويحافظ عليها، وبفضله نتعرف على آدابنا وفنوننا الشعبية، ولهذا السبب فإن للأستاذ المرحوم با صديق، رؤيته لمفهوم التراث الشعبي، ولكني في الوقت نفسه أقدر جهده، واحترم رأيه، وأثمن تثميناً عالياً هذه المساهمة الرائعة التي أثرى بها حياتنا الثقافية في حياته، والتي نأمل أن تبقى نبراساً يضيء الطريق للأجيال القادمة، إذ أن الكتاب قد وثق لكثير من المأثورات الشعبية اليمنية التي كادت أن تنقرض، ويطويها النسيان، بفعل التغيرات المتسارعة في مختلف جوانب الحياة.إن النصوص الشعبية (أي التي ابتدعها الشعب) لم تعد مجرد طرائف ساذجة ولكنها أصبحت في عصرنا بفضل الدراسة والمعرفة والذوق السليم من الأعمال الإبداعية للشعب التي يجب الاهتمام بها، ودراستها دراسة علمية موضوعية، بعد توثيقها للحفاظ عليها من الضياع، وقد أسهم المرحوم با صديق في وضع اللبنة الأولى في مدماك بناء التراث الشعبي عموماً.ومادمنا نختلف مع الكاتب في اعتبار الشعر العامي شعراً شعبياً فإننا سننصرف عن ما يسميه بالشعر الشعبي، ونحاول بعجالة تناول جانب هام من موضوعات الكتاب وهو الجانب المتعلق بأغاني المهد، ثم ننتقل للحديث عن العادات والتقاليد الشعبية.فقد وفق الباصديق أيما توفيق في التهيئة لهذا الفصل وبذل جهداً مشكوراً في البحث عن النصوص التي عرضها، والتي كادت أن تنقرض لولا توثيقها، وكلها تقريباً من الموروث الثقافي الذي انتقل إلينا مشافهة، إذ أن له الفضل في تدوينها وتوثيقها، فهو قد شارك كاتب هذه السطور الذي كانت مجاله في توثيق بعض هذه الترانيم، ونشر بعض الدراسات عنها في بعض المجلات اليمنية كالحكمة والمسار، أو العربية كمجلة الفيصل، غير أن فضل با صديق لا ينكر في كونه وفق في نشرها في كتاب، وهو ما لم يستطعه غيره، بمن فيهم كاتب هذه السطور. (ويمكن الرجوع إليها في ثنايا الكتاب).أما الفصل الذي يكاد المرحوم با صديق أن يكون قد تفرد فيه هو الفصل الخاص بالعادات والتقاليد الشعبية، فقد وفق في الحديث عن بعض العادات والتقاليد الشائعة في بعض مناطق اليمن، والتي كان لها عظيم الأثر في حياة أفراد المجتمع وتعدد أنماط سلوكهم بين منطقة وأخرى، فهم قد تأثروا في سلوكهم الاجتماعي بما توارثوه من عادات وتقاليد، ولذلك فإن الكتاب قد أكد على بعض العادات الإيجابية ونبه إلى سيئات بعض العادات السلبية، ومما قاله في هذا الخصوص : (( ولا شك أن كثيراً من عاداتنا وتقاليدنا الشعبية اليمنية المتوارثة إيجابية ومقبولة، ولهذا ظلت باقية وعاشت مع الإنسان اليمني في أدوار حياته المختلفة، سواء في الداخل أو في المهجر، ففي الداخل حافظ عليها وجعلها نظاماً يساعده على تسيير حياته سواء في الريف أو في المدينة إلى جانب احترامه وإتباعه قوانين بلده ونظمها العامة،.. والمهاجر اليمني في البلاد الغربية التي يعمل فيها لم ينس أن يتآلف مع إخوته اليمنيين في المهجر، مكوناً بذلك منهم أسرة واحدة، أو كما يسمونها في عرف الخارج (جالية)، فهم يتبعون عادات وتقاليد بلادهم هناك لكي يستعينوا بها في تسيير نظم حياتهم اليومية كجماعات وليسوا كأفراد)). ص 298.وفيما يتعلق بالعادات السلبية، فإنه يقول عنها : (( وبعض تلك العادات والتقاليد الشعبية اليمنية سلبية وغير معقولة، ولذلك لم يقبلها كثير من الناس، ومع تغير الأوضاع في المجتمعات اضمحلت وانمحت في كثير من المناطق اليمنية)) ص298.ثم يشير إلى بعض تلك العادات السلبية المتفرضة، مثل:1. خجل الوالدين وشعورهما بالخزي إذا ما رزقا بنتاً في بعض المناطق. وهي عادة جاهلية قديمة.2. وكذا تفضيل الابن على البنت في بعض المناطق.ويأتي بشواهد من الشعر العامي المتداول لتأكيد ذلك. (انظر ص298) وما بعدها.ويت طرق إلى بعض العادات المتعلقة بحياة الإنسان اليمني والأدوات التي يستخدمها في مسار حياته اليومية، سواءً في إعداد طعامه، أو في أفراحه وأتراحه، وهي عادات تختلف بالضرورة من منطقة إلى أخرى، إلى جانب عاداته في التربية، والولادة والزواج والموت ونحو ذلك.ونرى أنه ليس في مقدور باحث لوحده مهما أوتي من قدره أن يغطي عادات وتقاليد المناطق اليمنية المختلفة، لذلك فإننا ندعو الباحثين المساهمة في هذا الجانب بأن يتناول كل منهم عادات وتقاليد منطقته.
|
ثقافة
لمحة موجزة عن كتاب با صديق في التراث الشعبي اليمني
أخبار متعلقة