أقواس
محمد فؤادمما لا شك فيه، بأن مؤلف كتاب حوارية الفن وأبجدية المعرفة د. عز الدين شموط واحداً من فرسان الفن التشكيلي السوري والعربي المُعاصر، والمُتبحر في ميادين البحث الأكاديمي للفنون الجميلة التشكيلية في سياقاته المنهجية. فهو يؤلف بإعماله قصيدة بصرية حافلة بالجماليات.وهو دمشقي المولد وسوري الجنسية وعربي الانتماء، وجد في مراحل دراسة الجامعية الأولى في كلية الفنون الجميلة بدمشق ما بين أعوام 1961-1966 نقطة الانطلاق لمتابعة دراساته الأكاديمية العليا في باريس منذ عام 1974 وحصوله على مجموعة من الشهادات الجامعية بمرتبة «دكتوراه» في ميادين الفنون التشكيلية فناً وبحثاً ومتابعة ميدانية وطابت له الإقامة والعيش فيها كفنان عربي مُهاجر. وما كتابه «النقد في الفن التشكيلي» إلا خطوة متجددة وموفقة على طريق البحث العلمي لمجالات الفنون التشكيلية، اختطته مُخيلته ومسالك إبداعه وفنه كنوع من المواكبة السليمة ما بين البحث النظري والتطبيق العملي لقد أحسن المؤلف في إتباع منهجه البحثي لبناء واحة ملحوظة لأفكاره كفنان وباحث في الوصول لأهدافه المرسومة في بلورة عنوان الكتاب. ولم يخرج قط عن هذا الإطار النظري الجامع لمجموعة من الأفكار المتناقلة عِبر صيرورة الفن والنقد الفني المواكب منذ الإغريق والرومان وصولاً لعصر النهضة الإيطالية والمدارس الفنية الأوربية الغربية المعاصرة. استفاض الكاتب في عرض الآليات المُساعدة على تكوين الآراء النقدية في الفنون التشكيلية منطلقاً من العصور الإٌغريقية، أي منذ سقراط وأرسطو ومناقشة أفكارهم في شأن الفنون التشكيلية وموقعها مابين مناهل الابتكار المختلفة كالشعر وسواه. باعتبارها المنطلق لولادة مدارس النقد الحديثة والمعاصرة سواء في عصر النهضة الإيطالية أو المعاصرة الأوربية الغربية. ثم تناول الحقبة الرومانية. إذ يرى المؤلف بأن عصر النهضة الإيطالية بمثابة المفتاح الجوهري لتأسيس الرؤى النقدية المعاصرة بالفن، لأن فيه عودة صريحة لأفكار «أرسطو» وظهور الاتجاهات الكلاسيكية الجديدة. وتوخى المؤلف الجمع ما بين مجموع الاتجاهات والتيارات الفنية المولودة في أحشاء التناقض الأيديولوجي للقارة الأوربية حول مفهوم الفن التشكيلي ومدارسه التي واكبت المتغيرات السياسية والاقتصادية وأنماط التشكيلات الاجتماعية التي عايشتها أوربا منذ نهاية القرن التاسع عشر، بادئاً بالمنهج الماركسي للفن ذلك المنهج المتصل بالتطور الاجتماعي والثقافي لبنى المجتمع وعلاقتها مع تطور وسائل الإنتاج واعتماد المناحي الطبقية، وما حفلت بها من ذاكرة ومعارف جمالية لشخوص وأفكار، معتمداً على مقولات كل من « بليخانوف، فرانسكل». أما منهج النقد الفني الجغرافي المعتمد على عوامل بيئية جغرافية وأجناس وحضارات مادته الأساسية التأويل التاريخي للفن والجمال، ومن رموزه الأسباني سانتيولا، البرازيلي ستينين، الهندي شورز».بينما يرى المؤلف بأن منهج علم النفس الجماعي تتويجاً لمجموعة المعارف والمقولات والنظرات السابقة منذ الإغريق وحتى التاريخ المعاصر، وأوجدت فلسفات فن ونقد فني مُغاير للأنماط التقليدية واستبدالها بمسالك نقد فني جديدة. شكل باب النقد الفني وعلم النفس الفردي والتحليل النفسي سياقاً منطقياً لسابقه وفيه توسع لأفكار فرويد النقدية المتصلة بلوحات الفنان الإيطالي دافنتشي. ويُحيل الكاتب منهج النقد السريالي إلى «بروتون، بول ايلوار، غستاف مورو» هذا المنهج الذي سرعان ما اندثر بزوال رواده. وكذلك الحال بالنسبة لمنهج الدادا القائم على إظهار البشاعة وتهديم أسس الفن الجميل». لينتقل لإبراز أراء الفنانين النقدية من واقع التجربة والخبرة وما تفيض قريحتهم من مقولات وأفكار. وكذلك الأمر بالنسبة لنقد الأدباء الذين تناولوا الفن من واقع اشتغالهم المهني الكتابي وآليات السرد والوصف المكتوب. متوصلاً بطبيعة الحال للنقد السيميولوجي بالفن عبر دراسة العلامات والإشارات وخلفية الرموز في عين وعقل الناقد. معطياً مجالاً واسعاً للنقد المقارن والصحفي والأسلوبي مُتخذاً من الدراسات النقدية التي تناولت لوحة الفنان الفرنسي ديلاكروا « الحرية تقود الشعب»، أنموذجاً منهجياً في فنيات قراءة العمل الفني التشكيلي. لينهي هذا الفصل بعنوان الأعراف النقدية المعاصرة. الكتاب في كافة فصوله وأبوابه محاولة جادة من فنان باحث عاش حيزاً من عمره وثقافته البصرية في باريس ليجد نفسه متبحراً في ميادين فنونها، وأبحاثها وتفاصيل المكونات المعرفية والجمالية فيها ذات النزعات المركزية الأوربية الغربية، والمنحاز في طبيعته الشخصية والإبداعية كفنان وباحث لواحة الفنون الكلاسيكية التي تُمثل فنون عصر النهضة الإيطالية نموذجه المُفضل. وهو بلا أدنى شك كتاب جدير بالقراءة والاقتناء.